السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

الرميد من وزير للعدل إلى وزير لإشاعة اليأس

الرميد من وزير للعدل إلى وزير لإشاعة اليأس عبد الرحيم أريري

حين تم تعيين مصطفى الرميد وزيرا للعدل في حكومة بنكيران الأولى (2012) كان نهج سيرته يسبقه إلى الرأي العام باعتباره من أبرز وجوه النضال الحقوقي، والرئيس السابق للفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية، والمحامي المدافع عن الحريات والمساند لمعتقلي الرأي. وكثيرا ما تدوال المبحرون في العالم الافتراضي صورته يتعرض للضرب على أيدي القوات العمومية على مرأى ومسمع من رئيس حزبه عبد الإله بنكيران. ولذلك علقت آمال واسعة على هذا التعيين لينهض بواحدة من الوزارات ذات الثقل في الحياة السياسية الوطنية، ولذلك أيضا كان المعنيون بالشأن الحقوقي يترقبون أداء الرجل في المنصب الجديد الذي كتبت له تشريعيات 2011 أن يتحول من المعارضة إلى التدبير الحكومي وفق دستور جديد، وعلى خلفية التحولات الكبرى التي عرفها العالم العربي منذ دجنبر 2010.

ولتقدير أداء مصطفى الرميد ينبغي استحضار أن وزارة العدل لا تترتب في صدارة البرتوكول الحكومي اعتباطا، لكن ذلك يعود أساسا إلى دورها الطبيعي في توفير الأمن القانوني وفي حماية رهان التحول الديموقراطي. ولذلك كانت دائما، وحتى خلال حكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي، ضمن وزارات السيادة التي لا يحكمها إلا المقربون من دائرة الملك. ولم تنزع عنها صفة السيادة إلا في حكومة إدريس جطو الذي كان نفسه من تلك الدائرة. وهو الوضع الذي تعزز مع تنصيب حكومة بنكيران على خلفية دستور جديد أولى قطاع العدالة والقضاء مكانة كبرى في تدبير رهان الانتقال الديمقراطي وأقر عددا من المؤسسات التي تهم النهوض بهذا القطاع.

ولعل أبرز مجال يعبر عن طبيعة أداء مصطفى الرميد تأخر الأوراش الكبرى المرتبطة بإصلاح قطاع العدالة والقضاء، سواء على مستوى تنزيل النصوص التشريعية، أو على مستوى البنيات أو التكوين والهيكلة، من قبيل توطيد استقلال السلطة القضائية وتخليق منظومة العدالة وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات والارتقاء بفعالية، ونجاعة القضاء، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة وتحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها، وغيرها من الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي أقرها ميثاق إصلاح منظومة العدالة.

يتوازى هذا الغياب مع الصورة الباهتة والمترددة التي ميزت وزارته في كل الاستحقاقات التي عرفتها البلاد وزارة الرميد تحمله المسؤولية. مثال ذلك اختفاء الوزير المتكرر وراء بلاغات الداخلية كلما سجل المراقبون المغاربة اعتداءت صارخة على المواطنين، سواء تعلق الأمر باحتجاجات المعطلين أو المكفوفين أو غيرهم من المواطنين في شمال المغرب وجنوبه. مثلما نذكر موقفه المتردد من قضية زواج القاصرات، رغم تصاعد نضالات النشطاء المدنيين التي نقلت أصداؤها إلى البرلمان، حيث اضطر الوزير في الأخير إلى الاستجابة، في يناير 2014، إلى واحد من أهم مطالب المجتمع المدني المتعلق بإلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي الذي تقضي بإمكانية تزويج القاصر المغرر بها أو المختطف، وذلك على خلفية انتحار الشابة أمينة الفيلالي في 10 مارس 2012 بعد تزويجها من مغتصبها.

نذكر أيضا الموقف السلبي لوزارته وله شخصيا إثر انفجار قضية إطلاق سراح الإسباني مغتصب الأطفال في الصيف الماضي، حيث بدت بلاغات الديوان الملكي وحدها التي تطوق الموضوع. تماما كما لو أن المغرب بلا وزارة العدل وكما لو أن وزارة الرميد ليست عضوا في لجنة العفو. ويبدو التقصير والتردد أكثر وضوحا في تعامل الرميد مع القطاعات التابعة له، ومع الهيئات النقابية والمنتديات المدنية التي جعلها الدستور شريكا أساسيا في تدبير ملف القضاء والعدالة. هنا أيضا يسجل المراقبون تعطيل وزارة العدل للحوار الاجتماعي، الأمر الذي نتج عنه توتر حاد في القطاع بلغ درجات إعلان تظاهرات الاحتجاج أمام البرلمان من طرف المحامين مسنودين بكتاب الضبط الذين خاضوا معركة شرسة من أجل إقرار مطالبهم. معركة عرفت كل أساليب الضغط والتهديد بالاقتطاع من الأجور. إضافة إلى التوتر مع الجسم القضائي الذي بلغ أوجه مع قرار السلطات العومية منع الوقفة الاحتجاجية بالبدل المهنية أمام مقر وزارة العدل والحريات التي أعلن عنها نادي قضاة المغرب في فبراير الماضي بدعوى أن التظاهر ببدلات الجلسات مخالف للقانون. وهو ما اعتبره النادي «انتكاسة حقيقية لممارسة الحريات الأساسية للقضاة وفق ما تضمنه مختلف المواثيق والإعلانات الدولية». كما أن المنع شكل مادة لوكالات الأنباء الأجنبية ولمختلف المنتديات الحقوقية في المغرب وخارجه.

ولأن الرميد عضو في حكومة مرتبكة وبلا أفق، فقد كان من الطبيعي أن «يتجرجر» القطاع إلى ما لا نهاية. وبهذا الخصوص نتذكر كيف أن الرميد كان قد قدم، في ماي 2012، حصيلة سوداء لقطاعه أمام هيئة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة بالرباط، واعدا بمبادرات إصلاحية تعيد للقطاع فعاليته. وها قد مرت أكثر من سنتين على تولي الرميد مسؤولية وزارة العدل والحريات دون أن يتحقق أي نهوض فعلي، ليتأكد أن الحصيلة تزداد تفاقما يوما بعد يوم على خلفية استياء المواطنين وغياب الحوار الجدي مع الشركاء والمعنيين داخل القطاع، في ما يكتفي الوزير بمعاينة الأمور كما لو كان غير معني، ملقيا بتبعات التعثر على «جيوب المقاومة» أسوة بمنهج رئيس حكومته.

خطورة هذا المنهج لا تكمن فقط في هدر الوقت وإشاعة اليأس، وفي تعطيل مشروع الإصلاح وأوراشه، ولكن أيضا في كونه أصبح عقيدة لحكومة ستحكمنا لمدة خمس سنوات. ثم يعود رموزها في التشريعيات القادمة معلقين أسباب فشلهم على «التماسيح» و«العفاريت» في لعبة قذرة سيكون المغاربة أول ضحاياها والمؤدين لفاتوراتها الصعبة.