السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

خطايا الجزائر التي زادت المغرب مناعة وصلابة!!

خطايا الجزائر  التي زادت المغرب مناعة وصلابة!! عبد الرحيم أريري
يصعب تشخيص الحالة الراهنة للعلاقة بين الجزائر والمغرب، لأنها لا تتحدد وفق إيقاع مضبوط يسمح لنا بتفسير منسوب التوتر، ومنعطفات النزاع عبر هذه المرحلة أو تلك. ولذلك تبدو لي هذه العلاقة كما لو تشبه زلزالا حدث في زمن سابق مخلفا دمارا كبيرا، لكنه حين هدأ لم تزل هزاته الارتدادية. بل ظلت تظهر ثم تختفي ثم تعاود الظهور والاختفاء. وفي سياقنا هذا فالهزة الزلزالية الأولى حدثت بالضبط سنة 1975 حين احتضنت الجزائر ما سمتها «دولة» ومولتها. بل اقتطعت جزءا من ترابها لتنشىء عليه تلك «الدولة» رغم أن ذلك الكيان الوهمي لا يتوفر على أدنى مقوم من مقومات الدول. إنها النازلة التي لا يمكن أن نعثر على مثيلها في أية بقعة في العالم الذي يشهد 63 نزاعا دوليا، لكن نازلة الطغمة العسكرية بالجزائر تتفرد بفضيحتها.

نعم قد نجد دولا تساعد حركات للتحرير، أو تأوي حكومات منفى، أو تمول الثوار ضد دول الجوار. أما أن يقتطع جزء من التراب الوطني، وتقتطع المليارات من الخزينة العامة الجزائرية، فذلك سلوك فريد في التعاطي مع القضايا الدولية يستمر إلى اليوم ضدا على حقوق المغرب المشروعة، وعلى مبادئ وأسس العلاقات الدولية.

إذن، فما نعيشه طيلة كل هذه العقود، أي منذ الهزة الأولى لعام 1975، هي مجرد ارتدادات لتلك الخطيئة الأصلية، مع وجود الفارق، حيث ازدادت اليوم كثافة تلك الارتدادات، وصارت أكثر استفزازا وشراسة. 

أما ما يفسر ذلك فيعود، في رأيي، إلى إدراك الحكام الجزائريين بأن المغرب قد «جاب الدورة» عليهم، من حيث مشاريع التنمية، وحجم الاستثمارات في مختلف القطاعات، وصلابة الاستقرار الاجتماعي، ينضاف إلى ذلك الاعتراف الأمريكي بسيادتنا على الصحراء، وهو بالنسبة إلي، أكبر نصر تحقق للمغرب في هذه العشرية.

هناك كذلك انتباه الجنرالات بدولة العصابة إلى أنهم فجأة، وبعد سنوات التيه والضياع، استفاقوا على ما تحقق للمغرب من استثمارات كبرى في الأقاليم الصحراوية. ثم انتبهوا كذلك إلى أن بلادنا قد جففت منابعهم في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبأن المغرب أصبح قوة جهوية صاعدة تضعها الدول الكبرى في الحسبان.

هذا بالضبط ما يفسر حدة التحرشات الوقحة القادمة إلينا من جهة الجزائر، وهو ما يفسر كذلك تصاعد الاستفزاز ضدنا. وهنا أفتح قوسا بالمناسبة لأشير إلى أن استقدام الطغمة العسكرية لتلك العناصر القديمة، التي كانت حاضرة في الهزة الأولى للزلزال، وعلى رأسها رمطان لعمامرة ومن معه، يفسر تواتر تلك التحرشات والاستفزازات على اعتبار أنهم الأكثر معرفة بالملف وتعقيداته، والأقدر على إيلامنا في المنتظم الدولي، متناسين أن هؤلاء لا يزالون يعيشون في زمن التقاطب بين كتلتي الشرق والغرب، وبأن صراعات العالم ورهانات القوى فيه متغيرة تماما عن رهانات الحرب الباردة، ومتناسين كذلك بأن أوراقهم قد احترقت، وفقدت بالتالي بريقها الأول زمن الثورة الجزائرية. وهذا ما يفسر كذلك توالي خيبات عسكر الجزائر في الداخل والخارج، رغم الملايير من الدولارات التي صرفوها على بعض المنظمات الدولية وعلى جماعات الضغط في المحافل الدولية، وعلى بعض وسائل الإعلام الغربية من أجل تشويه سمعة المغرب وصورته في المنتظم الدولي.

أود أن أثير الانتباه، في الأخير، إلى بعض المؤشرات التي لا يستحضرها  إلا الخبراء بهذا الموضوع. وهي تندرج ضمن مسعانا لفهم أثر تلك الهزة الزلزالية المتواصلة إلى اليوم، وأذكر من هذه المؤشرات ثلاثة فقط:

المؤشر الأول: يتعلق بقرار المغرب النزول بثقله المالي ليضخ 85 مليار درهم في إطار النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية. والمقصود بهذا القرار توجيه رسالة واضحة للعسكر هناك وللعالم، مفادها أن المغرب يواصل مشروعه التنموي بإرادة وقوة. ومن لم يدرك معاني هذه الرسالة لن يتيسر له فهم جوهر الموقف المغربي وحقيقته.
 
المؤشر الثاني: يتمثل في إشارة الملك محمد السادس في خطاب 6 نونبر 2019 إلى أن المعطيات قد تبدلت، وأن أكادير صارت هي وسط المملكة، وبالتالي فإن نظرتنا إلى الأمور تتحدد بالضبط من هذه الزاوية الاستراتيجية.
 
أما المؤشر الثالث: فيتعلق بإنشاء ميناء الداخلة المتوسطي الذي سيقلب المعطيات بعد 5 أو 6 سنوات حين تنتهي أشغال بنائه، تماما كما كان الأمر بالنسبة إلى ميناء طنجة المتوسط، بحيث سيغطي هذا الميناء محيطا جيوستراتيجيا هاما جدا سيخرج المغرب منه رابحا على بالدرجة الأولى.