Monday 19 May 2025
سياسة

مؤامرات فرنسا ضد إفريقيا.. المغرب المتمرد!

مؤامرات فرنسا ضد إفريقيا.. المغرب المتمرد! الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون
يثبت‭ ‬قرار‭ ‬"الإدانة"‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬امتدادا‭ ‬كبيرا‭ ‬لتيار‭ ‬فكري‭ ‬سياسي‭ ‬ذي‭ ‬نزعة‭ ‬عنصرية‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬كتلة‭ ‬«حزب‭ ‬الشعب‭ ‬الأوروبي»‭ ‬«الديمقراطيون‭ ‬المسيحيون»‭ ‬بـ‭ ‬182‭ ‬عضوا،‭ ‬وكتلة‭ ‬«التحالف‭ ‬التقدمي‭ ‬للاشتراكيين‭ ‬والديمقراطيين» (153 عضوا»،‭ ‬و«كتلة‭ ‬تجديد‭ ‬أوروبا‭ ‬(108‭ ‬أعضاء»،‭ ‬وكتلة‭ ‬«الخضر»‭ ‬التحالف‭ ‬الأوروبي‭ ‬الحر»‭ ‬(74‭ ‬عضوا»‭ ‬وكتلة‭ ‬«الهوية‭ ‬والديمقراطية»‭ ‬(73‭ ‬عضوا»،‭ ‬و«الكتلة‭ ‬الكنفدرالية‭ ‬ليسار‭ ‬الأوروبي‭ ‬المتحد/‭ ‬اليسار‭ ‬الأخضر‭ ‬الشمالي"‭ ‬(41‭ ‬عضوا)،‭ ‬ثم‭ ‬أخيرا‭ ‬غير‭ ‬المتكتلين‭ ‬من‭ ‬"التحالف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬والحرية"‭ ‬و«مبادرة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيوعية‭ ‬والعمالية" (54 عضوا)‭.‬

فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المستشار‭ ‬السابق‭ ‬المقرب‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬ستيفان‭ ‬سيجورني،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬تكفل‭ ‬بإقناع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البرلمانيين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬من‭ ‬كتل‭ ‬مختلفة‭ ‬بالتصويت‭ ‬لفائدة‭ ‬قرار‭ ‬يدين‭ ‬الشريك‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لأوروبا،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬تعتبره‭ ‬قرارا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬يرتبط‭ ‬بموقعها‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا‭. ‬كما‭ ‬تعتبره‭ ‬«إجراء‭ ‬تأديبيا»‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬وضعها‭ ‬أمام‭ ‬«اختبار»‭ ‬صعب‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بمناطق‭ ‬نفوذها‭ ‬التقليدية‭. ‬إذ‭ ‬غطى‭ ‬وجوده‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬على‭ ‬وجودها،‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬فاعلين‭ ‬آخرين‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وروسيا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬لقضم‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬باريس‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الحضور‭ ‬الروسي‭ ‬بمالي،‭ ‬وحاليا‭ ‬ببوريكينافاصو‭. ‬

إن‭ ‬فرنسا،‭ ‬ومعها‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬تحاول‭ ‬بمختلف‭ ‬الطرق،‭ ‬محاصرة‭ ‬«موسكو»‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬بما‭ ‬يحافظ‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬حضورها‭ ‬التقليدي‭ ‬بدول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تضحي‭ ‬بالمغرب‭ ‬المتحالف‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬لصالح‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬تجمعها‭ ‬علاقات‭ ‬تاريخية‭ ‬وطيدة‭ ‬بروسيا،‭ ‬وذلك‭ ‬لخلط‭ ‬الأوراق،‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬شد‭ ‬الحبل‭ ‬بين‭ ‬الدولتين‭ ‬المغاربيتين‭ ‬عبر‭ ‬الإمساك‭ ‬بورقة‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬موسكو،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إسبانيا‭. ‬

إن‭ ‬فرنسا،‭ ‬التي‭ ‬تهز‭ ‬ذيلها‭ ‬أمام‭ ‬الغاز‭ ‬الجزائري،‭ ‬تعمل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بوسعها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬جذوة‭ ‬الخلاف‭ ‬الجزائري‭ ‬الروسي،‭ ‬أولا‭ ‬لأنها‭ ‬تعتبر‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الحليفين‭ ‬التقليدين‭ ‬هو‭ ‬المدخل‭ ‬المركزي‭ ‬للبقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الوجود،‭ ‬وثانيا‭ ‬لأنها‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬«منصة‭ ‬عسكرية»‭ ‬فعلية‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينافاصو‭ ‬والغابون‭ ‬وغيرها؛‭ ‬وثالثا،‭ ‬لإن‭ ‬إرخاء‭ ‬الحبل‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬الفشل‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مواقعها،‭ ‬لصالح‭ ‬القوى‭ ‬الوافدة‭.‬

إن‭ ‬العمل‭ ‬بالمناولة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬فرنسا‭ ‬تطبيقه‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وأقنعت‭ ‬أوروبا‭ ‬بضرورة‭ ‬تفعليه،‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬نظرة‭ ‬قصر‭ ‬الإليزيه‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا،‭ ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬«الاستعمار‭ ‬الجديد»‭ ‬يتفكك‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬النخب‭ ‬الإفريقية‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬النضج‭ ‬السياسي،‭ ‬ومع‭ ‬ظهور‭ ‬فاعلين‭ ‬دوليين‭ ‬آخرين‭ ‬بنوايا‭ ‬استثمارية‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التبعية‭ ‬والاستغلال،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬التعاقد‭ ‬والاستثمار‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬تركيب‭ ‬قطع‭ ‬البوزل‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬«الحق‭ ‬في‭ ‬المستعمرات‭ ‬القديمة»،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬«الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬الثقافي‭ ‬والإداري‭ ‬والاقتصادي»‭. ‬فماكرون‭ ‬يراهن،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصفة،‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الأوروبي‭ ‬للجزائر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إخراجها‭ ‬من‭ ‬حلقة‭ ‬النفوذ‭ ‬التقليدي‭ ‬لروسيا،‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحويل‭ ‬«كابرانات‭ ‬الجزائر»‭ ‬الفائزين‭ ‬بعائدات‭ ‬الغاز‭ ‬إلى‭ ‬كابحين‭ ‬لموسكو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التغلغل‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وإلى‭ ‬قنابل‭ ‬موقوتة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬يمضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬قراراته‭ ‬السيادية،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاستثماري،‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬باريس،‭ ‬أو‭ ‬الجلوس‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭.‬

لقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬باريس‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬أدار‭ ‬لها‭ ‬الظهر‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬بحثها‭ ‬عن‭ ‬موطء‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذها‭ ‬السابقة،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنها‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تقنع‭ ‬أوروبا،‭ ‬ومعها‭ ‬العالم،‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬منشغل‭ ‬فقط‭ ‬بالتجسس‭ ‬على‭ ‬القادة‭ ‬والرؤساء‭ ‬والوزراء،‭ ‬وبأنه‭ ‬بلد‭ ‬«بوليسي»‭ ‬و«استخباراتي»‭ ‬و«قامع‭ ‬للحريات»‭. ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬حولت‭ ‬أن‭ ‬«تغيظه»‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬وتبادل‭ ‬الزيارات،‭ ‬آخرها‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الجنرال‭ ‬سعيد‭ ‬شنقريحة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الزيارة‭ ‬المرتقبة‭ ‬للرئيس‭ ‬تبون‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭. ‬وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬فرنسا‭ ‬الماكرونية‭ ‬نست‭ ‬أن‭ ‬مياها‭ ‬كثيرة‭ ‬مرت‭ ‬تحت‭ ‬الجسر،‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬وليست‭ ‬دولة‭ ‬«مناولة»‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬تابعة‭ ‬للتاج‭ ‬الماكروني،‭ ‬وأن‭ ‬سياسة‭ ‬«فرّق‭ ‬تسد»‭ ‬وإنتاج‭ ‬كمّ‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬البوابة‭ ‬لاستمالة‭ ‬المغرب‭ ‬أو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬روابط‭ ‬قوية‭ ‬معه‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬المحللين: «ما‭ ‬يميّز‭ ‬علاقات‭ ‬فرنسا‭ ‬مع‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬أنها‭ ‬تتأثر‭ ‬بالأهواء‭ ‬والأمزجة‭ ‬بقدر‭ ‬تأثرها‭ ‬بالمصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والقرارات‭ ‬المصيرية‭. ‬إنها‭ ‬علاقات‭ ‬انفعالية‭ ‬حساسة‭ ‬وسهلة‭ ‬التقلب»،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الانقلاب‭ ‬الفرنسي‭ ‬الحالي‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬القرار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الانفعال‭ ‬أو‭ ‬الغضب‭ ‬أو‭ ‬«شد‭ ‬الأذن»،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬المغرب‭ ‬بمنطق‭ ‬القافلة‭ ‬تسير‭ ‬و«الكابرانات»‭ ‬ينبحون‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وباريس‭ ‬والبرلمان‭ ‬الأوروبي‭..‬
 
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"