ذهب شاب لخطبة فتاة، وعلى غرار جميع الأولياء الطامحين لضمان مستقبل بناتهم كان سؤال الأب: "فاش خدام أولدي..؟"، ليأتي الرد: "خويا شاد الباك أعمي..". هذه بالفعل نكتة، لكنها تبقى أطرف وأصدق ما يعكس القيمة الحقيقية التي كانت تتمتع بها شهادة الباكالوريا المغربية، والمكانة الرفيعة التي تضفيها ليس للحاصل عليها فقط، وإنما لجميع معارفه كوسام "مشرف جدا" يفتخرون به أمام الغرباء. اليوم، وفي ظل ما أصبح يلحظه المواطن من تجند الوزارة والأكاديميات والنيابات، إلى جانب الأطر التعليمية عامة من أجل محاربة ظاهرة اسمها الغش، وبلوغ عقوبة المتورطين إلى حد الحبس، بالإضافة إلى التفاعلات التي تكتسيها، نهاية كل سنة دراسية، مسألة الشروط والأعداد المحددة للطلبة المرشحين لولوج المدارس العليا والأقسام التحضرية. كل هذا يطرح التساؤل عما إذا كان ذلك الاستنفار ناتجا عن ردة فعل الإحساس بتراجع مستوى تلاميذ آخر درج في سلم المرحلة الثانوية، أم أنه مجرد صمام أمان للحفاظ على ذلك الوزن المعرفي التي اكتسبته الشهادة عبر عقود؟ الجواب كان في البداية من عائشة الراغولي، رئيسة جمعية آباء وأمهات تلاميذ ثانوية ابن حزم بمنطقة سيدي عثمان في الدار البيضاء، التي استبعدت أي جدوى لحكم يفصل قيمة شهادة الباكالوريا عن السياق العام للمنظومة التربوية المغربية، والتحولات التي طرأت على المجتمع، وكذا مدى تأثره بما هو دولي في إطار العالم المعولم. موضحة بأن مغرب الأمس ليس هو المغرب الحالي بفعل الإكراهات التي أصبح يفرضها سوق الشغل، ومن ثمة "حتى إذا ما تحدثنا عن شهادة الباكالوريا، فإن قيمتها تختلف من تخصص إلى آخر". وهذا ربما ما دفع العديد من الآباء، تستدل عائشة الراغولي، إلى صرف قسط مهم من رواتبهم لغاية دعم أبنائهم في المواد العلمية على سبيل المثال، إلى درجة أصبح معها هذا التوجه عرفا لجل الأسر، "وإن كان لهذا معنى فإنما سيكون استمرار تمتع تلك الشهادة بوزنها. وشخصيا استقبلت الكثير من أولياء الأمور رفقة أبناءهم التلاميذ لأسباب متفاوتة. وكان من بين ما يقوله هؤلاء الآباء أو الأمهات لأبنائهم: وبقا غير حتى تشد الباك..". ومن جهته، اعتبر محمد قيسوني، موجه سابق، أن شهادة الباكالوريا ستظل العلامة المميزة لنهاية مسار ثلاث مراحل تعليمية، ابتدائي، إعدادي وثانوي، والدخول في آخر مفترق الطرق الذي يفرض رؤية بعيدة ودقيقة، لكونها ترهن دراسة سنين بنتائج الاختيار الصائب. وعلى مدى الثماني سنوات التي اشتغلت أثناءها كموجه قبل استفادتي من المغادرة الطوعية، يقول القيسوني، خلصت إلى أن وسطنا ما زال ينظر لشهادة الباكالوريا كتحدي يستحق كل التضحيات لكسبه، بل حتى ما نتتبعه من أخبار عن حالات الغش يؤكد تمكن ذلك الهاجس من طموحات الشباب، خاصة وأن أي وظيفة الآن، قل أو كبر شأنها، تستدعي شهادة الباكالوريا بالدرجة الأولى. وإذا كان هذا على الصعيد الداخلي، فإن الباحث في المجال التربوي عبد المجيد المزريوي، ينظر إلى الموضوع من الزاوية الأجنبية وكيفية تعامل الدول الغربية تحديدا مع "الباشوليي" المغاربة. إذ لم يجد المزريوي، حسب قوله، أقرب من النموذج الفرنسي، مرجع المغرب الأزلي، للتمعن في رقم 50 ألف طالب مغربي من حاملي شهادة الباكالوريا الذين استقبلتهم الجامعات والمعاهد الفرنسية السنة الماضية. متسائلا ومجيبا في الوقت نفسه عما إذا كانت هذه الدولة وهي تتخذ تلك المبادرة مصيبة في قرارها لولا ثقتها الكاملة في شهادة الثانوية المغربية. فلا يعقل، يستغرب الموجه السابق، أن تفتح الدولة الأولى فلاحيا وثاني قوة صناعية في الاتحاد الأوروبي أبوابها العلمية للطلبة المغاربة دون أن تكون على يقين تام باختزال تلك الشهادة لتراكمات تعليمية قادرة على مسايرة الإيقاع العالي للتكوين الفرنسي. وليس هذا فحسب، يؤكد المزريوي، بل يمكن نسخ الاقتناع ذاته على كافة البلدان بالجهات العالمية الأربع التي استقبلت بدورها أزيد من 20 ألف تلميذ مغربي حاصل على الباكالوريا بالمدارس المغربية.
المهدي غزال