الخميس 18 إبريل 2024
اقتصاد

حميد النهري : لن توجد عدالة ضريبية بالمغرب طالما ظلت الدولة في خدمة نقابة الباطرونا

حميد النهري : لن توجد عدالة ضريبية بالمغرب طالما ظلت الدولة في خدمة نقابة الباطرونا حميد النهري
قال حميد النهري، أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي، ورئيس مركز التكوين والدراسات المالية والقانونية، أن أهم انتقاد يوجه للنظام الضريبي المغربي أنه نظام ضريبي غير عادل بامتياز. رغم أن جميع الحكومات المتعاقبة نصت في برامجها العامة على العدالة الضريبية.
وأبرز في حوار مع "
أنفاس بريس" أنه تشكلت قناعة لدى أغلب المختصين أن سياستنا الضريبية هي سياسة رهينة بتأثير الاتحاد العام لمقاولات المغرب وفي خدمة مطالبه:
 
عند كل محطة سنوية لمناقشة قانون المالية السنوي يتم طرح إشكالية العدالة الضريبية والإنصاف الضريبي، لماذا في رأيك؟
طبيعي خلال مناقشة أي قانون مالية لا بد من أن نناقش إشكالية العدالة الضريبية، لأن قانون المالية يعتبر من جهة الترجمة الفعلية للبرنامج الحكومي بمعنى أي حكومة عند تنصيبها تعرض برنامجها يؤطر مدتها الانتدابية، ومن خلال قوانين المالية للخمس سنوات تعمل الحكومة على ترجمة الوعود والالتزامات الواردة في برنامجها وبطبيعة الحال من ضمنها المقتضيات المتعلقة بالمجال الضريبي.
ومن جهة أخرى، أي قانون مالية دائما ما يتضمن إجراءات ضريبية تهدف من خلالها الحكومة تفعيل وظائف الضريبة على الصعيد المالي من خلال تغطية النفقات العمومية وعلى الصعيد الاقتصادي من خلال تنشيط وتحفيز الاستثمار عن طريق الإجراءات الضريبية الاستثنائية إما إعفاءات أو تخفيضات او تأجيلات إلى غيرها ثم الوظيفة الثالثة وهي على الصعيد الاجتماعي أي العدالة الضريبية أو الإنصاف الضريبي لأن الفصل 39 من الدستور واضح (على الجميع ان يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية....).
 
ولكن على أرض الواقع لم تعمل أي حكومة في المغرب على تجسيد هذه  العدالة الضريبية في القوانين المالية؟
إشكالية العدالة الضريبية هي إشكالية معقدة وتشكو منها أغلب الأنظمة الضريبية المعاصرة، حتى أن أغلب الفقهاء في علم المالية يؤكدون على عدم وجود نظام ضريبي مثالي يكون ذا مردودية مالية وفعالية اقتصادية وعدالة اجتماعية بل هناك فقط أنظمة إما قريبة شيئا ما من هذا النموذج أو بعيدة جدا منه. وبالنسبة للنظام الضريبي المغربي أهم انتقاد يوجه له هو أنه نظام ضريبي غير عادل بامتياز.
رغم ان جميع الحكومات المتعاقبة نصت في برامجها العامة على العدالة الضريبية. كما أن الإصلاح الضريبي 1984 كان شعاره عند التقديم العدالة الضريبية نفس الشيء بالنسبة للمناظرات الضريبية التي عرفها المغرب 1999-2013-2019 شعارها دائما كان العدالة الضريبية وأخيرا الإصلاح الضريبي الأخير 2021 الذي تسعى الدولة تنزيله شعاره أيضا العدالة الضريبية.
لكن مع ذلك يبقى هدف العدالة الضريبية بعيد المنال بالنسبة للنظام الضريبي المغربي بشكل عام. بل إن مفهوم العدالة الضريبية يتميز بنوع من الغموض كل واحد يفسره انطلاقا من منظوره الخاص وانطلاقا من مصلحته الخاصة. 
الحكومة ترى في الإجراءات الضريبية التي تعتمدها سنويا انها تهدف تحقيق عدالة ضريبية والمكلفين يرون في نفس الإجراءات أنها غير عادلة، وآخر مثال هو الإجراءات الضريبية التي تضمنها قانون المالية 2023 الخاصة بالمهن الحرة الحكومة ترى في هذه الإجراءات تحقيقا للعدالة الضريبية وفي نفس الوقت الهيئات المهنية ترى ان هذه الإجراءات تعد ضربا للعدالة الضريبية.
 
 أين يتجلى  أوجه القصور والحيف الضريبي الذي يطال المغاربة؟
في الحقيقة كما قلت سابقا هناك اقتناع بأن نظامنا الضريبي بعيد عن مبدأ العدالة بل أكثر من ذلك التقارير الرسمية وتقارير المؤسسات المالية الدولية والمؤسسات الدستورية الوطنية كلها تجمع على هذا الواقع حتى المناظرات الضريبية الثلاث أشغالها انصبت على هذا الواقع أي اللاعدالة للنظام الضريبي المغربي.
وعمليا يتجلى ذلك من خلال أوجه عديدة: 
على صعيد بنيات المداخيل الضريبية فأكثر من ثلثي العائدات الضريبية تاتي من الضرائب الغير مباشرة وطبيعة هذه الضريبة أنها تؤدى من الغني والفقير بنفس المستوى أي أنها في المشتريات ولا تميز حسب الوضع الاجتماعي لكل مستهلك وتوصف من طرف الفقهاء أنها ضريبة عمياء.
وحاليا فهي الضرائب الأكثر دخلا بالنسبة للنظام الضريبي المغربي ويمكن القول أنه إذا أزلناها ينهار هذا النظام بالكامل.
نفس الشيء اي اللاعدالة الضريبية يمكن  ملامسته بالنسبة للضريبة على الدخل فهي تهم خمسة أصناف من الدخول (المرتبات والأجور. المهنية. العقارية. الفلاحية. المالية ) لكن عمليا يمكننا أن نقول أن الضريبة على الدخل ما هي إلا ضريبة على المرتبات والأجور، فالعائدات المحصل عليها من هذا الصنف من الدخول لوحده تتجاوز 75 في المائة من عائدات الضريبة على الدخل، كما أن هناك ضرب لمبدأ الإنصاف الذي يقضي بملاءمة الاقتطاع الضريبي وإستطاعة كل مكلف حيث يزداد العبء الضريبي عند الأجير وينخفض لباقي الدخول، كما أن الأجور هي الوحيدة التي تخضع للاقتطاع من المنبع وتحرم من أي إمكانية احتساب بعض المصاريف قبل احتساب الضريبة   كما تبرز مظاهر اللاعدالة أيضا من خلال تصاعدية معدلات الضريبة على الدخل بالنسبة لصنف دخول الأجور والمرتبات....
وهذه المظاهر وأخرى كرست اللاعدالة وأفرغت الضريبة على الدخل من محتواها باعتبارها أرقى ضريبة على صعيد العدالة بل جعلتها تعمق اكثر الفوارق الاجتماعية.
 
لماذا قوانين المالية تستجيب فقط لمطالب اللوبيات والتنظيمات القوية مثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب أو غيرها؟
النظام الضريبي رغم اعتباره في أغلب الأحيان تقني إلا أنه في الحقيقة فعل سياسي وأي تحليل للنظام الضريبي المغربي يجب أن ينطلق من هذا الجانب.
وأي نظام يتأثر بمحيطه الداخلي والخارجي والعوامل المؤثرة في النظام الضريبي المغربي عديدة، لكن يبقى أبرزها تأثير جماعات الضغط او اللوبيات التي تتمثل في القطاع الفلاحي الذي كان معفيا إاى حدود 2014 وحاليا يمكن اعتباره لا زال معفيا نظرا لمساهمته الضعيفة بموجب إصلاح 2014، ثم القطاع العقاري الذي مساهمته ايضا لازالت ضعيفة وأخيرا اتحاد مقاولات المغرب الذي أصبح فاعلا أساسيا على صعيد توجيه اختيارات السياسة الجبائية، وفي الحقيقة كان تأثيره سابقا يتم بطريقة سرية عبر بعض القنوات من خلال الفرق البرلمانية، أما حاليا ومنذ حوالي عقدين من الزمن أصبح تأثيره علنيا حتى أصبحت تبرز إلى العيان مجموعة من المواجهات بين الحكومة والباطرونا ممثلة في اتحاد مقاولات المغرب حول مجموعة من  إجراءات السياسة الجبائية. 
بل أكثر من ذلك إن سياستنا الجبائية أصبحت موجهة أكثر لخدمة مصالح اتحاد مقاولات المغرب والاستجابة لمطالبه وظهر ذلك من خلال العديد من القضايا مثلا إقبار مقترح  ضريبة الثروة 2012.
تفعيل توصيات مناظرة الجبايات 2013 من خلال قوانين المالية اللاحقة حيث لم يتم تفعيل سوى التوصيات التي تستجيب لمطالب الباطرونا. 
نفس الأمر يظهر من خلال تفعيل توصيات مناظرة الجبايات 2019 وتنزيل مقتضيات الإصلاح الضريبي 2021، ويبرز ذلك من خلال مقتضيات مشروع قانون المالية 2023 الذي تم التصويت عليه في مجلس النواب ويخضع للمناقشة حاليا في مجلس المستشارين، حيث يتضمن العديد من الإجراءات الضريبية الاستثنائية تعتبر هدايا ضريبية لصالح اتحاد مقاولات المغرب أكثر منها سياسة جبائية هادفة.
إذن أمام هذه المظاهر تشكلت قناعة لدى أغلب المختصين أن سياستنا الضريبية هي سياسة رهينة بتأثير اتحاد مقاولات المغرب وفي خدمة مطالبه، وحتى نكون منصفين ليست هذه السياسة وليدة اليوم بل موجودة منذ سنوات طويلة.