الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: للتفوق عنوان..

ادريس المغلشي: للتفوق عنوان.. ادريس المغلشي
أسدل الستار الأحد  الماضي  على لعبة التنس رولان غاروس التي تقام بفرنسا بتتويج الماتادور الاسباني نادال وقبل التطرق لبعض الحيثيات والملاحظات التي واكبت فوز هذا اللاعب الإستثنائي في النسخة الأخيرة وهو الموضوع الرئيسي لهذا المقال .حري بي أن اعرج على جواب لسؤال قد يتبادر إلى الذهن . لماذا الاهتمام بهذه اللعبة التي كنا نعتبرها إلى عهد قريب لعبة الطبقة البورجوازية وعلية القوم بل كانت في عهد مضى لعبة محتضنة من طرف الداخلية وكنا نستعفف من متابعتها في نشرة الأخبار الرياضية منتظرين نتائج مقابلات كرة القدم معشوقة الجماهير ولعبة الفقراء.كنا نضع المعادلة الصعبة جماهرية اللعبة الأولى أمام أرستقراطية الثانية. منطقية ومعقولية هذا الطرح تستمد قوتها من الممارسة والتناول وليس أمرا آخر.كما كنا نناقش الميزانية الضخمة المرصودة من خلال الجوائز التي يأخذها فرد واحد أمام العدد الكبير الذي يشكله الفريق الآخر .فرغم سطحية التحليل الرافضة لها كنا نعبر عن موقف اجتماعي محض. من سوءحظ مقدم البرامج أنذاك احمد لحمر الذي تخصص في تقديم مثل هذه الرياضات أننا كنا نتشاءم من ظهوره عكس سعيد زدوق الذي نحس بانتمائه العضوي لنا من خلال حرفية تعليقه ولغته البسيطة كأنه يمثلنا وينتمي لفئتنا احساس تلقائي دون خلفية مسبقة .كنا شباب نعلق على هذه المواضيع ونخضعها لقراءة سوسيولوجية . وننبذ كل الرياضات من خلال كلفة أدواتها وملابسها الباهضة الثمن وبالخصوص التنس والغولف . رياضتان مرفوضتان عندنا وقد نضطر لإغلاق التلفاز حين تمعن ادارته الشقية على تقديم مثل هذه الرياضات على ماكنا نفضل ضمانا لبقائنا لمدة أطول فنثور ضد هذا الغش وتلك الخدعة مضحين بالفرجة بأكملها لانخضع للابتزاز مهما كلف الأمر .
لست من المتتبعين لهذه اللعبة بشكل دقيق كما انني حريص على متابعة أطوارها من الربع الى النهائي رولان غاروس كلما اتيحت لي الفرصة . وقد يستغرب البعض هل فعلا نادال رياضي متفردصاحب الانجازات بقلب باريس وهو يفوز ب14 كاس على الارض الصلبة عمل لم يسبقه احد، يتمتع بلياقة بدنية عالية وقد بلغ من العمر 36ربيعاماالسر في هذا التألق ؟ وقد انتزع احترام المتتبعين.ترتكز هذه الرياضة على تفاصيل دقيقة مؤثرة بشكل كبير في الفوز والفشل .لكن المثير في شخصية نادال وقد حرصت على تتبع سلوك هذا الرياضي ولكم ان تعيدوا مشاهدة مراحل تأهله من البداية إلى النهاية . كيف يتحرك في رقعة الملعب في وضعيات محسوبة ومحسومة وردود فعل محددة وبالقوة المطلوبة.لكن المدهش  كيف يتعامل مع أدواته الخاصة ومعيناته على المباراة من قنينات ماء التي يضعها بعناية فائقة وترتيب صارم .وكيف يضع المنشفة الخاصة للتخلص من العرق ؟ وكيف يمسح حاجبيه ووجنتيه بحركة تشبه لحد بعيد ماتفعله النحلة وهي تجدد نشاطها .دقة لامتناهية في كل شيء .وانضباط منقطع النظير وصرامة شديدة في التكيف مع أجواء واطوار المباراة وعزيمة فولاذية قهرت شباب في بداية المشوار. 
الخلاصة التي وقفت عليها من هذا الحدث الرياضي أن الذكاء في استثمار القوة من خلال التوظيف الأمثل تقهر كل المؤشرات الأخرى مهما كانت مرتفعة . فالرهان عليها يعتبر مغامرة في غياب قراءة مستوعبة لأدق التفاصيل .فعلا استفدت من مقابلة النصف والنهائي على وجه الخصوص من متعة الفرجة إلى ملاحظات دقيقة وجوهرية في سلوكات بطل ينتقل من تفوق إلى آخر . فعلا درس وحالة للتأمل .