قصة قصيرة مستوحاة من بيت شعري للإمام محمد بن إدريس الشافعي، أحد أئمة المذاهب الفقهية الأربعة:
"يَلُومُونَنِي أَنْ بِعْتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلِي
وَلَمْ يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ"
وَلَمْ يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ"
في رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس، وفي "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، وفي "الطاعون" لألبير كامو، وفي ظلال "بيت الأرواح" لإيزابيل ألليندي... نجد دائمًا بيتًا، وجارًا، وسرًّا يتعفن في الجدران.
وها أنا، كأنني أحد أبطال تلك الروايات، أخرج من بيتي في حي هادئ من مدن المغرب، لا لأني مللت الجدران، بل لأني سُجنت فيها.
كنت أظنّ أن البيت مأوى، ملاذ من ضجيج الحياة، حتى اكتشفت أن أسوأ ما قد يبتليك به القدر... جار لا يخاف الله ولا يوقّر الناس.
كان منزلي جنةً صغيرة: شجرة ليمون تبتسم في الفناء، صوت المؤذن يتسلل عبر نافذة المطبخ، وقطة رمادية اسمها "ليتشي" تتمطى فوق سجادة الصلاة.
لكن الجار... كان لعنةً.
في البداية، ظننته مزاجيًا. يصرخ في الليل على أولاده. يسبّ زوجته. يفتح صنبور الماء ليغرق سورنا المشترك.
ثم بدأ التسلل إلى ما هو أفظع: يفتعل النزاعات، يشتكي بدون سبب، يزرع الشوك في الطريق، يقطع الكهرباء، يسرّب الموسيقى الصاخبة وقت الفجر.
وحين كنت أبتسم متسامحًا، كان يزداد غلًّا.
وحين كنت أقول لأبنائي: "اصبروا، الجار ابتلاء"، كانوا يردّون: "هذا ليس جارًا... هذا طاعون."
وحين كنت أقول لأبنائي: "اصبروا، الجار ابتلاء"، كانوا يردّون: "هذا ليس جارًا... هذا طاعون."
ذكّرني ذلك بجار سعيد مهران في "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، ذالك العسسَ الذي وشى به، أو بجار ليواندوفسكي في رواية "إذا كان هذا إنسان" لبريمو ليفي، الذي تقاسم معه الجوع.... لا الرحمة.
كأن الجيرة عند بعضهم لا تعني إلا المشاركة في الألم، بلا عزاء.
كأن الجيرة عند بعضهم لا تعني إلا المشاركة في الألم، بلا عزاء.
ومثل بطل في رواية إرنست همنغواي، صرتُ أقاوم الريح وحدي.
لكن البيوت حين تُصاب بروح الجار السيئ، تُصبح زنزانات.
لكن البيوت حين تُصاب بروح الجار السيئ، تُصبح زنزانات.
كان عليّ أن أختار:
الكرامة أم العقار؟
السكينة أم العناد؟
الكرامة أم العقار؟
السكينة أم العناد؟
فبعتُ المنزل.
نعم، بثمنٍ أقلّ من قيمته.
ضحكتْ المدينة عليّ، ووشوش الأقارب بكلمات كالرصاص: "سذاجة!"، "جبن!"، "غُبْن!"
ضحكتْ المدينة عليّ، ووشوش الأقارب بكلمات كالرصاص: "سذاجة!"، "جبن!"، "غُبْن!"
لكن لا أحد منهم نام ليلة تحت قصف الألفاظ، أو تجرّع قهوة الصباح على وقع الشتائم.
"يَلُومُونَنِي أَنْ بِعْتُ بِالرُّخْصِ مَنْزِلِي
وَلَمْ يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ"
وَلَمْ يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ"
الآن، أقيم في بيت صغير مطلّ على البحر، لا صوت فيه سوى صوت الموج.
وأقسم بالله... أن النسيمَ الذي يطرق نافذتي، أرحمُ من كلّ الجدران، إذا جاورها قلبٌ حقود.
وأقسم بالله... أن النسيمَ الذي يطرق نافذتي، أرحمُ من كلّ الجدران، إذا جاورها قلبٌ حقود.
.png)