Tuesday 8 July 2025
كتاب الرأي

جمال المحافظ: استثمار تجربة هيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير

جمال المحافظ: استثمار تجربة هيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير جمال المحافظ
يبدو في ظل مواقف الرفض المعلنة لحد الآن للمشروع الحكومي ب"إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة" وب"تغيير "وتتميم القانون المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، الحاجة الى استعادة واستثمار تجربة الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، التي كانت ثمرة مسار طويل من النقاش والتواصل، وشكل تأسيسها، كتنظيم مدني، تقدما مهما نحو معالجة مسألة أخلاقيات الصحافة بطريقة أكثر نجاعة، وباستقلالية.
 
فإحداث الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير في 19 يوليوز 2002 بالرباط، شكل حدثا بارزا في تاريخ الصحافة المغربية والعربية والإفريقية، بالنظر لأهمية إحداث إطار مستقل من هذا النوع لحماية الصحافة والصحفيين، يكون قادرا من جهة على المساهمة في تطوير الأداء المهني، والدفاع في نفس الوقت عن حرية التعبير، على اعتبار أن أخلاقيات مهنة الصحافة وحرية التعبير وجهان لعملة واحدة ولا تناقض بينهما.
 
هيئة ومجلس
لكن كان طرح مشروع " المجلس الوطني للصحافة" سنة 2007 ،أحد عوامل تعثر عمل الهيئة وعدم تمكن الهيئة في لحظات كثيرة من عقد اجتماعاتها لعدم توفير النصاب القانوني لاجتماعاتها، بسبب الغياب المستمر لممثلي فيدرالية الناشرين أحد مكوناتها الأساسية آنذاك علاوة على عدم توفرها على أي دعم لوجستي يمكنها من القيام بعملها، وتلك قصة أخرى.
 
هذه التجربة كانت تهدف إلى المساهمة في تطوير وتجويد الأداء الإعلامي وتوجيهه لصالح الجمهور المتلقي، وضمان حق المواطن في الخبر الصادق النزيه، واحترام الكرامة الإنسانية، فضلا عن العمل على إشاعة أكبر لأخلاقيات وآداب مهنة الصحافة وتكريس حرية التعبير والرأي، لإن حرية الصحافة وحماية حرية التعبير والحفاظ على شرف المهنة والدفاع عن حق الجمهور في الإعلام النزيه، وحماية الصحافيين أثناء مزاولة المهنة، تعد ركائز جوهرية يؤمن بها الصحافيون ويتمسكون بتطبيقها.
 
مرحلة متطورة
وشكل تأسيس هذا الإطار المدني، مرحلة متطورة في مجال أخلاقيات المهنة على المستوى الوطني، واعتبرته كافة الفعاليات المهنية، تقدما نحو معالجة هذه المسألة باستقلالية وبطريقة أكثر نجاعة، تستلهم تجارب الدول الديمقراطية، وتتوجه نحو معالجة قضايا الصحافيين، انطلاقا من تعهدات والتزامات يعملون بأنفسهم على وضعها واحترامها في نفس الوقت، ودون إتاحة الفرصة لأطراف خارج المهنة، لإيجاد تبريرات وتوجهات تتناقض مع مبادئ حرية التعبير.
 
وإذا كان تشكيل هذه الهيئة لم يكن يسيرا، بل تطلب جهدا ووقتا طويلين ونقاشا عميقا ومسؤولا، بناء على طموح الصحافيين المهنيين لتأسيس إطار مستقل، يختاره الصحفيون بطواعية، على أساس أن تمثل فيه الهيئات الحقوقية الأكثر حضورا ومصداقية لدى الرأي العام، لأن معالجة قضايا أخلاقيات الصحافة، مسؤولية مشتركة. وتتمثل الوظيفة الأساسية للهيئة – كما حدده في ميثاقها- في رصد الاختلالات المهنية، وتقويم الأداء الصحافي، والتصدي التلقائي في نفس الوقت للانتهاكات التي تطال كلا من حرية الصحافة والتعبير.
 
حماية وجزاء
وإجمالا فإن الهيئة كانت تتوفر على دورين رئيسيين: حمائي وجزائي، الأول يتمثل في حماية وتمنيع وتحصين الأداء المهني، فيما يتعلق الثاني (الجزائي)، برد الاعتبار للمستهدفين بكل تصرف مخل بأخلاقيات وآداب المهنة، مع تعهد الصحافيين، بناء على ذلك بمزاولة مهنتهم بكامل الدقة والموضوعية، والالتزام بحق الجمهور في الاطلاع على مختلف الأحداث والحقائق والآراء، بالمقابل ضمان حق الصحافة والصحافيين في الوصول الى مصادر الأخبار والحق في الحصول على المعلومات ومعالجتها بحرية، وتداولها وبثها بدون إكراه وعراقيل.
 
عمل الهيئة الوطنية المستقلة، استند على ميثاق للأخلاقيات الذى جاء في ديباجته بأنه يستمد مقوماته من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، ومن بنود الدستور الذي ينص على حرية التعبير والرأي، ومن خلاله تجدد الصحافة المغربية، إرادتها الراسخة والتزامها بمواصلة العمل من أجل تعزيز حرية الرأي والتعبير، وإقرار حق المواطن في إعلام تعددي حر ونزيه، قائم على قواعد احترافية عصرية، كشروط لبناء حياة ديمقراطية مستقرة.
 
إطار مستقل
وإذا كان النظام الأساسي للهيئة وميثاقها، يؤكدان من جهة أخرى على أن الهيئة، ليست بديلا عن القضاء، كما أن القضاء لا يلغي ولا يحد من صلاحياتها، بوصفها إطارا مستقلا بذاته فإن الهيئة، غير تابعة لأية جهة سياسية أو حزبية، ولا لأية وصاية حكومية أو طرف من أي جهة كانت. فهيكلة الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، فكانت تتألف من 23 عضوا منهم شخصيات مستقلة وممثلون عن الهيئات الصحافية والمنظمات الحقوقية والثقافية والمجتمع المدني.
 
وتيسيرا لعملها جرى تأسيس " جمعية هيئة مساندة الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير" التي انتخبت المرحوم الأستاذ الطيب لزرق المحامي بهيئة الرباط رئيسا لها، ووضعت الهيئة التي تكتسي آراءها وقراراتها، قيمة اعتبارية، ملفها القانوني لدى السلطات المحلية بالرباط. فالشخصيات المستقلة كانت تضم محمد مشيشي العلمي الإدريسي أستاذ جامعي رئيسا وزكية داوود صحافية مديرة مجلة “لاماليف” و المرحوم الخضير الريسوني، كاتب صحافي واذاعي.
 
وعن الهيئات والمنظمات الحقوقية - ضمت كلا من عبد الرحيم بن بركة نقيب هيئة المحامين بالرباط ممثلا عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب وعبد الرحمن بنعمرو النقيب سابق محام بهيئة الرباط، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعبد الصمد المرابط المحامي بهيئة الرباط، عن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والراحل عبد الله الولادي المحامي بهيئة الدار البيضاء، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وأحمد أبادرين المحامي بهيئة مراكش، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.
 
تمثيلة واسعة
وعن الصحافيات والصحافيين، كانت تتألف من فاطمة بوترخة (وكالة المغرب العربي للأنباء) ومصطفى الزنايدي (جريدة السياسة الجديدة) والطيب العلمي (الإذاعة الوطنية) والمرحوم عبد الله العمراني (التلفزة المغربية) والراحلة فاطمة الوكيلي (القناة الثانية) وشفيق اللعبي (أسبوعية لافي إيكونوميك) وعبد الناصر بنو هاشم (القناة الثانية) وجمال المحافظ (وكالة المغرب العربي للأنباء) مقررا عاما للهيئة.
 
أما فيدرالية الناشرين فكانت ممثلة في الهيئة بكل من عبد المنعم دلمي المدير العام لجريدتي “الصباح” و” ليكونوميست” رئيس الفيدرالية، ومحمد الإدريسي القيطوني: مدير جريدة (لوببينيون) ومحمد البريني مدير جريدة (الأحداث المغربية) ومحمد السلهامي مدير أسبوعية (ماروك إيبدو) وفاطمة الورياغلي مديرة أسبوعية “فينانس نيوز”. وعن هيئات المجتمع المدني ضمت الهيئة كلا من الأستاذ الجامعي رشيد الفيلالي المكناسي عن الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرنسي المغرب) ونجيب خداري صحفي وشاعر عن اتحاد كتاب المغرب.
 
تجديد الهيئة
وإن كانت هذه الهيئة، لم تقم بحل نفسها لحد الآن، ولكن يتعين تجديدها، فإن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وتحولات عميقة عرفتها كافة المجالات ومنها الصحافة والاعلام، لكن من خلال المسار السابق يتضح بأن طرح أخلاقيات الصحافة، لم تكن مبادرة فردية، بل كان نتيجة مسلسل وعمل جماعي مشترك، دشنه الصحفيون بأنفسهم، ولم يكن نتيجة ” اتفاقات 2016″ التي نجم عنها ميلاد المجلس الوطني للصحافة، الذي كان نسخة معدلة جينيا لهيئة أخلاقيات الصحافة، تحكم فيه ” الصراع الانتخابي ” من أجل التموقع فيه، أو مع محاولات لركوب موجة أخلاقيات المهنة من لدن أطراف، ساهمت، بطريقة أو بأخرى في الإجهاز على هذه التجربة الوطنية المهنية من خلال الترويج إلى أن هذه الهيئة ” ولدت ميتة " ج، كما كان يحلوا للبعض من " الباطرونا والصحافيين" وصفها ابان تشكيلها وعملها.
 
وكما سبق التأكيد في عدد من المساهمات فإنه بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر والمواقف حول المجلس الوطني للصحافة منذ انتخابه سنة 2018 ، وعدم اتفاق المهنيين على مستوى أدائه ومساره الى غاية تعيين لجنة مؤقتة، فإن الأمر يتطلب في هذه المرحلة الدقيقة، فتح أفق جديد، قد يشكل طرح مشروعي القانونين، فرصة لاتخاذ مبادرات، تسبقها تجاوز كل الخلافات - مهما كان نوعها وحدتها – والتفكير في احداث تكتل للصحافيين ونشطاء المجتمع المدني، للترافع حول مطالب محددة وواضحة، وهو ما قد يساهم ليس فقط في إعادة اللحمة بين الجسم الصحفي، ولكن المصداقية والثقة في قطاع يعاني أصلا من هشاشة مركبة، وتراجعا في منسوب الثقة التي كان يحظى بها من لدن الرأي العام.