الأربعاء 12 فبراير 2025
مجتمع

الدكتور أنور الشرقاوي: قراءة في كتاب: "من أجل حياة الأطفال المصابين بالسرطان"

الدكتور أنور الشرقاوي: قراءة في كتاب: "من أجل حياة الأطفال المصابين بالسرطان" الدكتور أنور الشرقاوي والبروفيسور فوزية مسفر العلوي
البروفيسور فوزية مسفر العلوي،  الرائدة في طب أورام الأطفال بالمغرب و التي كرست حياتها لهذا المجال في إطار جماعي والتي  قامت بحملات تحسيسية  لبناء مركز حديث متخصص حصريا للأطفال المصابين بالسرطان والتي استطاعت أن تعالج مع فريقها أكثر من 8000 طفل مريض، هكذا يقدم البروفسور عمر الشرقاوي المدير السابق للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا كتاب " من أجل حياة الأطفال المصابين بالسرطان " للبروفسور فوزية مسفر العلوي .
فيما يلي نص القراءة في الكتاب:
يضم كتاب "من أجل حياة الأطفال المصابين بالسرطان"
180 صفحة، وهو وثيقة وسيرة ذاتية تتتبع الرحلة الاستثنائية لهذه السيدة العظيمة، الأستاذة فوزية مسفر العلوي، القائدة التي عملت على ولادة وتطوير مجال  طبي متخصص للغاية، وهو طب أورام الأطفال. هذا الكتاب ممتع  من أكثر من زاوية. إنه يسهل فهم إشكالية معقدة، هي سرطانات الأطفال بشكل عام وسرطان الدم بشكل خاص، وأورام الدم لدى الأطفال. 
تخصص المؤلفة مقدمة موجزة عن اختيارها للطب وطب الأطفال وخاصة سرطانات الأطفال وأورام الدم لدى الأطفال. وتحكي الأستاذة فوزية مسفر العلوي، عن مرضها الذي عانته منه لفترة طويلة وما زالت عواقبه حتى اليوم. ولكن بشجاعة ونكران الذات، لم يمنعها ​​هذا العائق من مواصلة مسيرتها المهنية الغنية  بالابتكارات والمشاريع.
الكتاب مقسم إلى جزئين رئيسيين. 
يخصص الجزء الأول لشباب المؤلفة ومعاركها الأولى لتسجيلها في كلية الطب، ثم تجربتها خلال الفترات التدريبيه الداخلية والخارجية بمستشفى ابن سينا ​​بالرباط حتى حصولها على شهادة الدكتوراه في الطب عام 1974. ثم تحدثت عن صراعاتها الصحية الشخصية قبل أن تختتم هذا الجزء بلمحة عامة عن أحزان عائلتها وأفراحها. 
الجزء الثاني من الكتاب مخصص لسرطانات الطفولة في المغرب مع العديد من الفصول القصيرة التي تتناول، على وجه الخصوص، خطوات المؤلفة الأولى في الثمانينيات، حيث تشرح دوافعها، اللجوء إلى  تداريب خارج المغرب لترسيخ معرفتها بأورام الأطفال، إنشاء وحدة صغيرة بها عدد قليل من الأسرة المأخوذة من قسم الأستاذ بارودي عبد الرحيم؛ مخصصة للأطفال المصابين بالسرطان، ولادة جمعية "المستقبل" والعديد من الأعمال والمبادرات.
في فصل بعنوان "زمن النضج"، تصف الأستاذة لمسفر بداية توعية الأطباء والمواطنين بسرطانات الأطفال التي كانت غير معروفة، ومشاركة جمعية "المستقبل" في إنشاء كونفدرالية دولية للأطفال المصابين بالسرطان، تعرف اليوم  باسم CHILDHOOD CANCER INTERNATIONAL (CCI)، وتضم أكثر من 90 دولة.
في 3 نونبر 2000، تشرف مستشفى الأطفال بالرباط باستقبال الملك محمد السادس الذي زار أيضا وحدة أورام الأطفال. واهتم جلالة الملك كثيرا بأنشطة الوحدة وتحدث مع الأطفال المرضى وأولياء أمورهم.
وفي ثمان صفحات، تناقش المؤلفة نشأة "بيت المستقبل"، وهو عمارة من 3 طوابق تضم 22 غرفة و 54 سريرا مخصصا لإيواء الآباء والأمهات وأطفالهم أثناء العلاج. تطلب هذا المشروع العظيم الذي بدأ منذ عام 1988،  تعبئة مكثفة لجمع الأموال، وتم وضع الحجر الأساس في شهر نونبر 1993. لقد لبى العديد من المحسنين دعوات التبرع على نطاق واسع، أولا وزارة الإسكان منحت جمعية " المستقبل" قطعة أرض مساحتها 750 مترا في حي النهضة، ثم بفضل التعبئة العامة، شارك العديد من المحسنين طواعية في إنجاز المشروع: مهندس معماري، مكتب دراسة فنية، سفارة كندا، دولة الكويت، الدائرة الدبلوماسية بالرباط ...وأتاحت العديد من التبرعات، عينية أو نقدية لبيت المستقبل أن يفتح أبوابه في 30 ماي 1995.
وقد تم تدشينه من قبل الأميرة للا مريم، الرئيسة الفخرية لجمعية المستقبل. وكما كتبت المؤلفة، فإن "بيت المستقبل" منزل جميل وعملي، وضع رهن إشارة العائلات التي لديها طفل يتتبع العلاج في وحدة أمراض الدم والأورام في" المستشفى "، وهو ما يسمح للأطفال بالبقاء مع والديهم. 
لكن وحدة الأورام الصغيرة في قسم طب الأطفال لم تعد قادرة على التعامل مع الكم الهائل من المرضى الذين يتدفقون عليها من جميع أنحاء البلاد. وهذا ما فرض على الجميع إنشاء مركز حقيقي مخصص للأطفال المصابين بالسرطان. وهو مشروع يتجاوز الإمكانيات المالية لجمعية المستقبل. هذا المشروع الثقيل تم الدفاع عنه جيدا بحجج دامغة لدى السلطات، مما دفع وزارة الصحة إلى بنائه داخل المستشفى نفسه. وهكذا افتتح مركز أمراض الدم والأورام لدى الأطفال (CHOP) أبوابه في شهر أبريل 2010 داخل مستشفى الأطفال.
إن أحد العوامل الرئيسية في نجاح هذه المشاريع المختلفة التي تم تنفيذها هو بلا شك النضال المستمر لأكثر من 30 عاما للسيدة مسفر العلوي والمتعاونين الطبيين والتمريضين والإداريين بالإضافة إلى الدعم الدائم من المتبرعين..
عنصر آخر يفسر نجاح هذه المشاريع هو الشراكات المبرمة مع وحدات مغربية أخرى لأورام الأطفال وفي الخارج مع جمعيات أخرى ومستشفيات أخرى. هكذا كانت الشراكة سنة 2000 مع مستشفى  "سان جود"  saint jude memphis والذي يعتبر من أهم مراكز العلاج والتكوين والبحث في مجال سرطانات الأطفال بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقد ساهمت هذه الشراكة في دعم قوي لأعمال وحدة سرطان الطفل ولجمعية المستقبل.
كما كان الهدف من الشراكة الممتدة على ثلاث سنوات قابلة للتجديد بين الشريكين، تطوير علاج أورام الأطفال في المغرب. كما تم تمويل جميع البرامج من قبل مستشفى سانت جود الذي وصف مسؤولوه هذه الشراكة التي ماتزال تعمل إلى  اليوم بأنها "قصة نجاح ".
كما أثارت هذه الشراكات اهتمام عالم الرياضة. وهكذا، اعتبارا من عام 2001، كان الاتفاق الذي بموجبه وضعت نزهة بدوان، بطلة العالم في ألعاب القوى في سباق 400 متر حواجز، صورتها كعلامة وكبطلة عالمية، رهن إشارة جمعية المستقبل  بهدف تعزيز أنشطة التوعية بشأن احتياجات الأطفال وجمع الأموال لبناء مركز أمراض الدم والأورام للأطفال، وتنظيم العديد من التظاهرات الرياضية لصالح الأطفال المصابين بالسرطان. ودعمت رياضيات أخريات الجمعية، ولا سيما مشاركتان في رالي الغزالات Rallye des Gazelles، واللتان ساهمتا في تجهيز غرفة إنعاش حقيقية. هتان هما أميرة ونزهة اللتان تصدرتا المنافسة. ومنذ ذلك الحين، أُطلق على غرفة الإنعاش اسم " إنعاش الغزالات". وأخيرا في نونبر 2005، تأسست جمعية للا سلمى. منذ ذلك الحين، أصبح هذا التاريخ هو اليوم الوطني لمكافحة السرطان وتحولت الجمعية فيما بعد إلى  مؤسسة للا سلمى التي أعطت نفسا هائلا لجميع المتدخلين في مجال السرطان بالمغرب: الوقاية والكشف المبكر والتشخيص والرعاية العلاجية والرعاية التلطيفية والمتابعة والدعم الاجتماعي والتدريب والبحث والتعبئة.
نصل إلى تخلي الأستاذة لمسفر العلوي عن رئاسة وحدة أورام الأطفال في عام 2005. ففي الواقع، بعد تردد كبير، قررت المغادرة، استجابة لاقتراح من الأميرة للا سلمى التي أرادت ضمها إلى المجلس الإداري  لجمعيتها. وتمت الخلافة على مستوى المستشفى من قبل فرق مختصة من الأطباء والممرضات. على مستوى الوحدة ومركز أورام الدم، أولاً من قبل الأستاذ محمد خطاب محمد وحاليا الأستاذة ليلى حسيسن.
في نهاية الكتاب، تم تخصيص بعض الفصول للعديد من الأحداث بما في ذلك صعود جبل توبقال من قبل الأطفال المرضى أو المتعافين، والآباء المرافقين، ومقدمي الرعاية..من أجل التوعية بالتشخيص المبكر للسرطان. 
وتروي المؤلفة أيضا قصصا عن أطفال مرضى ينتزعون مشاعر الفرح والحزن من القارئ.
كان معدل الوفيات بسبب السرطان مرتفعاً للغاية في سبعينيات القرن الماضي، وحاليا، انعكس هذا الاتجاه وصرنا  نشهد حياة طويلة للمرضى. وهناك مثال توضيحي للتطور السعيد؛  مثال خولة التي أصيبت، في سن الرابعة في عام 1980، بمرض هودجكين، سرطان الغدد الليمفاوية. وأدى العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي إلى فترة شفاء طويلة تستمر حتى اليوم. تزوجت خولة عام 2000 وفي عام 2001 أنجبت ولداً. في عام 2003 وافقت مع زوجها على الإدلاء بشهادتها أمام شاشات التلفزيون. حاليا، خولة، 46 سنة، أم لولدين بصحة جيدة ويتابعان دراستهما.
وينتهي الكتاب بفصل عن أورام الأطفال في المغرب عام 2022. يحدد هذا الفصل أن هناك اليوم ست وحدات لأورام الأطفال في خمسة مدن. جميعها مدعمة من الجمعيات ومساندة من طرف مؤسسة للا سلمى. وسمحت إجراءات أخرى باختيار المغرب من قبل منظمة الصحة العالمية كموقع تجريبي لتنفيذ المبادرة العالمية لسرطان الأطفال.
يمكننا أن نقول اليوم إنه بفضل الإجراءات التي اتخذها فريق متماسك لأكثر من ثلاثين عاما، فإن هذا التخصص، أورام الأطفال، يسير على الطريق الصحيح ويتقدم كل يوم.