الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

في الحاجة إلى جرعة من منشط "تَامَغْرَبِيتْ" لإحياء وحماية تراث فن العيطة الحوزية

في الحاجة إلى جرعة من منشط "تَامَغْرَبِيتْ" لإحياء وحماية تراث فن العيطة الحوزية مجموعات نمط العيطة الحوزية بجانب مجموعة الشيخ الحسين سطاتي

هل يمكن اعتبار فن العيطة الحوزية قد أُدْخِلْ لثلاجة التجميد والموت والتلاشي؟ كيف هو السبيل لرد الإعتبار لفن راق على جميع المستويات وإخراجه من منطقة التهميش والإندثار؟ لماذا يتم إقصاء فن العيطة الحوزية من دائرة اهتمامات وزارة الثقافة والتلفزة والإعلام العمومي السمعي البصري، على مستوى التوثيق، والتشجيع والبحث عن الخلف الفني من الشباب "الْمَوْلُوعْ" بمنطقة الحوز فنيا لتحصين نصوص العيطة الحوزية الرائعة وطريقة عزفها وإيقاعها وأدائها المتميز.

هي أسئلة وأخرى تبحث جريدة "أنفاس بريس" عن أجوبة شافية لها، على اعتبار أن التراث الغنائي الشعبي بكل خصوصياته وروافده يساهم في تحصين الهوية الثقافية والفنية.

في هذه الحلقة من أوراق العيطة الحوزية نقدم للقراء معلومات ذات الصلة بهذا الفن المغربي الأصيل، على مستوى النشأة والمجال وبعض النصوص الغنائية وعلاقتها بالأحداث والوقائع التاريخية...أوراق أمدنا بها الشيخ الفنان الحسين سطاتي (مستعينا بمراجع الدكتور حسن بحراوي)، على اعتبار أنه يعد من أبرز أشياخ فن العيطة والغناء الشعبي، كونه يربط بين الممارسة الفنية والإبداع والكتابة في مجال تراث الغناء الشعبي بعد أن قدم استقالته من سلك الوظيفة العمومية.

 

تعريف العيطة الحوزية...التاريخ والنشأة والمحيط الجغرافي

العيطة الحوزية هي تلك الأغنية العيطية الشجية الناحبة، التي تمتزج فيها الدمعة والبسمة، والنغمة والكلمة، الصاعدة بأنّات من حناجر صارخة بأصوات مرتفعة، والدّالة على النداء الصادح سواء بالمدح أو الهجاء أو العتاب أو الرثاء.

هي عيطة مركبة، من ثلاثة إلى خمسة أجزاء وأكثر، تسميتها نسبة إلى منطقة أحواز مراكش، وهو المحيط الجغرافي الذي كان ومازال يروج به هذا النمط الغنائي بكثرة، وتنتشر بمنطقة صخور الرحامنة وبلاد أحمر وتصل إلى حدود قلعة السراغنة، ومنها إلى حدود تادلة. ونشأ هذا الفن على ضفاف الأودية وخيراتها، وسط طبيعة خلابة، ودخل قصور السلاطين ورياضات الباشوات والقواد والأعيان الكبار، وترعرع بالقصبات والواحات كما بالمداشر والدواوير النائية.

العيطة الحوزية لون غنائي عيطي متميز، له مميزات خاصة تعزله عن باقي الألوان العيطية الأخرى، فالطرب الحوزي يمتاز عن غيره من النماذج والقوالب الغنائية في ألحانها وايقاعاتها، وكذلك من خلال أساليب الأداء الصوتي وأنواع الآلات المرافقة له.

 

 تفرد فن العيطة الحوزية بهذه المميزات

يرافق عزف وإيقاع العيطة الحوزية في المجموعة الواحدة بِكَمَنْجَةْ واحدة إلى أربعة كَمَنْجَاتْ مصاحبة بـ "طَعْرِيجَةْ" واحدة إلى ثلاثة، مع إقصاء ألى "الْبَنْدْيرْ" أحيانا، وكذلك من حيث الأداء الذي يكون في وضعية الوقوف والحركة الدائمة، خلافا لباقي أنواع العيطة الأخرى التي يمكن أن تؤدى في وضعية الجلوس، إضافة إلى الصوت الصَّرِيرِي المرتفع الحاد، وتلغي الصوت الخفيض. الشيء الذي يمثل مصدر تفوق وفخر لرواد العيطة الحوزية حيث يرون فيه دليلا على القوة الجسمانية، وكذا الجدية في العمل التي تؤخذ بها هذه العيطة نفسها.

تقدم هذه العيطة صورة فنية بديعة عن البيئة الزراعية والرعوية التي احتضنتها ورعت محاولاتها الأولى، وتقتصر على الإشارة العابرة لبعض مكونات هذه البيئة كتمجيدها للخيل والفرسان، وإطرائها على صفات الكرم والشجاعة والإقدام التي تكون مطلوبة في رجال القبائل ونسائها وسادتها بالمنطقة. وهي مجموعة أهازيج لبراويل بأشعار تغنى باللهجة العربية العامية المغربية، تصدح بها حناجر قوية بأصوات عالية حادة.

بفضل أصالتها الفنية والتزامها الأدبي قاومت - العيطة الحوزية - كل الرياح والعواصف والتقلبات واستطاعت أن تحافظ على مكانتها في الوسط الفني الغنائي المغربي، ومن بين العيوط الحوزية الشهيرة التي مازالت متداولة نجد عيطة "مُولْ الشَّعْبَةْ"، عيطة "الْخَادَمْ"، عيطة "خَالِي يَا خْوِيلِي" أو ما سمى أيضا بعيطة "الْقَايَدْ الْعِيَّادِي"، وعيطة "زَمْرَانْ"، عيطة "سِيدِي صَالَحْ الْخَطَّابِي"، عيطة "حَادَّةْ"، ثم "الْحَبْ الْحَوْزِي".

على مستوى غناء نمط السَّاكَنْ (تناول الأولياء والصالحين) فشيوخ العيطة الحوزية يؤدون قطع نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "بُويَا رَحَّالْ الْبُودَالِي" و "بُويَا عُمَرْ" و "سِيدِي حْرِيِرْ" ثم "سِيدِي مْرِيرْ"، وغيرها من القطع. أما الباقي فهو مختلط بالدخيل أو محرف عن أصله خاصة منه ذلك الذي راج مع الفنانان الشعبيان (حميد الزهير) و (المختار البهجة)، وكذلك مع بعض المجموعات العصرية التي أدخلت أجزاء وألحان من العيط الحوزي في إبداعاتها، كمجموعة (تكَادة) في عيطتها المستحدثة "الْخَيْلْ" الممسرحة برقصة "الفرس"، ومجموعة "(أحمد الُّلوزْ) في أغنيته "الصِّيَّادَةْ" ومجموعة (محمد الدرهم عن فرقة جيل جيلالة)، وكذا مجموعة (أولاد الرمى) في أغنية "الَوْلَادْ".

 

العيطة الحوزية وعامل التأثير والتأثر

فيما يخص هذا التراث الرحماني نجد أنه يتقاطع ويتشابه في بعض الأجزاء مع عموم العيطة المغربية، هذا التلاحم الناجم عن تأثير الجوار والتلاقح وأشكال الاقتباس، والتشبع بأنماط العيوط الأخرى من خلال ثقافة الأخذ والعطاء، والتأثر والتأثير، ومن ذلك تقاطع العيط الحوزي مع الغناء الْمَلَّالِي عبر استضافة عيطة "الشُّجْعَانْ" الملحمية. ونسج على منوالها عيطة "خَالِي يَا خْوِيلِي"، التي تسمى أيضا بعيطة "الْقَايَدْ الْعِيَّادِي"، فضلا عن التأثير غير المباشر بإيقاع الحصبة العبدية المركبة الذي يبدو في بعض أجزائها كما هو الشأن في عيطة "الرَّاضُونِي" العبدية. واقتباس الرَّشْ الزَّعْرِي الذي تستعمله في ختام العيطة بجزئي "السُّوسَةْ" و"السَّدَّةْ"، في شكل تصفيق متواتر متلاحق قد يكون مصحوبا أحيانا بالنداء والصياح الشبيه بالهيت الغرباوي. والاقتراب من فن عْبِيدَاتْ الرْمَا، وعلاقتها بفن البساط التمثيلي والارتجالي الذي تتخذ منه هذه العيطة الحوزية وصلات للفصل بين أجزاء العيطة.

 

الظاهرة القايدية و العيطة الحوزية

مثلما نشأت العيطة الحصباوية في مجالس القايد عيسى بن عمر وبرعاية شخصية من طرفه، فقد وجدت العيطة الحوزية في القايد العيادي، قايد الرحامنة نصيرا ومنافحا. الشيء الذي جعلها تخلده في نصوصها بكل الاعتبار والتنويه الجدير برجل بطل، فتح بيوته ورياضاته لشيخات وشيوخ هذا اللون العيطي، وأكثر من ذلك حماهم من تعسف رجال السيبة، وفيما بعد من جبروت المستعمر الذي كانت رغبته اقحام رواد الغناء الحوزي وسط حضيرة (ماخور) الدعارة. وخلدته في عيطة "خَالِي يَا خْوِيلِي" والتي تحمل أيضا اسم هذا القائد البطل عيطة "الْقَايَدْ الْعِيَّادِي".

 

جزء من القطعة الذي خلد القايد العيادي

"دَوَّزْهَا وَاحَدْ فِ الْقِيَّادْ / دَوَّزْهَا الْقَايَدْ الْعِيَّادِي

دَوَّزْهَا فِ حْكَامُو نَاضِي / أُو كَمَّلْهَا بِحَجَّةْ فِ النَّبِي

مُولْ الثْرِيَاتْ الْوَرْدِيَةْ / مُولْ الشْرَاجَمْ الشِّيبِيَّةْ

وَرَا الْخَادَمْ تَمْشِي وَتْجِي / وَيَاكْ الْعَبْدْ يْعَيَّطْ سِيدِي

وَيَاكْ الْقَايَدْ فِ الْبِيرُو / الِّلي بْغَاتُو لِيَّامْ دِّيرٌوا

هَازْ بَرَّادُو فِي قُبُّو / فِينْ مَا رْشَقْ لِيهْ يْكُبُّو

دَايْرْ شِيخَاتُوا فِ جَنْبُو / فِينْ مَا رْشَقْ لِيهْ يْلَعْبُوا"

 

ويصف بعض الدارسين العيطة الحوزية، بـ "العيطة القايدية"، إذ كان هناك قواد آخرون، أقل شهرة من القايد العيّادي وردت أسمائهم في متن العيطة الحوزية بمزيد من التنويه والتبجيل الذي يليق بمكانتهم، حيث نسوق النموذج التالي:

 

"دُوَّزْهَا قَايْدِي فِ الْقِيَّادْ / دُوَّزْهَا قَايْدِي مْزَوَّقْ لَوْلَادْ

فِينْ هُوْ دَاكْ الْحَاجْ التْهَامِي / الْحَاجْ التْهَامِي بَنْ عَبْدْ اللهْ

عْمَارَةْ الثْلَاثْ بِقَى خَاوِي / مْزَوَّقْ عْيَالُو بِالْمُكَحْلَةْ

لَا سْنَاحَاتْ لَا خَيْلْ بْقَاتْ / وَ الْعَلْفَاتْ مْشَاتْ وُجَاتْ

فِينْ الشْرِيفِي سِيدْ الْمَكِّي / مُولْ الْقُبَّةْ وَالْكَبْرِيتِي

زِينْ الْخَرْطَةْ فُوقْ الْكَمِرِي / مُولْ السْنَاحَاتْ الْوَرْدِيَةْ

فِينْ يَّامَكْ يَا بَنْ كَرِيرْ / عَ الْغَبْرَةْ وَالْكُورْ يْطِيرْ

فِينْ يَّامَكْ يَا بُوعُثْمَانْ / يَّاكْ الْمُوتَى كِيفْ الذَّبَّانْ"

 

في نفس السياق نجد أن العيطة الحوزية اهتمت أيضا برموز السلطة والشعب، حيث وثقت بعض العيوط الحوزية نصوصا للإشادة بأبطال "السِّيبَةْ" ممن داع صيتهم في مستهل القرن العشرين بفضل مناوئتهم للمخزن الرسمي وعدائهم للمشروع الاستعماري من جهة أخرى. ومن أبرز هؤلاء البطل الشعبي "سِيدِي صَالَحْ الخَطَّابِي"، الذي قامت قائمته في بلاد الرحامنة أوائل القرن الماضي، واشتهر بفضل عيطة تحمل اسمه تتضمن تمجيدا لفروسيته وشجاعته... وهذا نموذجا للاستشهاد:

 

"ضَرْبُوا عْلِيهْ النْقَبْ / جَبْدُو عَوْجَاتْ الرْكَبْ

جَبْدُو شَامَةْ بَنْتْ عَلَّالْ الشَّرْقَاوِي / خَلَّاوْ الشَّلْحَةْ فُمْهَا لَاوِي

يَاوْدِّي مَنْسْحَابْشْ النُّوضَةْ الْيُومْ / أمَّا نْبَالِي بِيكُمْ

حَسْبُو الْبَكَرْ ضَارْ وُخَاطِي / سِيدِي صَالَحْ يَا الْخَطَّابِي

خَيْمَةْ حَدُّو مْقَابْلَةْ لَعْدُو / مَنْسْحَابْشْ النَّوْضَةْ الْيُومْ"