الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى الخداري: ليلة رومانسية

مصطفى الخداري: ليلة رومانسية مصطفى الخداري

"بونجور!"

"......في خدمتكم.

لاختيار اللغة العربية اضغط على الزر رقم 1 ولاختيار اللغة الفرنسية اضغط على الزر رقم 2."

كيفما كان اختيارك فلفظة " بونجور" هي التي تستقبلك من جديد. ثم يشرع الموظف أو الموظفة في سرد المقدمة الطللية بلغة " فولتير"، ضاربا اختيارك عرض الحائط.

فما جدوى السؤال المطروح في البداية؟

سعيد شاب مغربي يقيم في الديار الهولندية. انه جد محظوظ لكونه تعلم النطق بالدارجة المغربية داخل أسرته. يتواصل بها بطلاقة مع أفراد عائلته بالمغرب. و يتقن أيضا لغة بلد الإقامة التي درسها في المؤسسات التعليمية بالإضافة إلى تمكنه من اللغة الانجليزية. لكنه يجد صعوبة كبيرة في التواصل مع أغلبية المؤسسات والمصالح المغربية التي لا تحبذ استعمال الدارجة. خصوصا عبر الهاتف، حيث تطغى اللغة الفرنسية في الغالب. هذه حالة من الحالات التي يصادفها المواطن المغربي - عموما و المقيم بالمهجر بصفة خاصة - عند تواصله مع بعض المصالح في بلده الأصلي. لم هذا العزوف عن الدارجة؟ هل باستعمالنا لغة "بونجور" سنصبح أوروبيين؟ هل بهذه الطريقة نريد آن نتنصل من هويتنا لنرقى إلى مقام أعلى؟

لنكن فخورين ومعتزين بدارجتنا.

قام سعيد في الأسابيع الماضية بزيارة خاطفة إلى بلده الأصلي بعد غياب طويل فرضته جائحة كورونا. إنها فرصة لصلة الرحم و لتفقد أحوال شقته في الدار البيضاء. لقد كان متوترا بعض الشي و هو يستعد لهذه الرحلة. اختبار PCR له دور في هذا التوتر لا محالة.

استقبله صهره في المطار في ساعة متأخرة من الليل. ورغم إلحاح الصهر للمبيت معه في بيته ، فضل سعيد أن يقضي ليلته في شقته حتى يضع فيها أمتعته و يشرع في اليوم الموالي في ترتيب باقي الامور التي جاء من أجلها. خصوصا وان عطلته هذه المرة لا تتعدى اسبوعا واحدا فقط.

عندما توقفت السيارة بباب العمارة، كانت الساعة قد قاربت الثانية صباحا. ليل ساكن و سماء صافية وهدوء غريب يخيم على المكان ، لم يعهده سعيد من قبل. كانت زياراته السابقة تصادف عطلة الصيف، حيث الشوارع وابواب العمارات تعج ليل نهار بالأطفال والكبار. ابا صالح - حارس العمارة- هو الآخر لم يظهر له أثر في هذا الليل. بينما في الصيف لا تغيب عنه اية صغيرة أو كبيرة.

بمجرد وقوف السيارة قرب باب العمارة تجده مستعدا لتقديم يد المساعدة. لحسن الحظ أن سعيد ليس وحيدا في هذا الليل.

ادخلا الأمتعة في المصعد ثم ضغط سعيد على الزر رقم 4 للصعود الى الشقة. كل شي مر حتى الساعة على أحسن وجه. هذا الوضع تغير بمجرد ولوجه البيت.

لا كهرباء ولا هم يحزنون. حاول الضغط على باقي مصابيح الغرف ليتأكد من الأمر أكثر. لكن الظلمة آبت آن تبارح المكان.

ماذا وقع؟

تساءل سعيد مع نفسه. المهم الآن هو إيجاد حل للمشكل.

انطلقت السيارة من جديد للبحث عن اي دكان مفتوح يجاور الحي. لم تكن المهمة سهلة في هذه الساعة المتأخرة من الليل. وبعد مدة لمح الصهر ضوءا يوحي بأنه دكان مفتوح فاتجه نحوه.

اقتنى سعيد بضعة شموع و علبة عود ثقاب ثم عاد إلى شقته.

ودٌع الصهر بعدما أشعل شمعة في بيت الجلوس وأخرى في الحمام، ثم استلقى على فراش وسط الغرفة.

حُتم عليه قضاء ليلة رومانسية لم تكن بالحسبان.

عندما قصد مكتب الشكايات المخصص للكهرباء في الصباح الباكر فوجئ بأن الشركة المعنية قد أزالت عداد الكهرباء من مكانه.

" وما هو الحل الان"

تابع سعيد كلامه عند سماعه هذا الخبر.

" عليك بإدخال عداد جديد و تأدية المصاريف الكاملة المترتبة عن ذلك".

استغرب سعيد لهذا الرد المفاجئ.

لقد تعذر عليه فعلا تسديد فاتورات الماء والكهرباء في الوقت المحدد، نظرا لتواجده خارج المغرب في فترة كورونا. وبالتالي يجب عليه تأدية ما استهلكه في تلك الفترة، لا اقل ولا اكثر. هكذا ظن سعيد.

لان العداد أصبح في الحقيقة ملكا له في الوقت الذي وقع فيه العقد مع الشركة وآدى المصاريف المطلوبة.

ولكن شتان بين ما هو مسطر في العقد و ما يعاينه في الواقع.

هكذا إذن استهل سعيد أسبوع إقامته في بلده. لقد قضى طيلة اليوم في التنقيب عن حل لمشكلته خوفا من تمديد الليلة الرومانسية إلى ليالي آخرى. ورغم أنه وفق في الأخير في استعادة عداده والنعيم من جديد بشقة مضيئة دون العودة إلى نور الشموع، فان برنامج رحلته المسطر لم يعد له جدوى.

الغريب في الأمر هو التضارب الكبير في الآراء حول الحلول والأثمنة المقترحة من طرف المستخدمين في نفس المصلحة. وكأنك في مزاد علني.

مر الاسبوع مرور الكرام ، ولم يتمكن سعيد طبعا من قضاء جميع مآربه.

عند عودته بالطائرة تجاذب الحديث مع إحدى السيدات التي كانت تجاور مقعده. وكم كانت دهشته كبيرة وهو يستمع لحكايتها التي تطابق واقعته تماما.

الاختلاف الوحيد بين الحالتين هو في طريقة حل المشكل. لقد اختارت السيدة في آخر المطاف الاستعانة بالعدالة من أجل حل مشكلتها.

" وسير الضيم".

رفقا أيها السادة باخوانكم في المهجر.

مصطفى الخداري نائب مدير مدرسة هولاندية بأمستردام