الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

بنيونس المرزوقي للرئيس التونسي: رئيس بدون شرعية يستقبل رئيسا بدون جمهورية !

بنيونس المرزوقي للرئيس التونسي: رئيس بدون شرعية يستقبل رئيسا بدون جمهورية ! بنيونس المرزوقي و قيس السعيد
"الطيور على أشكالها تقع"..، هكذا خاطب بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري، بجامعة وجدة، في رسالة مفتوحة وجهها لرئيس الجمهورية التونسية، قيس السعيد وأستاذ القانون الدستوري "المتقاعد"، بوقوعه في خطأ جسيم، باستقباله للانفصالي ابراهيم غالي للمشاركة في المنتدى الياباني الإفريقي بتونس، واصفا الرئيس التونسي بالعبارة التالية: "لا يستقبل رئيس غير شرعي إلا رئيسا غير شرعي".
" أنفاس بريس" تنشر نص الرسالة التي توصلت بها من الخبير الدستوري، بنيونس المرزوقي:
 
إلى السيد رئيس الجمهورية التونسية
أستاذ القانون الدستوري "المتقاعد"

ليس في نيتي أن ألقي بأي لوم عليكم..
فأنتم تعرفون إشكالياتنا في معالجة القضايا الدستورية.. بين مبدأي التفسير والتأويل..
من حقكم أن تفسروا وتؤولوا.. بل وتٌطبقون كما تشاؤون..
لكنكم أدرى بأن هذا لن يَمُس في أي شيء حقنا أيضا في التفسير والتأويل..
السيد قيس سعيد..
لقد تابعتُ كل "السياسة" التي انتهجتموها منذ وصولكم كرسي رئاسة الدولة..
وتبين لي أن ما وصلتُم إليه ليس إلا تحصيلَ حاصل..
لقد تمكنتُ من خلال متابعة مختلف جوانب تدخلاتكم وتصوراتكم الدستورية أنكم تجُرون بلادكم الشقيقة لنفق مسدود..
إنه النفق الذي جعلكم تصطدمون بالحائط.. وتعودون بالبلاد للوراء..
استحضر معكم في البداية كم فرحت عندما تمكن "زميل"، من تخصص القانون الدستوري.. من الوصول لمنصب رئاسة الدولة..
فرِحتُ لأنني (وكم كنت مخطئا) اعتبرتُ أنكم ستفتَحُون أمام تونس آفاقا واعدة..
كنت أعتقد أنكم سَتَبُتون في النقاش السياسي/الدستوري الذي ساد تونس لفترة ما بعد الحراك الاجتماعي..
اعتقدتُ أن تجربَتَكم في المقارنة بين مختلف أشكال الديمقراطية ستجعلكم تمنحُون لبلادكم الأفضل..
وأن تعمقكم في المقارنة بين مختلف الأنظمة السياسية.. من نظام برلماني ونظام رئاسي وحتى نظام مختلط، سيدفعُكُم لتختاروا لتونس الأجود..
لكن سرعان ما بدأ حماسي يقل تدريجيا من خلال متابعتي لما تقومون به من مخالفات دستورية..
لقد لاحظت اهتمامكم بالممارسة الدستورية الديغولية..
الممارسة التي تجعل رئيس الدولة يحس بأنه ليس فوق القانون فقط.. بل فوق الدستور..
تابعتُ طريقةَ مراجعكم للدستور.. فتَبَين لي أنكم تسيرون بشكل مباشر وصريح نحو تقليص (حتى لا أقول "تقزيم") صلاحيات كل المؤسسات الدستورية التي يفترض أنها تحقق التوازن بالبلاد..
محاصرة السلطة التشريعية..
جعل رئيس الحكومة وحكومته إدارة رئاسية..
بل حتى السلطة القضائية تعرضت لهذه المحاولة..
استنتجتُ أنكم تريدون القضاء على أي توجه نحو النظام البرلماني.. وكان هذا واضحا..
وتبين لي أنه حتى مظاهر النظام المختلط الشبه رئاسي لم يعد لها مكان في مشروعكم..
وحتى النظام الرئاسي نفسه عملتُم على تجاوزه..
كل ذلك لجعل النظام نظام رئاسويا يذكرنا بمرحلة تونس ما قبل الثورة الديمقراطية..
السيد قيس سعيد..
لقد كان تقديركم للمسار السياسي والدستوري.. وحتى تقديركم (وربما قناعاتكم) الدستورية في غير تطلعات شعبكم..
أذكركم بالنقاش القانوني والسياسي الذي رافق دائما تعيين حكوماتكم..
وأذكركم بالنقاش الذي رافق "تجميد" عمل المؤسسة التشريعية..
وأذكركم بالنقاش الذي رافق توقيف أعضاء من السلطة القضائية..
وأذكركم بطريقة مراجعة الدستور..
لقد وصلتم سدة الحكم في إطار دستور قائم..
وكان عليكم أن تسيروا في اتجاه تدعيم إيجابياته.. وتقليص سلبياته..
ألستم المسؤول عن احترام ذلك الدستور وفق الفصل 72؟
ألم تُقْسِموا عند انتخابكم على أنكم ستحترمون دستور وتشريع تونس.. وفق الفصل 76، وأنتم من الذين يُفترض أن يكون الإسلام دينهم وفق الفصل 74؟؟
ألم يتضمن الدستور مسطرة محددة لتعديله في الفصول 143 و144؟
مناسبة هذا التذكير هو التمهيد لتساؤلات أعمق:
ألم تتضمن توطئة الدستور الإشارة إلى الانتماء الثقافي والحضاري "للأمة العربية والإسلامية"؟
أليس هناك تنصيص في التوطئة على دعم "الوحدة المغاربية باعتبارها خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية"؟
فهل تعتقدون أنه بإقدامكم باستقبال "رئيس جمهورية وهمية" تُساهمون في بناء الاتحاد المغاربي أم في تشتيته؟
لقد ألغيتم بجرة قلم ما قام به نواب الشعب التونسي أعضاء المجلس التأسيسي..
وأذكركم أنكم كنتم عضوا بلجنة الخبراء المكلفة بمراجعة مسودة دستور تونس لسنة 2014..
وحتى في إطار دستوركم الجديد..
أكدتم على العديد من المبادئ التي لا تستقيم مع سياستكم..
فالانتماء للأمة العربية، ينبغي أن يجعلكم تسيرون مع أغلبية دول هذه الأمة بخصوص الوحدة الوطنية والترابية للمغرب..
ونفس الشيء بالنسبة للانتماء للأمة الإسلامية..
والأدهى من كل هذا هو أنكم أشرتم بشكل صريح إلى أن "الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة"..
ألا تعتقدون أن ما قمتم به يضرب في الصميم مبدأ المصلحة المشتركة التي لا يُمكن أن تكون إلا في ظل "عدم الانحياز" المنصوص عليه في توطئة الدستور الجديد..
"نحن شعب يرفض أن تدخل دولتنا في تحالفات في الخارج".. تعبير رائع وكان من الممكن أن يكون نبراسا لكم في سياستكم الخارجية بالتزام "الحياد" على الأقل في المنطقة التي تجمعنا وإياكم..
أما الإشارة الدستورية إلى تمسككم بالشرعية الدولية.. فقد تم خرقها بشكل صارخ بوقوفكم إلى جانب حركة "ليس لها من التحرر إلا الاسم"..
وقد كنتُ أعتقد أنكم ستدشنون سياستكم الخارجية بالوقوف.. قولا وفعلا.. إلى جانب "حق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة وإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشريف".. وهي الصياغة الواردة بشكل حرفي في توطئة دستوركم..
السيد الرئيس/الأستاذ
أتفهم جدا ما اعتمدتموه من إجراءات داخلية يعود للشعب التونسي الشقيق وحده صلاحية تقييمه..
لكنني لن أتفهم.. ولن أستوعب أبدا ما قمتم به في مجال تعاملكم مع بلد لم يقدم طيلة تاريخه الحديث إلا يد العون.. سواء لدولتكم أو لشعبكم..
ولكم أن تتصورا كيف سيكون رد فعلكم لو أعلنت منطقة تونسية ما عن رغبتها في الانفصال..
طبعا.. ستقفون ضد هذا الموقف الذي ستعتبرونه عملا إجراميا..
وذلك من حقكم..
لكن.. كونوا مُتأكدين أن المملكة المغربية ستقف وقفة رجل واحد للدفاع عن وحدة أراضيكم..
هذه مبادئنا..
وتلك سياستنا..
ولكم في دستوركم ما يجعلكم أنتم أيضا "تتخوفون"..
"تونس دولة موحدة ولا يجوز وضع أي تشريع يمس وحدتها"..
من حقكم ذاك.. ونحن معكم..
لكن من حقنا أيضا كمغاربة أن نتمسك بنفس المبدأ:
المغرب دولة موحدة.. ولا يجوز تفتيت وحدته الوطنية ولا الترابية..
ومستعدون للتضحية من أجل ذلك..
مع تحيات بن يونس المرزوقي..
الذي لا يزال يُسجل في ذاكرته النقاشَ الدستوري العالي المستوى الذي حضره في فبراير 2005.. بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس العاصمة..
كان ذلك بمناسبة ندوة دولية حول "الأجنبي في جميع أوضاعه".. حيث قدمتُ مداخلة بعنوان "الأجنبي في القانون العام: نحو بُعد جديد للمواطنة"..
كان ذلك من تنسيق كل من فرحات حرشاني.. وسامي بوسطانجي..
ورفقة كل من كمال شرف الدين.. ندير بن عمو.. منجي طرشونة.. محمد الزين.. لطفي الشاذلي.. سهيمة بن عاشور.. أمل عويج مراد.. مصطفى بن لطايف.. نجيب بلعيد.. فاتحة السهلي. حبيب كزدغلي.. الطاهر بن مرزوݣة.. رؤوف حمزة.. حمادي غاديسي.. محمد حداد.. رضا الشنوفي.. الهادي خليل..
ندوة جمعت أساتذة محترمين متنوعين من القانون العام.. والخاص.. والاقتصاد.. والآداب.. والفنون..
ناقشوا باحترام تام وكامل..
لعل هذا التذكير يوقظ لديم الحنين إلى النقاش الدستوري الهادئ..
ويُحفزك على إصلاح أخطاء في تدبير الشؤون الخارجية لبلد كنا دائما بجانب شعبه..
سابقا..
حاليا..
وكلما احتاج لنا..
وأخيرا فإنني أتمنى ألا تترك الفرصة أمام شعار بدأ ينتشر ويترسخ بسرعة..
شعار يقول "رئيس بدون شرعية يستقبل رئيسا بدون جمهورية"..
مغزى هذا الشعار حسب فهمي المتواضع هو أن "الطيور على أشكالها تقع"..
فلا يستقبل رئيس غير شرعي إلا رئيسا غير شرعي..
وإلى تفاصيل دستورية أخرى..