الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

رشيد البكر: الاحتفالات التلقائية بربوع المملكة بعد كل فوز.. تعبير عن وطنية الشعب المغربي

رشيد البكر: الاحتفالات التلقائية بربوع المملكة بعد كل فوز.. تعبير عن وطنية الشعب المغربي رشيد البكر
أعتقد أن الرغبة الجارفة التي تتملك الشخص خلال بعض المناسبات الخاصة، وتدفعه إلى التعبير عن وطنيته وتأكيد انتماءه للوطن، هي شعور عادي يعبر عن حالة نفسية لا يمكن التحكم فيها، فرغم تظاهر الشخص أحيانا بعدم اهتمامه مثلا بنتيجة مباراة لكرة القدم، فإن وصول علمه بالنتيجة، الإيجابية طبعا، سرعان ما يبدد حالة عدم الاهتمام هذه ويحولها إلى انفعال عاطفي يتجاوز حدود المتحكم فيه، بل قد تخرج الشخص عن طوعه وتزج به في وضعيات غير إرادية، يصبح فيها تعبيره عن هذا الانتماء خارجا عن المألوف ولا علاقة له البتة بالمعروف عن شخصيته، ففي مثل هذه اللحظات الملحمية من تاريخ الشعوب، ترتفع معايير التقييم وتنحل قيود العقل لتعلن انهزامها امام طوفان العواطف الجياشة، لذلك أنا لم ولن أستغرب من الاحتفالات التلقائية التي تشتعل في ربوع المملكة بعد كل مباراة يفوز فيها المنتخب الوطني، بل اعدها حالة عادية جدا، في حين أن غير الطبيعي، فهو ألا تخرج جحافل الناس إلى الشوارع مبدية بهجتها بالفوز وافتخارها بالفريق الذي يمثلها، ساعتها فقط، سأقول بأن هناك شيئا ما ليس علي ما يرام، أوإن الوطنية بمفهومها القومي والاجتماعي مهددة بالخطر، وعلى العكس، إذا تدفقت الجماهير في الساحات والميادين، معبرة بتلقائية عن الفرح الذي عمها ولو بفوز عابر، فمعناه ان الإحساس بقيمة بالوطن حاضر وأن الاعتزاز بالانتماء إليه موجود، حتي لو كان حب الوطن قاسيا ومكلفا أحيانا ما، إذ الوطنية في جوهرها، شعور فطري  يتملك إحساس الجماهير، تضعف امامه و تقر له بالإذعان عن "حب وطواعية"، ولربما حدث عابر ولكن ذو رمزية معينة يكفي لفضح هذا الإحساس حتى لو  حاول البعض التظاهر بإمكانية التمرد على حب الوطن أو التحكم في شعوره إزاءه، ولأن الأمر كذلك، فمن السذاجة مزايدة البعض على البعض في الوطنية، ولا ادعاء جهة ما احتكارها لحب الوطن، والدليل منسوب الاحتفاء العارم الذي نعاينه اليوم، فامتداد الفرح - بظني- يتجاوز لحظة الفوز إلى ما هو أعمق وأرقى، إنه شعور يؤشر على بطاقة الانتماء الحقيقي للوطن، حتى ولو كنت لا تملك من هذا الوطن شيئا بل ومحروم فيه من امتلاك عدة أشياء، فلهذا السبب بالذات، وصف اهل الشعر والأدب، حب الوطن باللعنة التي تطارد الإنسان طيلة الحياة فلا يستطيع عنها فكاكا.. 

في هذا الإطار، وفي حمأة الفرح بتأهل الفريق الوطني، قرأت تدوينة لأحد الأساتذة الزملاء كانت عبارة عن سؤال وجهه لجماعة المشتركين في حسابه علي الفايسبوك محوره: "لماذا لا يقبل الناس على صناديق الاقتراع، بنفس الحماس والكثافة التي تميز ولوج الملاعب الرياضية؟" طبعا اختلفت الأجوبة، ولكنها في الغالب توافقت على موقف واحد هو: "لأن الشعب لا يثق في صناديق الاقتراع!"، والحقيقة أن أجوبة المتفاعلين مع السؤال ليست هي التي استرعت تفكيري، اذ كان لدي شبه يقين انها لن تخرج في عمومها عن إطار التوافق الذي أشرت إليه، بل الذي استبد بتفكيري اكثر هو السؤال في حد ذاته، الذي بدا لي على غاية من الأهمية، ولكني اعتقد بأن المهم طرحه على السياسيين من ولاة أمورنا، بل الأهم ان يبادروا هم بطرح علي أنفسهم ، إذ هم الأجدر باستنتاح الملاحظة /المفارقة التي يقترحها للنقاش ، ومن تم، التفكير في إيجاد أجوبة مقنعة...
 
بظني، أن الحضور إلى الملاعب الرياضية شيء عادي كالذهاب إلى كل المرافق الاخرى، لكن الشيء غير العادي، هو خروج الجماهير عن بكرة أبيهم، بكبيرهم وصغيرهم، بذكرانهم وإناثهم، بسقيمهم وصحيحهم، إلى الشوارع، في لحظة واحدة، وعبر كل ربوع البلاد، للتعبير عن نشوة الانتصار، فما الذي يجب أن يسترعى الانتباه صراحة، الولوج إلى الملاعب أم الاحتفاء بالفوز!؟.
طبعا هذا الأخير، وإلا فلو كان الآداء باهتا والنتيجة سلبية لما خرج أحد إلى الشارع ولا ابدى اهتماما بشيء، هذا إذن قانون بسيط لقياس درجة المواطنة أمكن تطبيقه على مجرد مباراة، وأعتقد، إنه هو القانون ذاته، الذي سيجيب عن السؤال حول: لماذا لا يقدم المواطن على صناديق الاقتراع، بظني أن الجواب ممكن وإن كان مركبا من عدة أجوبة فرعية، أولها أن المواطن الذي ضاق ذرعا بخطاب لم يسمن ولم يغن جسمه من جوع لم يعد يستوثق إلا بالنتائج، بل إن توالي خيباته ازاء السياسيبن لسنوات، هو الذي أبعده عن شأنهم وما يفعلون، ثانيا أن هذا المواطن حاضر ولا يحتاج إلى تعبئة بليدة كي تذكره ب "واجب وطني" لم ولن يفارق وجدانه، لكنه واجب خامل  اشبه بالبركان الخامد الذي ينتظر من يؤجج غليانه، بحمم  الصدقية والفعالية والجدية والعدالة الاجتماعية وتساوي الفرص، فإذا ظهرت النتيجة على ارض الواقع، كظهورها في رقعة الملعب، حصل التدافع على صناديق الاقتراع...ألم يحصل هذا خلال الانتخابات الترابية والتشريعية الأخيرة، عندما سجلت جهات الصحراء معدلات قياسية، بل وغير متوقعة، في نسب المشاركة الانتخابية؟ نعم حصل هذا، والسبب، جدية ما ينجز في هذه الجهات من مشاريع واستراتيجيات...

هكذا إذن اقرأ فرحتنا بحضورنا المشرف في نهائيات كاس العالم بقطر، الأمر عندي مدخل لقراءة مشهدنا السياسي وإعادة النظر في كثير من إحداثياته التي لم تعد قادرة على فعلا ولا تفسير شيء مما يعتمل فيه.
 
 (للأمانة الأستاذ الذي طرح السؤال في صفحته ووظفته في مقالي هو الزميل العزيز إدريس لكريني)