ليـس النقـد، كمـا يُمارسـه كمـال عبـد اللطيـف، فعـاً أكاديميـاً خالصـاً، كلُّ همّـه قــراءة النصــوص وتصنيفهــا وترتيـبُ موضوعاتهــا، وإنمــا هــو فعـلٌ يعيِّـنُ لنفســه ‘‘مهمَّــة حضاريـة’’ علـى درجـةٍ كبيـرة مـن الأهميـة؛ تَفْكيـكُ ازدواجيـة الخِطـاب السياسـي العربي التـي تعكـسُ ازدواجيـة الممارسـة السياسـية وواقـع الدولـة، وهـي ازدواجيـة متجـذرة في خضــوع الفعــل السياســي العربــي لمنطقيــن متقابليــن؛ منطــقُ التقليــد ومنطــقُ الحداثــة اللــذان يعتمــان داخــل الدولــة. لقــد ‘‘ظـلَّ الفكــر السياســي العربــي- يقــول كمــال عبــد اللطيــف- ينتقــدُ إزدواجيــة الدولــة المُتمثِّلــة في مَظاهرهــا الحديثــة المُختلطــة بمنطــق التقليــد الســلطاني مــن دون أن ينجــح في تقليــص مســاحة التقليــد المُهيمِــن علــى مَنطــق الدولــة. واســتمرَّت الدولــة تُــراوِحُ الخطــى بيْــن مَطلــب أن تكــون دولــةً حديثــة، وهــو مطلـبٌ خارجــي في الأســاس، وقــد تحـوَّل بفعــل وأفعــال المُثاقفــة والتطـوُّر التاريخــي إلــى مطلـبٍ للنخــب السياســية، وبيــن الفكــر السياســي المُحايــث لنظــام الدولــة، وهــو فكـرٌ يسـتدعي خطابـاً في السياسـة التراثيـة، سـابق في محتـواه علـى مظهـر الدولـة الوطنية، أي سـابق علـى مرحلـة الحداثـة السياسـية التـي أسسـت نظـام الدولـة الجديـدة في الغـرب الأوروبــي.1’’ يتَّخـذُ فعـلُ النقــد، إذن، صــورة ترســيم الحــدود بيــن المرجعيتيــن التراثيــة والحديثـة، وقـد اقتضـى ذلـكَ الكشـف عـن نظـام الخطـاب السـلطاني ومبادئـه المحـددة لرؤيتــه، كمــا عــن الجدليــة النظريــة القائمــة بيــن مفاهيمــه المُؤسِّســة علــى ضــوء حـسٍ تاريخــي يصـلُ تلــك الجدليــة ‘‘بالتاريــخ وبالواقــع والوقائــع’’، ويُسَـلِّم ‘‘بالعاقــة الوثيقــة بيْــن السياســة والتاريــخ، أي بيــن خطــاب السياســة وفعــل التاريــخ.2’’ هكــذا يكــون الوقــوف علــى بنيــة الخطــاب الســلطاني فعــا نقديــا يرمــي إلــى بيــان صلتــه بالاســتبداد، وهــذا مــا يفســر اقـتران النقــد بفعــل التشــريح في دراســة كمــال عبــد اللطيــف؛ فالغــرض مـن قـراءة نصـوص ذلـك الخطـاب ليـس فقـط تصنيفهـا علـى نحـو يمكـن الباحـث مـن الإفــات مــن قبضــة نمطيتهــا، وإنمــا الوصــول إلــى الجــذور الاســتبدادية لرؤيــة الآداب الســلطانية التــي هــي عينهــا رؤيــة الفكــر السياســي الإســامي الكاســيكي. ولفــظ آداب ليــس يحيــل، في مقامنــا هــذا، علــى نمــط مخصــوص مــن الســلوك والأخــاق الملكيــة والســلطانية، وإنمــا هــو إشــارة إلــى ثقافــة سياســية اســتطاعتْ فــرض تصورهــا للسياســة ومجالهـا في تاريـخ الفكـر الإسـامي. مـن هنـا أمكـن القـول إنَّ تشـريح أصـول الاسـتبداد . مـن داخـل نصـوص الآداب السـلطانية يبقـى محاولة لتشـريح الثقافة السياسـية الإسـامية الكاســيكية وامتداداتهــا في الحاضــر العربــي؛ إذ مــن شــأن ذلــك أن يمكننــا مــن فهــم ازدواجيـة الدولـة وتأرجـح اشـتغالها بيـن المنطقيـن التقليـدي والحديـث. كمـا مـن شـأنه أن يكشــف عــن قــوَّة المخــزون التراثــي وقابليتــه للتوظيــف و‘‘الاســتخدام في معــارك الحاضر السياسية، الثقافية والحضارية.1
يغلـب علـى كثيـر مـن المفكريـن العـرب الربـط بيـن فعـل النقـد ومطلـب تجـاوز وضعيــة التأخــر التاريخــي. وســواء تعلــق الأمــر بنقــاد الخطــاب العربــي المعاصــر وإيديولوجيتـه أو بنقَّـاد الـتراث مـن المدافعيـن عـن الاختيـار الحداثـي في الفكـر العربـي المعاصـر، فـإنَّ هـذا الربـط غـدا أدخـل في بـاب البديهيـات مـع المشـروعات النقديـة التـي صاغهـا المفكـرون العـرب. وإذا كان كمـال عبـد اللطيـف مـن ممثلـي الخطـاب النقـدي في الفكـر العربـي المعاصـر، فـإن ذلـك لـم يحملـه علـى المُماهـاة بيـن النقـد والتجـاوز. فالنقــد، في نظــره، يبقــى فعــا إراديــاً وقــراراً واعيــاً، أمَّــا التجــاوُز فــ ‘‘يعــدُّ مشــروعاً تاريخيـاً أكـبر مــن فعــل النقــد الإرادي والواعــي.2’’ بذلــك يتـبرمَّ هــذا المُفكِّـرُ مــن كلِّ نزعـةٍ إرادويـة تحسـبُ فعـل النقـد قـادراً، لوحـده، على تجـاوُز وضعيـة التأخـر التاريخي، لكنـه لا ينفـي حاجتنـا إلـى ذلـك الفعـل وإلـى المنظـور الـذي يرسـخه في الوعـي العربـي، إذ إنَّ ‘‘القــراءات النقديــة للــتراث المُســتوعبة لآليــات المناهــج العصريــة بمفاهيمهــا الجديـدة، تُمكِّنُنـا مـن إعـادة تعييـنِ مبـادئ ومكونـات الـتراث، بالصـورة التـي لا تجعلنـا نقبـل ارتـداء أقنعتـه، أو اسـتعادة لغاتـه.3’’ تكمـن قـوة المنظـور النقـدي في اعتـداده بمناهج البحـث الحديثـة التـي شـكلَّت ثـورةً في مسـار الفكـر الغربـي، بـل ويعتبرهـا أركـون نتيجـة تشـكُّل العقـل الحديـث وتجسـيداً للعقانيـة المُنبثقـة.4 وبمقـدار مـا يُحـاول كمـال عبـد اللطيــف فهــم الـتراث السياســي مــن خــال الإنصــات لنصوصـه والوقــوف علــى بنيتهــا الداخليــة، فإنــه يأبــى إلا أن يقرأهــا علــى ضــوء مناهــج النقــد الحديــث والمُعاصــر، ولا يــتردَّد في الانتهــال مــن مفاهيــم الفلســفة المعاصــرة ومجــال العلــوم الإنســانية في بنــاء منظـوره النقـدي التأويلـي. تحضُـر في دراسـة كمـال عبـد اللطيـف عـدّةٌ مفاهيميـةٌ تَضـرب بجذورهــا في الفكــر الفلســفي المعاصــر ونموذجــه المعــرفي المركــب المتشــبع بالنفــس التاريخــي، حيــث أعمــل مفاهيــم الإيديولوجــي، والتاريــخ، والنظــام المعــرفي، والنقــد التاريخــي، والقطيعــة، والمثاقفــة ..الــخ في قراءتــه لنصــوص الآداب الســلطانية، علــى نحــو أســعفه باتخــاذ مســافة نقديــة منهــا واســترجاع معطيــات خطابهــا ‘‘بآليــة في الفهــم تتوخــى مــا أمكــن اســتيعابه في جدليتــه التاريخيــة، واســتيعاب مُــبررات اســتمراره ومواصلتـه الحضـور في أزمنـة جديـدة.1’’ مبنـى هـذه المقاربـة علـى ‘‘توجـه منهجـي يقـرأ الـتراث في زمانيتـه بمـا يُتيـح مـن إمكانيـة وعـي حـدوده ورسـم معالـم أنظمتـه، في النظـر وفي التاريــخ2’’، وهــو توجُّـهٌ يضــع الخطــاب ذاكَ في ســياق إطــاره التاريخــي في الآن ذاتــه الــذي لا يفصلــه عــن الفكــر الإنســاني وتاريخــه باعتبــاره ‘‘حلقــةً مــن حلقــات الفكــر السياسـي الإنسـاني’’، بمـا يتيحـه ذلـك مـن التعامـل مـع هـذا الخطـاب باعتبـاره جـزءاً مـن تاريـخ الأفـكار السياسـية؛ فهـي تبقـى، في نهايـة المطـاف، ‘‘آدابـاً سياسـية إنسـانية، أُنتجت هنا وهناك وفي أزمنة مختلفة.3’’
نتـأدَّى في أعقـابِ مـا تقـدَّم إلـى القـوْلِ إنَّ كمـال عبـد اللطيـف طـوّر منظـوراً نقديـاً تأويليــا في قراءتــه لنصــوص الآداب الســلطانية. وليــس في تعقبــه لبنيــة هــذا الخطــاب أي نزعــة نصيــة تفــرض علينــا قراءتـه بشــكل حــرفي مــن دون وعــي بأفــق تأويلــه. فمــا الــذي ميّــز هــذا الخطــاب؟ وكيــف مكــن نقــده مــن فضــح بــؤر الاســتبداد الثاويــة في ثنايــا نصوصه؟
ثانياً؛ في بنية الخطاب السلطاني
جـرتْ عـادة الباحثيـن في مَجـال الفكـر السياسـي الإسـامي علـى رسـم الحـدود الفاصلــة بيــن مختلــف الخطابــات المكونــة لــه. ومنــذ أن ميَّــز ابــن خلــدون، في ســياق تأسيســه لعلــم العمــران، بيْــن القـوْل الفقهــي في السياســة (السياســة الشــرعية)، والقــول الفلسـفي (السياسـة المدنيـة)، والقـول السـلطاني (السياسـة العقليـة4)، غــدا التمييـزُ بيـن هـذه الخطابـات أدخـل في بـاب المسـلمات عنـد كثيـرٍ مـن الباحثيـن، علـى نحـو يَحملُنـا علـى الاعتقـاد بـأنَّ كلَّ واحـد مـن تلـك الخطابـات كان يمثـل ‘‘نظـام قـولٍ’’ معـزول عـن غيــره، لــه رؤيتُــه الخاصــة إلــى السياســة ويخضــع لمنطــق خــاص بــه. يعســر علينــا، متــى صدرنــا عــن هــذا المنظــور، فهــم طبيعــة القــول الســلطاني وســبب حضــور رؤيتــه في مُختلـف قطاعـات الفكـر السياسـي الإسـامي الكاسـيكي، لذلـك تبـدو هـذه الفرضيـة ضعيفـةَ الحضــور في مُقاربــة كمــال عبــد اللطيــف لـلآداب الســلطانية، الــذي ينظـرُ إلــى هــذا الخطــاب مــن حيــث هــو رؤيــةٌ إلــى السياســة عابــرةٌ لمختلــف مجــالات الفكــر السياسـي الكاسـيكي، أكثـر ممـا هـو مجـرد ‘‘مُسـندٍ’’ أو ‘‘موسـوعةٍ’’ تحتـوي جملـةً مـن النصــوص التــي أعــادت إنتــاج نفســها عــبر تاريــخ الفكــر الإســامي. صحيــح أنَّ هــذا المُفكــرَ اقــترح تنظيــمَ مكونــات الخطــاب الســلطاني وفــق أبــواب ســتة شــملت كتــب الرسـائل، وكتـب العهـود، وكتـب المنتخبـات، وكتـب التدبيـر السياسـي، وكتـب نصائـح الملـوك، ثـم كتـب آداب الـوزارة1، بيـد أنَّ ذلـك لا ينفـي وحـدة هـذا الخطـاب وصـدورَه عـن رؤيـة واحـدة إلـى السياسـة.2 بنـاءً علـى ذلـك، لا يسـلم كمـال عبـد اللطيـف ببداهـة التســميات التــي أُطلقــت علــى هــذا الخطــاب، في الماضــي كمـا في الحاضــر، مــن قبيــل تسـميته بخطـاب كتَّـاب الدواويـن، ومرايـا الأمـراء، ونصائـح المُلـوك، مُعتقـداً أنـه خلْـفَ التسـميات المتعـددة يوجـدُ منظـورٌ يجسـد تجربـة في الثقافـة السياسـي الإسـامية اقترنـت بمســار الدولــة والمنحــى الــذي اتخذتــه تجربــة المُلــك في التاريــخ الإســامي. يتعلَّــق الأمــر بخطــابٍ نضــج في تجربــة انقــاب الخافــة إلــى المُلــك، والانفتــاح علــى الثقافــة الفارسـية وهيمنـة العنصـر الفارسـي منـذ نهايـة الدولـة الأمويـة، ‘‘حيـث شـكلت اسـتعانة المُلــوك العباســيين بالموالــي مــن الفــرس مناســبةً لتغلغــل العنصــر الفارســي في دواليــب الدولـة بمختلـف مسـتوياتها. ثـم ازداد نفوذهـم بنقـل السـلطة الإسـامية مـن الشـام إلـى بغــداد، ممَّــا ترتَّــب عنــه تعاظــم هــذا النفــوذ، وتمظهــره في مجــالات عــدّة.3’’ علــى أنَّ الانفتــاح علــى الثقافــة الفارســية لــم يكــن نتيجــة عمليــة مُثاقفــة بيــن الثقافيتيــن العربيــة والفارســية فقــط، بقــدر مــا ترجــم تحــوُّلًا علــى مســتوى بنيــة الدولــة الإســامية مــع العباســيين، بعــد أنْ انتقلــت مــن نمــوذج ‘‘دولــة المُلــك العربــي’’ مــع الأموييــن، إلــى نمـوذج الدولـة الإمبراطوريـة التـي امتـدَّت سـلطتها إلـى مناطـق جديـدة وثقافـات لا عهـد للعـرب بهـا، بمـا طرحـه ذلـك مـن تحديـات ارتبطـت بتدبيـر العاقـة بمختلـف مكونـات المجتمــع الإســامي الجديــد، خاصــة في ظــل تنامــي الحــركات الشــعوبية المناوئــة للعــرب وسُــلطتهم. في هــذا الإطــار، يُمكــن أن نفهــم إقبــالَ المُفكريــن العــرب علــى الأدب السياســي الفارســي، لأنــه أســعفَ الدولــة الآخــذة في التوسُّــع بمنظــور سياســيٍ يقـومُ علـى نمـط للتسـويغ مُغايـرٍ لمـا جـرتْ عليـه عـادة الفكـر السياسـي الإسـامي مـع الفقهــاء في هــذا البــاب. فهــذا النمــط مــن التأليــف السياســي ليــس مجــرَّد تعريــف بالنصـوص الكـبرى المُمثلـة للقـول الفارسـي في السياسـة، بـل إن نشـأته تجـاوزتْ تأويـل النصــوص، في نظــر كمــال عبــد اللطيــف، إلــى مُســتوى إنشــاء النصــوص، وترجمــة البعــض منهــا، ‘‘ممــا توفــره تجــارب أمــم قريبــة مــن بــاد الإســام، إن لــم تكــن قــد أصبحــت مســلمة في قلــب دار الإســام الواســعة أو علــى امتــداد تخومهــا المُتراميــة.1’’
يعنــي هــذا القــولُ أنّ نشــأةَ الآداب الســلطانية لــم تكــن، فقــط، صــدى لتفاعــل الثقافتيــن العربيـة والفارسـية في خضـم الفتـح العربـي لبـاد فـارس، بقـدر مـا أتـى يعـبر عـن حاجـة الدولـة إلـى خطـابٍ سياسـي يسـتجيب لرؤيتهـا إلى السـلطة، التي باتـت مطالبة بتأسيسـها خـارج دوائـر الرؤيـة الفقهيـة المعياريـة كمـا صاغهـا فقهـاء السياسـة، والتـي قامـت علـى فــرض شــروط معياريــة علــى الحاكــم مثـل لهــا حديثهـم عــن مراعــاة الشــرع ومقتضياتــه في إمضــاء أمــور السياســة.2 وقــد ازدادَ الطلــب علــى هــذا الخطــاب مــع ظهــور الدولــة السـلطانية غـبَّ تصـدُّع سـلطة الخافـة، وهـو مـا يفسـر انفتـاح حتـى أكـبر فقهـاء السياسـة عليـه وتأليفهـم فيـه كمـا هـو الشـأن بالنسـبة إلـى المـاوردي ومـن بعـده الغزالـي. لذلـك بـدا خطـابُ الآداب السـلطانية أقـدر على الاسـتجابة لمُتطلبـات نموذج الدولة السـلطانية وأقــرب إلــى تســويغه قياسـاً إلــى الخطابــات السياســية الأخــرى. ويبقــى مــن الصعــب فهــم فشـوِّ هــذا الخطــاب في ثنايــا الثقافــة السياســية الإســامية مــن دون وصْلــه بحاجــة الدولــة الســلطانية إليــه، فـ‘‘خطــابُ الآداب الســلطانية، يقــول كمــال عبــد اللطيــف، يســتجيب في نهايــة التحليــل لغايــة محــددة، تتمثــل في المرمــى الــذي اتجهــت لإصابتــه وهــي تكتــب، ثــم وهــي تســتعيد بعضهــا، في صيــغ متعــددة. يتعلــق الأمــر )..( بخدمــة الدولــة الســلطانية، تبريــر ســلطته، الدفــاع عــن اســتمرارها، إنشــاء كل مــا يمكنهــا مــن الرسـوخ والشـموخ، حتـى عندمـا تكـون دولـة مسـتبدة طاغيـة، حيـث ظلـت هـذه الآداب تعمــل بواســطة القــول، بوســاطة الكتابــة، علــى تحويــل جبروتهــا إلــى ضــرورة لا رادّ لقضائها1.
علــى ضــوء هــذه الوظيفــة يحســنُ أن نقــرأ خطــاب الآداب الســلطانية باعتبــاره خطابــا ينتمــي إلــى ‘‘إطــار تاريخــي مرجعــيٍ’’ مُحــدّد؛ هــو ســياق الدولــة الســلطانية ومنظورهـا الاسـتبدادي الـذي يرسـخ انفـراد الحاكـم بالسـلطة ويذهـب بعيـدا في الارتفاع بالاســتقرار إلــى مســتوى الغايــة مــن وجــود المُلــك برمتــه.2 وعندمــا يؤكــد كمــال عبــد اللطيـف علـى أنَّ ‘‘الإطـار التاريخـي’’ أشـمل مـن التاريـخ الوقائعـي، وعلـى أنـه ‘‘صـراع الأفــكار والثقافــات أيضــاً3’’، فــإنَّ إشــارته هــذه تســلط الضــوء علــى الطابــع التركيبــي لمشـكلة مرجعيـة خطـاب الآداب السـلطانية. فـإذا كانـت المرجعيـات الكُبرى المؤسِّسـة لهــذا الخطــاب عبــارةً عــن نصــوص تــم تداولهــا عــبر حقــب تاريخيــة متعاقبــة، فــإنَّ النصــوص تلــك ظلــت تحبــلُ بتجربــة سياســية مثلــت خلفيتهــا التاريخيــة والسياســية، وحـاول الكتّـاب المسـلمون الارتفـاع بهـا إلـى مسـتوى التجربـة النموذجيـة التـي ينبغـي الاهتــداء بهــا في المجــال السياســي العربــي الإســامي. ليــس المهــم، والحــال هــذه، أن نحاســب كاتبــا مثــل ابــن المقفــع، أو الجاحــظ، أو ابــن قتيبــة، أو المــاوردي، عــن دقــة الصـورة التـي كونوهـا عـن التاريـخ الساسـاني وتجربتـه السياسـية، وإنمـا الأهـمُّ مـن ذلـكَ أن نفهـم كيـف وظّـف هـؤلاء الصـورة التـي وصلتهـم عـن الفكـر السياسـي الفارسـي في صياغـة تصورهـم للسياسـة وتوليـد نصـوص الآداب السـلطانية داخـل الثقافـة السياسـية العربية.
ينصــرف تحليــل كمــال عبــد اللطيــف إلــى الكشــف عــن تلــك الكيفيــة تحديــداً، متجــاوزا بذلــك النمطيــة الظاهريــة التــي يخفــي وراءهــا النــصُّ الســلطاني رؤيتــه إلــى السياسـة. وهـو يشـير إلـى لحظـات ثـاث مرجعيـة في هـذا الخطـاب؛ لحظـة ابـن المقفـع أولًا، وهــي التــي تحيــلُ، عــاوة علــى نصــوص ابــن المقفــع، إلــى عهــد أردشــير، ومنتخبـات عهـود وأدبيـات ملـوك الفـرس في طبيعـة السـلطة ومراتـب المجتمـع وغايـات الملــك. كمــا تتضمــن نــص تــاج الملــوك المنســوب إلــى الجاحــظ باعتبــاره أحــد أهــم النصــوص المولــدة لــلآداب الســلطانية؛ لحظــة الآثــار اليونانيــة المنحولــة ثانيــاً، التــي نعثــر في إطارهــا علــى العهــود اليونانيــة المنســوبة إلــى أفاطــون، وكتــاب ســر الأســرار (السياسـة والفراسـة في تدبيـر الرئاسـة) المنسـوب إلـى أرسـطو؛ ثـم لحظـة الآثـار المركبـة ثالثـا، وهـي التـي تَجمـعُ بيْن اللحظتيـن السـالفتين وتمزجهمـا بمأثور التاريخ الإسـامي، ‘‘مــن دون مراعــاة الاختافــات القائمــة بيــن مصــادر النصــوص، ومــن دون الاهتمــام بالتناقضــات القائمــة بيــن التصــوُّر الفارســي والتصــور اليونــاني للســلطة، والتناقضــات القائمــة أيضــا بيــن التصوريــن المذكوريــن والتصــور الإســامي للســلطة كمــا بلورتــه نصـوص الفكـر السياسـي الإسـامي الفقهـي منـه علـى وجـه الخصـوص، وكمـا مارسـته السـلطة الفعليـة في تاريـخ الإسـام.1’’ وإذا كانـت كتابـات ابـن المقفـع قـد جسَّـدت لحظة التعـرُّف علـى النمـوذج الساسـاني في السياسـة والتدبيـر، حيـث تـمَّ الترويـج معهـا لرؤيـة إلــى السياســة تتســم بطابعهــا العملــي والعينــي المباشــر الهــادف إلــى ترشــيد العمــل السياســي وإصــاح وضعيــة الدولــة، فــإنَّ النصــوص اليونانيــة المنحولــة ظلَّــت تتحــرك، هـي الأخـرى، في دائـرة النمـوذَج الساسـاني رغـم سـعي أصحابهـا إلـى إسـباغ المشـروعية عليهــا مــن خــال ربطهــا بكبــار فاســفة اليونــان كأفاطــون وأرســطو.
ورغــم أنَّ بعــض نصــوص الفاســفة اليونــان كانــتْ معروفــةً لــدى المُســلمين، كمُحــاوَرة الجمهوريــة والنواميــس لأفاطــون، وكتــاب الأخــاق لأرســطو، فــإنَّ الماحــظ علــى كُتــب الآداب عـدم احتفالهـا بهـذه النصـوص الصحيحـة نسـبتُها إلـى هـؤلاء، وذهابُهـا بعيـداً في اسـتثمار النصـوص المنحولـة التـي تخـدُم منظورهـا الساسـاني وتضفـي عليـه مشـروعيةً مـن داخل دائـرة الفكـر اليونـاني. يسـجِّلُ كمـال عبـد اللطيـف غربـة النصـوص المنحولـة عـن التراث السياســي اليونــاني الأصيــل، وهــو ياحــظ - عــن حــقٍ- أنَّ التوظيــف الإيديولوجــي للمرجعيــة اليونانيــة كان الســبب الأهــمَّ وراء الانتقائيــة في التعامُــل مــع نصوصهــا مــن طـرف أصحـاب الآداب السـلطانية. فلـم يكـن هـؤلاء منشـغلين بالتدقيـق المعـرفي لتلـك النصـوص، وإنمـا شـكلت تلـك المرجعيـة، بالنسـبة إليهـم، ‘‘إطـاراً لخدمـة هـدف يتجاوز المنظــور المعــرفي الصــرف المحايــد.2’’ يبلــغ هــذا التوظيــف الإيديولوجــي مــداه مــع المرجعيـة الجامعـة التـي رمـت إلـى التركيـب بيـن المرجعيتيـن السـابقتين لبنـاء رؤيـة إلـى السياســية يتقاطــع فيهــا القــول اليونــاني بنظيــره الفارســي، انطاقــاً مــن مبــدإ ‘‘وحــدة التجربـة السياسـية’’، والتشـابه القائـم بيـن تجـارب الأمـم وإمكانيـة الإفـادة منهـا بالنسـبة إلـى الفكـر السياسـي الإسـامي.1 وفي نصـوص المـاوردي يطغـى هـذا المنـزع التركيبـي،
ولعـلَّ كمـال عبـد اللطيـف لـم يُجانـب الصـواب عندمـا نبَّـه إلـى أنَّ ذلـك ينـمُّ عـن مقاوَمة الفكــر الفقهــي للـتراث الفارســي ولمرجعيتــه السياســية، وســعيه إلــى ضمــان ‘‘اســتمرار حُضــور المرجعيــة الإســامية كمكـوِّنٍ فاعـلٍ في الثقافــة الإســامية2’’، حيــث ناحــظ أنَّ كثيـراً مـن الفقهـاء، كالمـاوردي والطرطوشـي والغزالـي، أقبلـوا علـى التأليـف في الآداب السلطانية سعيا منهم إلى تطعيم منظورها الدنيوي بالرؤية الفقهية المعيارية.
يـكادُ أنْ ينعقـد إجمـاعٌ بيـن دارسـين الآداب السـلطانية علـى خضوعهـا لنمـط مـن التأليـف اسـتطاع إعـادة إنتـاج نفسـه عـبر مختلـف نصوصهـا. يتعلـق الأمـر، في نظـر كمـال عبــد اللطيــف، ‘‘بنصــوص لا تنمــو، ولا تغتنــي ولا تتطــور. صحيــح أنهــا كتبــت في أزمنــة مختلفـة، ووجهـت إلـى ملـوك وأمـراء مـن عصبيـات ودول مختلفـة، وأن الذيـن أنجزوها لـم يكونـوا كلهـم مجـرد كتـاب، فمنهـم القضـاة والمؤرخـون والفقهـاء والأدبـاء والملوك والــوزراء، ومــع ذلــكَ ظلَّــت النصــوص تتناســلُ مســتعيدةً مضمونــا معينــا، ووجهــة محــددة دون تغييــر، أي مــن دون توليــد أفــق للإبــداع قــادر علــى تطويــر الرؤيــة وتنويــع الخطــاب، وذلــك رغــم التجــارب السياســية المتعــددة التــي عرفهــا العالــم الإســامي، خــال حقـب تطـوره المتاحقـة والممتــدة داخـل زمـن التاريــخ الإسـامي.3’’ قــد يبــدو هــذا الحُكــم قاســياً متــى أخذنــا بعيــن الاعتبــار تعـدُّد النصــوص واختــاف منظورهــا في بعــض الأحيــان، غيــر أنَّ الأهــم مــن ذلــك أنَّــه حُكــم يكشــف عــن اقـتران هــذا الخطــاب بإشـكالية ظلَّـت ثابتـة في تاريـخ الفكـر السياسـي الإسـامي، وهـي عينُهـا الإشـكالية التـي طرحتهــا طبيعــة الدولــة الســلطانية علــى ذلــك الفكــر. ولعــل وعــي كمــال عبــد اللطيــف بالحاجـة إلـى التـبرم مـن سـطوة هـذه النمطيـة هـو مـا حملـه علـى البحـث عـن المحـاور المكوِّنـة لموضـوع مختلـف نصـوص الآداب السـلطانية، إدراكا منـه لمـا قـد يتيحـه ذلـك مــن درء منظورهــا الخــاص الــذي تفرضــه علــى قارئهــا، وتجــاوز الاعتقــاد بالتكــرار والرتابــة الــذي توحــي بــه نمطيتهــا. تتجلــى تلــك المحــاور في قضايــا أربــع هــي؛ محــور ‘‘الفـرْد، والنفـس وهيمنـة النمـوذج الأخاقـي’’ أولًا؛ ومِحـور ‘‘أدب الملـوك، والطقـوس والنصائـح’’ ثانيـا؛ ومحـور ‘‘التدبيـر السياسـي، المهـام المَنُوطـة بالوظيفـة الملكيـة’’ ثالثـا؛ ومحـور ‘‘الأمثـال والمواعـظ، أو مَخـزون الذاكـرة الإسـامية في مَجـال الثقافـة السياسـية المُرتبطـة بالفضـاء السـلطاني’’ رابعـاً. تشـكَّل، حـول كلِّ مِحـورٍ مـن هـذه المحـاور، نمـط مـن الكتابـة أعـاد إنتـاج نفسـه عـبر مختلـف نصـوص الآداب السـلطانية، وكمـال يذهـب إلــى التمثيــل لــكل نمــط بنــص مــن النصــوص الكُبْــرى في هــذا البــاب. فيجـدُ في كتــاب التـاج للجاحـظ خيـر مـا نمثـل بـه للنمـط الأول، إذ يختـصُّ بالنظـر في الأخـاق الملوكيـة المتعلقــة بكيفيــة الدخــول علــى المُلــوك، ومُطاعَمَتهــم، ومُنادمتهــم، وكــذا في تحديــد صفــات ندمــاء الملــك. كمــا يمثــل للنمــط الثــاني بنصــوص المــاوَردي في الآداب الســلطانية، وهــي النصــوص التــي جسَّــدت، حســب هــذا الباحــث، المرجعيــة التركيبيــة للقـول السـلطاني. حيـث نعثـر في كتـب تسـهيل النظـر وتعجيـل الظفـر، ونصيحـة الملـوك، وقوانيــن الــوزارة وسياســة الملــك، علــى تركيــب بيــن المرجعيــة الإســامية العربيــة والـتراث الساســاني مــع اســتدعاء لأســماء أرســطو وأفاطــون في بعــض الأحيــان. وقــد أعربـت هـذه النصـوص عـن نـوعٍ مـن المُقاومـة التي أبداهـا الوعـي الإسـامي في مواجهة المرجعيـة الفارسـية ورؤيتهـا الدَهريـة إلـى السـلطة. صحيـحٌ أنَّ الفقيـهَ الأشـعري يسـتند علــى مبــدإ التشــابُه بيــن التجــارب السياســية الــذي يشــي بنــوعٍ مــن وحــدة التاريــخ البشــري، غيــر أنَّ ذلــك لا ينفــي أنــه حــاول الدفــاع عــن المرجعيــة الإســامية وإيجــاد موطــئ قــدم لهــا في منظومــة الآداب الســلطانية، ممــا يوحــي بــأنَّ الفكــر الفقهــي أدرَك أهميــة هــذه الآداب وضــرورة الانخــراط في التأليــف فيهــا علــى نحــو يحــول دون تغـوّل منظورهــا الطبيعــي إلــى السياســة.1 علــى أنَّ ذلــك لا ينفــي، في الآن ذاتــه، أنَّ النمــوذج الـذي كرسـته تلـك الآداب في بالتدبيـر السياسـي مثَّـل الإطـارَ النظـري الـذي تحـرَّك فيـه المـاوردي نفسـه، حيـث كان مـدار كتاباتـه علـى مسـألة التدبيـر في جوانبـه العمليـة، وهـو مـا حـال دون بالانتبـاه إلـى مسـألة أصـل الدولـة التـي كانـت تدخـل في ‘‘عـداد الامفكـر فيـه في الفكـر السياسـي الإسـامي.1’’ أمـا النمـط الثالـث فقـد مثـل لـه كمـال عبـد اللطيـف بكتــاب ســراج الملــوك للطرطوشــي. مــن المعلــوم أنَّ الغايــة مــن هــذا الكتــاب إثبــات ضـرورة السـلطان، وبيـان خصالـه وكيفيـة التدبيـر السياسـي، وقـد تنـاول فيـه الطرطوشـي مســألة الحــرب والــوزراء والجلســاء، قبــل أن يــأتي فيــه علــى ذكــر بعــض الآراء حــول الزمــان وبعــض المواعــظ والحكــم. ورغــم تشــديد الطرطوشــي علــى حاجــة الســلطان إلــى العــدل، فــإن كمــال عبــد اللطيــف لا يــرى في ذلـكَ عامــة فارقــة علــى تفتُّــق وعـيٍ سياسـي بهـذا المفهـوم، لأنَّ الكتـاب لا يتوقـف عـن تبريـر الجَـوْر والظلـم والدعـوة إلـى الصـبر علـى السـلطان تحـت ذريعـة الحاجـة الماسَّـة إليـه درءاً للفتـن التـي ظلـت تجثـم بظلهــا علــى الوعــي السياســي الإســامي. فالكتــاب أشــبه بتمريــن علــى الدعــوة إلــى الطاعـة والخضـوع والصـبر علـى جـور الحاكـم، وهـو مـن هـذه الجهـة نـصٌ في ‘‘تدعيـم دولــة القهــر والغلبــة حتــى عندمــا تجــور وتظلــم.2’’ أمــا النمــط الرابــع فقــد وجــد كمــال عبـد اللطيـف في المُختـارات التـي دوَّنهـا بعـض الأدبـاء العـرب، كابـن عبـد ربـه في العقـد الفريــد النمــوذج الأمثــل لهــا. حيــث نكــون أمــام نمــط لا يخــرج عــن منظــور الآداب السـلطانية، وهـي أدخـل في بـاب التلقيـن والتعليـم والحفـظ، وتظـلُّ تـؤدي الوظيفـة عينها التـي سـطَّرها المؤسسـون الأوائـل لهـذا الخطـاب؛ تدعيـم السـلطة. يقـود هـذا التحليـل إلــى الإقــرار بــأنَّ تلــك الأنمــاط كانــت أشــبه بمرايــا تعكــس واقعــاً واحــداً؛ واقــع الاسـتبداد كمـا تبـدى في دولـة المُلـك التـي نشـأتْ علـى أنقـاض نَمـوذج الخافـة؛ فهـي ‘‘مرايــا تعكــس صــورا لممارســة سياســية قائمــة3’’، والقــول الســلطاني ليــس، مــن هــذه الجهــة، أكثــر مــن خطــاب تبريــري لواقــع الممارســة الســلطوية كمــا كرســتها التجربــة العربية الإسامية.
بيـد أنَّ الكشـف عـن الوظيفـة التبريريـة لخطـاب الآداب السـلطانية لا يكفـي لفهـم مقاصــده وأســباب ازدهــاره في الثقافــة السياســية العربيــة، لأنــه يرمــي إلــى هــدف آخــر يكمــن وراء وظيفــة تبريــر الســلطة؛ ‘‘تكريـسُ تصــورات معينـة للســلطة، وإبــراز حتميــة القهــر كخاصيــة ضروريـة لــكل ســلطة في التاريــخ، ولــزوم الــولاء والطاعــة والصـبر.4’’
متــى أخذنــا هــذه الغايــة بعيــن الاعتبــار، صــار بمقدورنــا الحديــثُ عــن مبــادئ ثاثــة حاكمـة للخطـاب السـلطاني ومنتظمـة لرؤيتـه إلـى الدولـة والسياسـة؛ مراتبيـة المجتمـع؛ وميتافيزيقــا الشــر؛ ثــم عاقــة الملــك بالديــن. وبيانــه أنَّ هــذا الخطــاب يكــرس مراتبيــة مجتمعيـة تفصـل الملـك عـن الرعيـة، وتجهـد في بيـان الوضـع الاسـتثنائي لمرتبـة الملـك قياسـاً إلــى غيــره مــن مكونــات المجتمــع. كمــا أنهــا ترســخ صــورة ســلبية عــن الطبيعــة البشــرية تســوغ بهــا حاجــة المَلــك إلــى الحـزْم والقهــر لإمضــاء أمــور السياســة وضمــان اسـتقرار المُلـك، ‘‘إنَّ الثابـت في الكـون -يقـول كمـال عبد اللطيف- هو الشـرُّ المسـتطير، والثابــت أيضـاً هــو لــزوم المُلــك، ولــزوم اســتمراره، والباقــي، أي كل تقنيــات التدبيــر،مجـرد وسـائل تسـمح بتثبيـت دعائـم السـلطة واسـتمرارها.1’’ عـاوة علـى ذلـك، ترسـخ الآداب الســلطانية الصــورة التــي رســمها الفكــر الفارســي عــن صلــة الملــك بالديــن، والتــي يصيــر الديــن بمقتضاهــا في خدمــة الاســتبداد. وســيكون مجانبــا للصــواب، وفــق هــذا التحليــل، القــول إنَّ إســهاب الآداب الســلطانية في الحديــث عــن آليــات التدبيــر والسياسـة، وتشـديدها علـى ضـرورة أن ينهـض الملـك بمهمـة عمـارة الأرض والأمصار والعنايــة بالرعيــة والجنــد، يبقــى عامــة علــى تفتــق وعــيٍ إيجابــي بالدولــة والسياســة لــدى المفكريــن المســلمين، لأنَّ الغايــة القصــوى مــن تلــك الآداب تبقــى واحــدة ووحيــدة؛ التشــريع لاســتبداد في الخطــاب السياســي الإســامي. بذلــك تخــرج الآداب السـلطانية مـن دائـرة السياسـة المدنيـة التـي حـاول الفاسـفة المسـلمون الترويـجَ لهـا في الفكــر السياســي الإســامي؛ إذ إنَّ مدينــة الفارابــي ورئيســها لا مــكان لهمــا في نمــوذج ‘‘المُلــك’’ الــذي تصــدر عنــه تلــك الآداب، ويمكــن أن نعمِّـمَ المُاحظــة عينهــا لتشــمل نمـوذج السياسـة الشـرعية الـذي أدرَك الفقهـاء اختافـه عـن نمـوذج الآداب السـلطانية، ممَّــا حملهــم علــى ابتــكار نمــط في الكتابــة السياســية مُغايــر لنمــوذج دولــة الخافــة والشرع.2
يفـرض تحليـل الوظيفـة التبريريـة لـلآداب السـلطانية الوقـوف علـى الصـور التـي رســمتها هــذه الآداب عــن السياســة ومكوناتهــا في المخيــال العربــي الإســامي الكاســيكي؛ إذ يختلــط فيهــا واقــع ممارســة السياســة بالصــور الذهنيــة، وتنهـضُ هــذه الأخيــرة بــدورٍ كبيــر في تكريــس نمــط الســلطة المســتبدة الــذي تدافــع عنــه. في متــون الآداب الســلطانية تحضــر صــورة الملــك المتفــرد والمنفــرد، الــذي يشــغلُ مكانــة اسـتثنائية في المراتبيـة الاجتماعيـة؛ فهـو رتبـة فـوق الرتـب، ورتبـة صانعـةٌ للرتـب. تتبـدى مامــحُ هــذه الصــورة في أســماء الملــوك والســاطين، كمــا في فــرادة شــخصية الملــك وضــرورة تحجُّبــه عــن العامَّــة، وهــو مــا يفســر حاجتــه إلــى الحاجــب الــذي يحــول بينــه وبيـن الآخريـن. بـل وتوحـي هـذه الصـورة باقـتران شـخصية الملـك بالمـوت والخطـر. كمــا ترســم الآداب الســلطانية صــورة عــن الملــك تربطــه هــذه المــرة برمزيــة الغيــث والشـمس والقمـر؛ يكـون فيهـا الملـك رمـزاً للسـلطة التـي لا يقـوم أمـر العالـم مـن دونها، وهـو مـا يترجـمُ وعـي أصحـاب تلـك الآداب بالحاجـة إلـى السـلطة وبتعـذُّر التفكيـر في المُجتمـع مـن دونهـا. فالسـلطة نابعـة مـن الحاجـة إلـى تنظيـم المعـاش وتعميـر الأرض، لكنهـا تسـوِّغ وجودهـا انطاقـا مـن ميتافيزيقـا الشـرِّ المتجـذِّر في الطبيعـة الإنسـانية، حيث تمثــل الشــخصية الاســتثنائية للملــك خاصــا للجماعــة مــن الشــر النابــع مــن طبيعتهــا. وفي ‘‘مُقابـل الطابـع الشـرير المـازم للإنسـان، يقـول كمـال عبـد اللطيـف، تكـون للمَلـك طبائـع أخـرى لا عاقـة لهـا بطبائـع العامـة والخاصـة، ولا حتـى خاصـة الخاصـة. ذلـك أنَّ صـورة الملـك تشـبه صـورة الغيـث والشـمس والقمـر والريـح والنـار والمـاء والأرض والموت.1
علـى هــذا النحـو مـن النظـر، ترتفــع الآداب الســلطانية بصـورة الملـك إلـى مقـام اســتثنائي يجعلــه فــوق الطبيعــة البشــرية، مرسِّــخةً بذلــكَ فكــرة الحاجــة إلــى ســلطته وضــرورة الصـبر علــى الجـوْر والظلــم الذيــن قــد يقترفهمــا في حـقّ الرعيــة. ومــا إمعــان تلـك الآداب في رسـم مشـهد أبَّهـة المَلـك إلا حلقـة في سلسـلة تبريـر سـلطته التـي تصيّـرُ السـلطة مُلـكاً ينفـرد بـه وحـده. لا مجـال، والحـالُ هـذه، للحديـث عـن ميثـاقٍ مُؤسِّـسٍ للســلطة، لأنَّ أساســها هــو التغلُّــب والقهــر، وهــذا مــا يفســر تداخُــل العــدل بالقهــر في خطــاب الآداب الســلطانية، وانــزلاق العدالــة إلــى الطاعــة والخضــوع الــذي يغــدو، مــن منظورهـا، فضيلـةً أخاقيـة وسياسـية يحتاجُهـا نظـامُ المُلـك واسـتقرارُه. لا غرابـة، إذن، أنْ تســيرَ الآداب الســلطانية في اتجــاه إضفــاء طابــع متعــالٍ علــى شــخصية المَلــك؛ فهــو ظـل الله في الأرض عنـد كثيـر مـن أصحابهـا؛ إذ المماثلـة بيـن الملـك والإلـه، ولئـن كانـت نتيجـة هيمنـة نمـط الإنتـاج الآسـيوي، فإنهـا اقترنـت بالشـرعية الدينيـة للمَلـك المرتبطـة بوظيفـة حراسـة الديـن.1 لا يعنينـا كثيـراً المضمـونُ الدينـيُ للشـرعية التـي كرَّسـها حتـى بعــض فقهــاء السياســة، كمــا لا يهمنــا- كثيــراً- مــا إذا كان هــذا التعالــي مســتمداً مــن النمــوذج المســيحي للدولــة الدينيــة، وهــي الفرضيــة التــي يتحفَّــظ عليهــا كمــال عبــد اللطيـف، أو مـن النمـوذج الساسـاني كمـا صاغَـهُ عهـد أردشـير ورؤيتـه إلـى العاقـة بيـن السياســة والديــن، بقــدر مــا يهمُّنــا مــا قــاد إليــه التعالــي بشــخصية المَلــك مــن تكريــس وضعــه الاســتثنائي في الوعــي السياســي الإســامي. بــل وســرعان مــا غــدا هــذا التعالــي قانونـاً عامـاً وشــاماً لمختلــف تجليــات العقــل السياســي العربــي، علــى نحــو صــارت معه الطاعةُ في جملة القيم التي يقوم عليها مفهوم السلطة في المنظور الإسامي.
يــرى كمــال عبــد اللطيــف أنَّ ‘‘الآداب الســلطانية عملــت علــى تجســير الفجــوة القائمـة بيـن المنظـور الدينـي الإسـامي للسـلطة والمنظـور الزمـاني للمُلـك )..( بـل إنهـا ســعت إلــى ردم المســافة المفترضــة بيــن آداب السياســة الإســامية بعــد تحويلهــا إلــى نمــوذج ومثــال، وبيــن آداب الملــوك المعتمــدة علــى مبــدأ المراتبيــة المجتمعيــة ولــزوم طاعــة العامــة، والمســلمة قبــل ذلــك بأبهــة الســلطة وتعاليهــا.2’’ خَلْــف آداب الملــوك والقـول السـلطاني يَكمـن تصـوُّرٌ دهْـريٌ للسـلطة بحسـبانها غلبـة وقهـراً، وقـد كانَ واقـع ممارسـة الحكـم في التجربـة الإسـامية في مَسـيس الحاجـة إلـى مثـل هـذا التصـور الـذي لـم يكـن بمقـدور المنظـور المعيـاري الإسـامي ابتـكارَه، ممـا يعنـي أنَّ القـول السـلطانيأســعف الفكــر السياســي الإســامي برؤيــة دهريــة إلــى الســلطة، كانــت أقــدر علــى اسـتيعاب ميكانيزمـات الحكـم المعتملـة في واقـع التجربـة السياسـية الإسـامية لحظتئـذٍ. علــى ضــوء هــذا المعطــى يمكــن أن نفهــم إمعــان الآداب الســلطانية في تســويغ الســلطة بســرديات ترتبــط بحاجــة المجتمــع إلــى ســلطان قاهـرٍ، وتســتدعي حالــة الفتنــة لإثبــات تلــك الحاجــة. وفي ظلــه نفهــم، أيضــاً، فشــوَّ النمــوذج الفارســي في التدبيــر في الفكــر السياسـي الإسـامي، وهـو النمـوذجُ الـذي ركّـزَ السـلطة برمتهـا بيـد الملـك، حيـث كان المُلـك تملـكاً للسياسـة ومجالهـا، بمـا يتناسـبُ والمركزيـة للدولـة التـي يقترحهـا ذلـك النمــوذج عندمــا يكــرِّسُ خدمــة السياســات الســلطانية للمؤسســة الملكيــة. هنــا يغــدو التدبيــر فعــا ملكيــاً بامتيــاز، يصعــب أن نتصــور في إطــاره فكــرة اقتســام الســلطة أو توزيعهـا؛ إذ التدبيـر يبقـى، في مقامنـا هـذا، ‘‘فعـل رحمـة وشـفقة.1’’ وعندمـا يعتـبُر خطـاب الآداب الســلطانية ‘‘حراســة الرعيــة’’ في جملــة المهــام المَنوطــة بالمَلــك، إلــى جانــب حراســة الديــن وعمــارة الأرض وتدبيــر الجنــد، فإنّهــم لا يرتفعــون بتلــك المهمــة إلــى مســتوى التدبيــر السياســي المرتبــط بالمســؤولية، وإنمــا يصــدرون عــن تصــور أخاقـيٍ ودينيٍ للرعاية يرسِّخ نَفَسها الديني في نظر كمال عبد اللطيف.
تَرســم المُعطيــات الســابقة صــورةً واضحــة عــن الطابــع الاســتبدادي لخطــاب الآداب السـلطانية، الـذي يجعـل مـن الحاكـم منبـع السـلطة ومبـدأ التدبيـر داخـل الدولـة التـي يقترحهـا نموذجـه. وسـواء تعلـق الأمـر بحراسـة الديـن أو سياسـة الدنيـا، فـإنَّ مركـز الســلطة يظــل دائمـاً هــو الحاكــم، مَلِــكاً كانَ أو سُــلطاناً. كانَ لاســتناد علــى النمــوذج الساسـاني في السياسـة دوره الكبيـر في تشـكل هـذا التصـور، لكـن الأهـم مـن ذلـك الـدورُ الــذي نهــض بــه المفكــرون العــرب والمســلمون في الترويــج لــه وترســيخه في الثقافــة السياســية الإســامية، بشــكلٍ فــرض حتــى علــى عتــاةُ معارضيــه خــوض تجربــة الكتابــة عنـه -وفيـه- والتنظيـر للسياسـة والدولـة مـن داخـل منظـوره ورؤيتـه. ليـس الاسـتبداد، وفــق هــذه الصــورة، مجــرَّد انفــراد بالمُلــك والســلطة، بــل إنــه رديــف القهــر والتغلــب والطغيـان، وإشـارات الآداب المتكـررة إلـى العـدل لا تعنـي دفاعـه عـن العدالـة كأسـاس للسياسـة، بقـدر مـا هـي امتـداد لرؤيتهـا التراتبيـة إلـى الوجـود والعالـم، ولاسـتثنائية مرتبة الحاكـم قياسـاً إلـى غيرهـا مـن مراتـب المجتمـع ومكوناتـه. بـل وينصهـر، في كتـاب سـر الأسـرار، العـدل في العبوديـة وصـاح العالـم الـذي يتحقـق في إطـار رؤيتـه الميتافيزيقيـة صاح الملك والرعية.2
ثالثاً؛ في محدودية القول السلطاني
قـد يبـدو مدعـاة لاسـتغراب أنْ يسـتهل كمـال عبـد اللطيـف حديثـه عـن محدودية القـول السـلطاني في السياسـة بالوقـوف علـى طبيعـة العاقـة التـي أرسـاها هـذا القـول بيـن الديــن والدولــة، وبيــان الأســس النظريــة لفكــرة تســخير السياســي للدينــي، التــي تعتـبر جوهـر تلـك العاقـة في نظـره، خاصَّـة وأنَّ العاقـة تلـك لـم تكـن مـن ابتـكار المفكريـن المســلمين الذيــن انتهلوهــا مــن التجربــة الساســانية. غيــر أنَّ تدقيــق النظــر في الحــدود التـي رسـمها هـذا الباحـث لخطـاب الآداب السـلطانية يكشـف عـن مركزيـة هـذه العاقـة وضــرورة الوعــي بهــا لفهــم الســقف النظــري لهــذا الخطــاب. ذلــك أنَّ الحديــث عــن تصــور ضمنــي للســلطة يصــدر عنــه ذلــك الخطــاب، وعــن تصــوره للطاعــة، وتكريســه لاسـتبداد والطغيـان، وهـي ماحظـات شـدد عليهـا نُقَّـاد هـذا الخطـاب1، تبقـى- بشـكل مـن الأشـكال- سـليلة العاقـة التـي أرسـتها الآداب السـلطانية بيـن الديـن والدولـة، ممـا يجعــل كل تفكيــر في حــدود ذلــك الخطــاب، وفي ســبل الخــروج مــن أفقــه النظــري، تفكيـرا في كيفيـة تفكيـك عاقـة الدينـي بالسياسـي كمـا تشـكلت في تربـة الدولة السـلطانية باعتبارها الخلفية التاريخية المرجعية للقول السلطاني.
يصعُــب أنْ نفهَــم مَقاصــد خطــاب الآداب مــن دون أنْ ننتبِــه إلــى صلتــه بالدولــة السـلطانية التـي مثَّلـت خلفيتـه السياسـية وتجربتـه التاريخية. ظهـرت هـذه الدولـة نتيجـةَ الوَهــن الــذي أصــاب دولــة الخافــة بعــد فــترة الصــراع الــذي دار بيــن أبنــاء الخليفــة هــارون الرشــيد، فــكان تكالُبهــا علــى ســلطة الخافــة ووحدتهــا عامــة علــى دخــول الدولـة الإسـامية أفـق تجربـة سياسـية جديـدة لا يسـتوعبُها نمـوذج دولـة الخافـة كمـا نظــر لــه فقهــاء السياســة. والماحــظ أنَّ الســاطين المتغلبيــن لــم يقدمــوا علــى القضــاء علــى مؤسســة الخافــة ومحــو منصــب الخليفــة، رغــم أنَّ كثيــراً منهــم تدخــل بشــكل سـافر في تنصيـب الخُلفـاء، وهــذا مـا يشـير إلـى وعيهـم بأهميــة الديـن كرأسـمال رمـزي ومنبـع لا غنـى عنـه لمشـروعية الحاكـم ومقبوليـة الوظائف السـلطانية كما بيّـن الماوردي في الأحـكام السـلطانية. صحيـحٌ أنَّ الترويـجَ للمرجعيـة الفارسـية في الحُكـم كان قـد بـدأ مــع نصــوص ابــن المقفــع، بيــد أنَّ الدولــة الســلطانية وجــدت في تصـوُّر تلــك المرجعيــة لعاقـة الديـن وبالدولـة منبعـاً فكريـا لتبريـر مختلـف أشـكال التسـخير السياسـي للديـن. فمـن المعلـوم أنَّ عهـد أردشـير، وهـو النـص المؤسـس للتصـور الساسـاني لعاقـة الديني بالسياســي، أرســى دعائـم عاقـةِ تحالُـفٍ بيــن الديــن والدولــة ســرعان مــا انتهــت إلــى احتــواء الدولــة للديــن وتســخيرها لــه لتبريــر قراراتهــا. لذلــك ينبغــي التنبيـهُ إلــى الفــرق الموْجــود بيــنَ ‘‘نمــوذج الخافــة’’ كمــا روّج لــه بعــضُ فقهــاء السياســة، والــذي تكــون دولـة الخافـة بمقتضـاه ‘‘دولـة شـرعٍ’’ تنهـل أحـكام وظائفهـا مـن الشـرع وتطويـع مبـادئ الديــن1، وبيــن ‘‘دولــة المُلــك-’’ الدولــة الســلطانية- التــي ‘‘تتبنــى مُقــدس الجماعــة’’، وتوظِّــف الديــن في السياســة، ‘‘بمــا يســمح لهــا بتجديــد شــرعيتها، وإعــادة بنــاء أسســها. فقـد اعتـبرت الديـن نوعـا مـن الحزبيـة المرتبطـة بالدولـة.2’’ يتعقَّـب كمـال عبـد اللطيـف حضــور هــذا المنظــور في بعــض النصــوص التراثيــة الدالــة في هــذا البــاب؛ في كتابــات المـاوردي وفي عهـد الخليفـة المأمـون كمـا في كتاب سـر الأسـرار. فقـد أدرك المـاوردي، رغــم تكوينــه الفقهــي، أهميــة آداب الملــوك، ووظيــف رؤيتهــا لعاقــة الدولــة بالديــن، عندمــا أوكل إلــى الســلطة مُهمــة حراســة الديــن، كمــا أســند إلــى هــذا الأخيــرِ تهيْــئ ‘‘القواعــد الضروريــة للطاعــة الازمــة لاســتمرار المُلــك.3’’ بذلــك يكــونُ الديــن جــزءاً مــن السياســة، لأنَّ المــاوردي يربــطُ اســتمرارَ الســلطة بتأسيســها علــى الديــن، خاصَّــة وأنـه يرغـبُ في توطيـن المنظـور الإسـامي للسـلطة ضمـن نظـام هـذه الآداب، وهـذا مـايعنــي أنَّ الفقيــه الأشــعري لا يريــدُ التفريــق بيــن الدينــي والسياســي، وأنــه يعيــدُ إنتــاج تصـوُّر عهـد أردشـير لعاقـة الدولـة بالديـن. وهـي النتيجـةُ عينُهـا التـي ينتهـي إليهـا كمـال عبــد اللطيــف عقــب تحليلــه لعهــد الخليفــة المأمــون لعلــي بــن الرضــا، عندمــا يبيــن أنَّــه عــبر بوضــوح عــن فكــرة التفويــض الإلهــي للســلطة.4 تقــترن الآداب الســلطانية، وفــق الصــورة التــي رســمها كمــال عبــد اللطيــف، بالاســتبداد والطغيــان وتســوغهما انطاقــا مـن تأويـل مخصـوص للديـن؛ فهـي سـليلةُ واقـع القهـر والتغلُّـب والجـوْر، وهـي خطابٌ كانـت الغايـة منـه تبريـرُ هـذا الواقـع ومـدُّ السـلطة بآليـات تسـويغ قراراتهـا. بذلـك تكـون تلــك الآدابُ أدقَّ تعبيــرٍ عــن نمــوذج المُلــك الــذي في إطــاره تحــدَّد معنــى السياســة والفعــل السياســي في تاريــخ التجربــة السياســية الإســامية، وكل حــوار مــع ممثلــي هــذا الخطــاب يبقــى، في نهايــة المطــاف، حــواراً مــع هــذا النمــوذج السياســي ومحاولــة لتبيــن سبل الخروج منه.
لا يسـاورنا شـك في أنَّ كتـاب في تشـريح أصـول الاسـتبداد جسَّـد رغبـة صاحبـه في نقــد العقــل السياســي العربــي مــن مدخــل تفكيــك البنيــة الاســتبدادية لخطــاب الآداب الســلطانية، صــادراً في ذلــك عــن اقتناعــه بــأنَّ ذلــك الخطــاب لا يــزالُ حاضــراً في ثنايــا الفكــر السياســي العربــي، حيــث يســجل أنــه ‘‘في أغلــب الــدول العربيــة لا تــزالُ عاقــة الحاكميــن بالمحكوميــن تتــم بتوسُّــط لغــة الآداب الســلطانية، ومــا زالــت الســلطة تنظــر إلــى نفســها مــن الزاويــة نفســها، زاويــة نظــر الحاكــم الســلطان، الآمــر الناهــي، الآمــر الــذي لا راد لأمــره، ولا ضابــط قانونيـاً ومؤسســيا لقــراره وحكمــه وســطوته.1’’ ورغــم مظاهـر التحديـث التـي وسـمتْ الدولـة العربيـة، فإنهـا لـم تسـتطع التخلـص بشـكل نهائـيٍ مـن مورُوثهـا التقليـدي، وظـلَّ التقليـدُ السياسـي أحـد أبـرز مكوناتهـا، الأمـر الـذي يفسِّـرُ ازدواجيـة الفعـل السياسـي في العالـم العربـي الممـزق بيـن منطقـي التقليـد والحداثـة، بـل وينعكس هذا الوضع المأزوم في الفكر السياسي العربي نفسه.
ليـس النقـد، في هـذه الحالـة، غيـر محاولـة ترمـي إلـى بيـان الفـرق بيـن المرجعيتين التراثيــة والحديثــة في السياســة، وتنبيــه الوعــي السياســي العربــي إلــى المســافة التاريخيــة الفاصلــة بينهمــا، وهــي مســافة غيــر قابلــة للجســر، ويقــود عــدم الوعــي بهــا إلــى الخلــط بيــن منطــق السياســة الحديــث ومنطــق الآداب الســلطانية المتجــذر في حقبــة مــا قبــل الحداثــة السياســية. وإذا كانــت الحداثــة السياســية ســليلة الوعــي باســتقال المجــال السياسـي وتمايـزه عـن غيـره مـن المجـالات التـي ظلـت متداخلة معـه في الحقب السـابقة للحداثـة، وهـو مـا انعكـس بوضـوح في المفاهيـم المؤسسـة للحداثـة السياسـية، كمفهـوم الفــرد، والحريــة، والحــق، والقانــون، والســلطة، والتعاقد..الــخ، فــإنَّ الآداب الســلطانية تظـل خلـوة مـن مثـل هـذه المفاهيـم، فنحـن ‘‘لا نجـد في هـذه الآداب -يقـول كمـال عبـد اللطيــف- أيَّ حديــث عــن المجتمــع، كمــا لا نجــدُ أي حديــث عــن الإنســان الفــرد والمفــرد، مــن دون أن نتحــدث عــن المواطــن. ومعنــى ذلــك غيــاب مفهــوم الحريــة، والمغامـرة الخاقـة للإنسـان المبـدع لذاتـه وللمجتمـع وللتاريـخ.2’’ يمثـل تـراث الآداب الســلطانية النقيـضَ المُطلــق للحداثـة السياســية؛ فقـد قامـت هـذه علـى ابتـكار شـخصية المُواطـن الفـرد المُبـدع والمبـادر، وجعلـت مـن الفعـل السياسـي فعـلَ مُبـادرة، ومُغامرة، ومشـاركة في بنـاء الشـأن العـام، في حيـن يخلـو التصـور السـلطاني مـن مثـل هـذه الرؤيـة. مــرَّد ذلــك، حســب كمــال عبــد اللطيــف، إلــى الجُــذور الدينيــة لهــذا الخطــاب، الــذي ظــلَّ ينظُــر إلــى السياســة باعتبارهــا جــزءاً مــن المعرفــة الدينيــة1’’، ليذهــل بذلــكَ عــن البُعـد الزمـاني للمفاهيـم الأساسـية للسياسـة الحديثـة، بـل ظلـت مفاهيـمُ ‘‘العبـاد، العامة، العنايــة الملكيــة والطاعــة’’ تعــوِّض مفاهيــم ‘‘المجتمــع، والفــرد، وحقــوق الأفــراد في المجتمــع، والعدالــة والحريــة.2’’ يمكــن تتبُّــع حضــور المنظــور الميتافيزيقي-الدينــي لـلآداب السـلطانية في رؤيتهـا الأخاقيـة التـي مُزجـتْ فيهـا ‘‘الأخـاق العقليـة’’ بأخـاق التقـوى الإسـامية، كمـا في تشـكُّل مفهـوم التفويـض الإلهـي الـذي أسَّـس للمماثلـة بيـن المَلــك والإلــه، مكرسـاً تعالــي شــخصية الحاكــم علــى غيــره مــن مكونــات المُلــك. لا يهــم كثيــراً، في هــذا الســياق، معرفــة مــا إذا كان مفكــرٌ مثــل ابــن المقفــع قــد اســتطاع تأســيس أخــاق دهريــة مُنفصلــة عــن الأفــق الدينــي للفكــر السياســي الإســامي، لأنَّ الأهـمَّ مـن ذلـك أنـه لـم يُقِـم الأخـاق علـى فكـرة ‘‘المصلحـة المجـردة’’، وأنَّ نصوصـه ولّــدت خطابـاً في تبريــر الاســتبداد وأمســت نموذجـاً لتســويغه داخــل الثقافــة السياســي الإســامية، بــدل أن ترســي دعائـمَ رؤيــة دنيويــة إلــى السياســة والحـقِّ والحريــة تتجــاوز عتبـة المنظـور الدينـي والميتافيزيقـا المنتظمـة لـه. تبقـى نمطيـة الخطاب السـلطاني، الذي ظــلَّ يعيــد إنتــاج نفســه عــبر أحقــاب طيلــة مــن تاريــخ الإســام، عامــةً فارقــةً علــى لاتاريخيــة العقــل السياســي العربــي التــي ليســت، في نهايــة المطــاف، غيــر تعبيــر عــن لاتاريخيــة العقــل العربــي كمــا بيَّــن الجابــري، وقــد ظــل الخطــابُ ذاك ينهــض بالمهمــة التبريريــة عينهــا، وهــذا مــا يشــي بــأنَّ واقــع الدولــة الــذي أفــرزَ هــذا الخطــاب ظـلّ هــو هو؛ واقعُ دولة الاستبداد التي هي عينها دولة القهر والطغيان وسطوة الأهواء.
يجــد الفكــر السياســي العربــي نفســه أمــام المفارقــة التاليــة؛ بمقــدار مــا ينتمــي الخطـاب السـلطاني إلـى منظومـة الفكـر السياسـي السـابق للحداثـة، فإنـه مـا يـزال يشـكل جــزءا مــن الخطــاب السياســي العربــي المعاصــر. قــد يقبــل الموقــف التقليــدي الســلفي بهــذا الواقــع، فــا يــرى في حضــور هــذا الخطــاب غيــر دليــل فاقــع علــى قــوة الــتراث وتعاليـه علـى التاريـخ والزمـان. أمـا الموقـف النقـدي فإنـه يـرى في تلـك المفارقـة تجليـا مــن تجليــات أزمــة الفكــر السياســي العربــي، ويعتــبر تفكيكهــا مهمــة لا محيــد عنهــا للخــروج مــن تلــك الأزمــة. يمثــل عمـلُ كمــال عبــد اللطيــف تمرينــا في نقــد اســتمرارية القــول الســلطاني وبيــان سـبُل مجاوزتــه، وذلــك مــن خــال الكشــف عــن القطيعــة التــي أنجزتهــا الحداثــة السياســية مــع المرجعيــات الســابقة لهــا. وإذا كان الجابــري قــد اختــارَ نقـد العقـل السياسـي العربـي مـن مدخـل الكشـف عـن بُـؤرِ الاسـتبداد الكامنـة في تاريـخ فكرنــا السياســي وتجربتنــا التاريخيــة، فــإنَّ نقــد كمــال عبــد اللطيــف تـمَّ عـبر خطوتيــن متعاقبتيـن؛ خطـوةُ تفكيـكِ القـول السـلطاني أولا؛ وخطـوةُ بيـان جـدَّة الحداثـة السياسـية وقطيعتهــا مــع الـتراث الإســامي ثانيـاً. يوحــي هــذا الاختيــار باقتنــاع صاحبــه بــأنَّ نقــد الـتراث ليــس كافيـاً لاســتيعاب درس الحداثــة السياســية، وأنَّ نقــد العقـل السياسـي لـنْ يــدرك غاياتــه مــن دون إظهــار المســافة الفاصلــة بيــن الــتراث السياســي والحداثــة السياسية.
يتحــدث كمــال عبــد اللطيــف عــن ‘‘نقطــة الاعــودة’’ في تاريــخ الفكــر السياســي، تلـك التـي مثلـت لهـا لحظـة اسـتقال المجـال السياسـي عـن غيـره مـن المجـالات التـي ظلَّــت متداخلــة معــه عنــد المتقدميــن. تجـدُ هــذه اللحظــة في فكــر مكيافلــي خيــر تعبيــر عنهــا؛ فقــد اســتطاع هــذا المُفكــر فصــل السياســي عــن الدينــي والأخاقــي، كمــا اتخــذ مســافةً نقديــة مــن الطوباويــات الفلســفية التــي فشــت في تاريــخ الفلســفة السياســية منــذ
أفاطــون، فأتــى تصــوُّره للسياســة يعيــدُ تأســيس حقلهــا علــى نحــو يقطــع مــع ماضــي الفكــر السياســي. وحتــى ابــن خلــدون، الــذي يعتــبره بعــض الباحثيــن ســقف الفكــر السياســي الإســامي، مــا كانَ بمقــدوره تجــاوُز حــدودِ الــتراث السياســي وبلــوغ عتبــة الفكــر السياســي الحديــث في نظــر كمــال عبــد اللطيــف. صحيــح أنــه انتقــد الــتراث السياسـي الإسـامي بمختلـف مكوناتـه، غيـر أنَّـه ظـلَّ حبيـسَ النظـام المعـرفي المهيمـن علـى الفكـر الإسـامي الكاسـيكي. يسـتعمل كمـال عبـد اللطيـف مفهـوم ‘‘الإبسـتيمي’’، المتحــدر مــن قامــوس فوكــو، لتوصيــف ذلــك النظــام، وهــو عنــده ‘‘إبســتيمي دينــي’’ اسـتطاعَ الهيمنـة علـى فضـاء النظـر في الإسـام الكاسـيكي، وشـرّعَ، مـن خـال المماثلة بيــن الحاكــم والإلــه، المنظــورَ الاســتبدادي للســلطة والحكــم والتدبيــر. وعندمــا يعتـبُر كمـال عبـد اللطيـف أنَّ الدفـاع عـن اسـتقال السياسـي يبقـى مدخـا إلى مواجهـة الآداب الســلطانية ورؤيتــه الاســتبدادية إلــى الدولــة والسياســة، فإنــه يقـترح بذلــك اسـتراتيجيةٍ
للقطـع مـع هـذا الابسـتيمي الدينـي علـى نحـو يتيـحُ ‘‘تحويـل الشـأن السياسـي إلـى شـأن عمومــي لا عاقــة لــه بالأمــر الســلطاني.1’’ بذلــك يكــونُ الدفــاع عــن درس الحداثــة السياســية شــرطا قبليـاً لنقــد المنظــور الســلطاني وفضـحِ ســطوته علــى وعينــا السياســي المعاصــر، وهــو مــا حــاول كمــال عبــد اللطيــف إنجــازه في دراســته لـلآداب الســلطانية، عندمــا صــدر عــن منظــور تاريخــاني يسـلِّمُ بكونيــة التاريــخ وإمكانيــة الإفــادة مــن دروس الحداثـة الغربيـة باعتبارهـا فكـرا متاحـا للبشـرية جمعـاء علـى حـدِّ تعبيـر العـروي؛ إذ إنَّ الــتراث السياســي الإســامي ليــسَ معــزولًا عــن التاريــخ الإنســاني، وقــد أظهــرت مشـروعات نقـد الـتراث التـي صاغهـا كبـار المفكريـن العـرب إمكانيـة إخضـاع مكوناتـه للمنظــور النقــدي الحديــث، وإمكانيــة الإفــادة مــن مكتســبات الحداثــة في إعــادة بنــاء فهمنا لهذا التراث كما لموقعنا ضمن منظومة الفكر السياسي الحديث.
خاتمة
دراسـة كمـال عبـد اللطيـف لـلآداب السـلطانية تمرينٌ في مسـاءلة التراث السياسـي ونقــد العقــل الثــاوي في تضاعيفــه، وفي الدفــاع عــن درس الحداثــة ومنظورهــا الفلســفي التاريخـاني. لذلـك يمكـن إدراج تلـك الدراسـة ضمـن المجهـود النقـدي الـذي يرمـي بـه الحداثيـون العـرب إلـى إقامـة الدليـل علـى ضـرورة القطع مـع الـتراث السياسـي وتوطين قيـم الحداثـة السياسـية مـن أجـل الخـروج مـن وضعيـة التأخـر التـي تشـكل أزمـة المجال السياســي أحــد أبــرز معالمــه. لا ينفصــل العمــل النقــدي النظــري، عنــد كمــال عبــد اللطيــف، عــن العمــل السياســي، ويبــدو أنَّ ذهــولَ رجــل السياســة عندنــا عــن التفكيــر الفلســفي النقــدي مــا كان لــه إلا أن ينتــج فعــا سياســياً مبتــورا عــن رؤيــة واضحــة إلــى السياســة، تســطر أهدافهــا وتعيــن وســائلها لتحقيقهــا. يعنــي نقــد الــتراث السياســي الإســامي، في مثــل هــذا الوضــع، نقــد ازدواجيــة الخطــاب والفعــل السياســيين معــاً، والدعــوة إلــى الحســم في اختيــار منطــق سياســي قــادر علــى إخــراج الفكــر والفعــل مــن أزمتهمــا الناجمــة عــن ازدواجيــة المرجعيــة التــي يســتندان عليهــا. لا يـتردد كمــال عبــد اللطيــف في الاصطفــاف إلــى جانــب الاختيــار الحداثــي في الفكــر العربــي، ودراســته لــلآداب الســلطانية لــم تكــن انتصــارا للتقليــد بقــدر مــا كانــت مرافعــة ضــد أنصــاره وانتصـاراً للحداثـة السياسـية ضـد أعدائهـا. يحـق للقـارئ أن يعـترض علـى تصنيـف هـذا المفكـر لمكونـات الآداب السـلطانية، أو علـى حكمـه علـى هـذا المفكـر أو ذاك، بيـد أنَّ هـذا لا يمـسُّ في شـيء جوهـر أطروحتـه التـي تعتـبر أنَّ مواجهـة الاسـتبداد المستشـري في الجسـد السياسـي العربـي تحتـاج مـن الباحثيـن النهـوض بمهمـة تفكيـك خطاباتـه أينمـا كانت؛ في التراث الإسامي كما في الخطاب العربي المعاصر.
* أستاذ باحث، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
-1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، بيروت: دار الطليعة، 1999، ص .268
1 كمال عبد اللطيف، في الفلسفة العربية المعاصرة، القاهرة: دار سعاد الصباح، 1992، ص .12
1 عبــد الله العــروي، الســنة والإصــاح، بيــروت: المركــز الثقــافي العربــي، 2008، ص .6 انظــر في هــذا الســياق دراســتي؛ نبيــل فازيــو، العــروي والفلســفة؛ في «مفعــول الإيديولوجيــا العربيــة المعاصــرة» في الفكــر الفلســفي بالمغــرب، ضمــن: عبــد الإلــه بلقزيــز (تحريــر)، الإيديولوجيــا العربيــة المعاصــرة: مكانة الكتاب وأثره في الفكر العربي، بيروت: منتدى المعارف، 2022، ص .172
-2 عبد الإله بلقزيز، نقد التراث، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2014، ص .30
1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .221
1 المصدر نفسه، ص .222-223
1 المصدر نفسه، ص .268 -2 المصدر نفسه، ص .125
1 المصدر نفسه، ص .5 -2 المصدر نفسه، ص .267 -3 المصدر نفسه، ص .7
4- M Arkoun, Quand l’islam s’éveillera, Paris: Albin Michel, 2018, p. 25
1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .8 -2 المصدر نفسه، ص .7
-3 المصدر نفسه، ص .8
-4 ابن خلدون، المقدمة، بيروت: دار الكتب العلمية، 1993، ص .238-239
1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .51
-2 عبـد المجيـد الصغيـر، المعرفـة والسـلطة في التجربـة الإسـامية، قـراءة في نشـأة علـم الأصـول ومقاصـد الشــريعة، القاهــرة: رؤيــة للتوزيــع والنشــر، 2010، ص .95 انظــر أيضــاً؛ عــز الديــن العــام، كتــاب النصيحــة السياســية؛ دراســة مقارنــة بيــن آداب الملــوك الإســامية ومرايــا الأمــراء المســيحية، بيــروت: مؤمنون با حدود، 2017، ص .79
-3 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .59
1 المصدر نفسه، ص .60
-2 الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، بيروت: دار الكتب العلمية، [د،ت]، ص .5
1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .60
|
-3 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .61
1 المصدر نفسه، ص .62-63 -2 المصدر نفسه، ص .72
1 يقــول المــاوردي؛ «إنَّ أحــوال الأمــم المعروفــة أخبارهــا، والممالــك المشــهورة آثارهــا، والملــوك المنقولــة إلينــا أوائــل أيامهــا وأواخرهــا متشــابهة»، المــاوردي، نصيحــة الملــوك، ص .11 ذكــره، المصدر نفسه، ص .73
-2 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .74 -3 المصدر نفسه، ص .77
1- Makram Abbés, Islam et politique à l‘âge classique, Paris: PUF, 2009, p. 47.
1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .78 -2 المصدر نفسه، ص .94
-3 المصدر نفسه، .99
-4 المصدر نفسه، ص 110 .
1 كمال عبد اللطيف، ص .119
-2 انظــر علــى ســبيل المثــال؛ نمــوذج دولــة الخافــة كمــا صاغــه المــاوردي في كتابــه الأحــكام الســلطانية والولايات الدينية.
1 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .141
1 المصدر نفسه، ص .152 -2 المصدر نفسه، ص .167
1 المصدر نفسه، ص .217 -2 المصدر نفسه، ص .247
1 محمـد عابـد الجابـري، العقـل الأخاقـي العربـي - نقـد العقـل العربـي (الجـزء الرابـع)، بيـروت: مركـز دراسات الوحدة العربية، 2001، الفصان السابع والتاسع.
1 عبـد الإلـه بلقزيـز، السـلطة في الإسـام؛ نظـرة مقارنـة باليهوديـة والمسـيحية، بيـروت: منتـدى المعـارف، 2023، ص .201
-2 كمال عبد اللطيف، في تشريح أصول الاستبداد، ص .234 -3 المصدر نفسه، ص .238
-4 المصدر نفسه، ص .240
1 المصدر نفسه، ص .270 -2
المصدر نفسه، ص .248
1 المصدر نفسه، ص .248 -2
المصدر نفسه، ص .249
1 المصدر نفسه، ص .277