السبت 20 إبريل 2024
سياسة

سمير شوقي: المغرب-إسبانيا.. لهذه الأسباب زيارة سانشيز تعد تاريخية

سمير شوقي: المغرب-إسبانيا.. لهذه الأسباب زيارة سانشيز تعد تاريخية سمير شوقي يتوسط الملك محمد السادس وبيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية
يحل رئيس حكومة مدريد،  بيدرو سانشيز بالرباط و هو بين سندان معارضة شرسة وجزائر متطرفة، و مطرقة مصالح اقتصادية كبرى تعطلت مع المغرب.  يعرف سانشيز جيدا أن هذه الزيارة سيكون لها ما قبلها و ما بعدها لأنها ستحمل أبعادا تاريخية تُلزم إسبانيا كدولة وليس محكومة. 
ثلاث ملفات حارقة ستؤرخ  لهذه الزيارة و ستحكم العلاقات الثنائية لفترة ليست بالقصيرة.
 
1. قضية الصحراء، بين أمريكا و فرنسا
عندما قررت إسبانيا قبل ثلاثة أسابيع أن تخرج من موقع الغموض بخصوص قضية الصحراء،  وتعترف بأن مقترح الحكم الذاتي هو الأساس الجديد لأي حل لقضية الصحراء مشددة على أن الإحترام المتبادل  لسيادة البلدين على أراضيها مسألة مبدأ، تزعزع قصر المرادية  وحرك بسرعة الأجنحة المتطرفة في حكومة سانشيز المتعاطفة مع أطروحة البوليساريو. سانشيز كان يتوقع ذلك بل أعد له. و هكذا سيصوت برلمان إسبانيا في نفس الوقت الذي يصل فيه سانشيز المغرب، على إعلان موقف إسبانيا كدولة وليس كحكومة. إعلان سبقته مفاوضات مع حزبي بوديموس و سويديدانوس المتطرفين، استطاع سانشيز إقناع الحزبين بأن البيان لن يتضمن كلمة الحكم الذاتي (و هذا تحصيل حاصل إذ سبق سانشيز أن صرح بها رسمياً) لكن في المقابل شطب على عبارتين "الإستفتاء" و " تقرير المصير" التي كانت قاعدة أبجديات الحزبين المذكورين. سانشيز يستطيع بذلك أن يتوقع في درجة أقل من أمريكا في اعترافها بمغربية الصحراء وأفضل من فرنسا التي تعترف بجدية مقترح الحكم الذاتي، لكنها لا تعلن عن ذلك سوى في القاعات المغلقة. و رغم صراخ وضجيج حكام الجزائر، فإن إسبانيا قررت قلب الصفحة والتطلع للمستقبل لما فيه مصلحة البلدين، فيما مازال نظام الجزائر مغلولاً بعقد 1963.
 
2. التعاون الإقتصادي، بناء قطب جديد 
الذين كانوا يستصغرون موقف المغرب الإقتصادي أمام شريكه الأول إسبانيا استفادوا جيداً من الدرس، و أدركوا أن للمغرب أوراقا هامة لم يضعها كلها فوق الطاولة. المغرب يعتبر الشريك الاقتصادي الأول لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي بمبادلات تفوق 17 مليار يورو، و مدريد هي أول مستثمر بالمملكة بأزيد من ألف مقاولة، فيما ينتعش الجنوب الإسباني سنوياً بما يقارب المليون سائح مغربي يتركون في دورتها الإقتصادية أكثر من 500 مليون يورو. أما سبتة  ومليلية  المحتلتين فيعيشان على وقع السكتة القلبية منذ أن قرر المغرب وقف أنشطة التهريب وعطَّلَ عملية مرحبا عبر المدينتين السليبتين،  لذلك فلا غروَ من أن يستحق سانشيز زيارته للمغرب بزيارة خاطفة للمدينتين لطمأنة الحكومتين المحليتين  و رجال الأعمال بأنه سيتم استئناف عملية العبور و "مرحبا 2022" ستشمل ألجيزيراس وطريفة و سبتة ومليلية مما سيضخ حياة جديدة في هذه المناطق الإقتصادية.  وعاد سانشيز لمدريد بدعم سياسي من تلك الحكومات المحلية بخصوص موقفه من المغرب بعد أن تغلب منطق رابح-رابح و تفوق الهاجس الإقتصادي عن الشعارات الإيديولوجية الجوفاء. فحتى الصيادون الإسبان، رغم أنهم غير معنيين بالتوتر في علاقات البلدين لأنهم محميين باتفاقية الشراكة للمغرب مع الاتحاد الاوروبي، أيدوا الموقف الجديد لسانشيز و هم يتوقون للزيادة في كوطة الصيد المخصصة لهم في المياه المغربية.
 
3. هاجس الغاز و رهانات المستقبل
غداة إعلان مدريد عن موقفها الجديد من قضية الصحراء، جن جنون نظام الجزائر وصار يلوح بتهديدات حول إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع إسبانيا في إشارة واضحة للغاز الجزائري. وبخصوص هذه النقطة بالذات فهي موضوع خلاف بين البلدين منذ نهاية أكتوبر 2021 عندما قرر نظام الجزائر أن يوقف من جانب واحد العمل بأنبوب الغاز المغرب العربي-أوروبا و الذي يمر عبر المغرب و يزود اسبانيا سنوياً ب 13 مليار متر مكعب. مدريد رأت في هذه الخطوة مجازفة غير محسوبة و صارت تبحث عن بدائل في قطر و الولايات المتحدة الأمريكية. تهديد الجزائر الآن في هذه الظرفية المطبوعة بضغط كبير على سوق الغاز جراء الحرب في أوكرانيا، جعلت الغرب لا يرى بعين الرضى هكذا خطوة والتي تجعل من الجزائر شريكاً غير موثوق. لذلك كانت أولوية أنطوني بلينكن وزير خارجية أمريكا في زيارته للجزائر هو تأمين تزويد أوروبا بالغاز ولم تفته الفرصة ليطلب من الرئيس تبون أن يلين مواقفه من المغرب. ومع ذلك بعقد الثقة بين اسبانيا والجزائر قد انفرط وصارت مدريد تبحث مع أمريكا تزويدها بالغاز المسال الذي قد تعيد تصدير جزء منه للمغرب عبر أنبوب المغرب العربي-أوروبا، في انتظار بداية استغلال موقع تندرارة الغاز قرب العرائش، آنذاك سيتغير الواقع الجيوسياسي للغاز.
 
في الأخير لابد من الإشارة إلى أن بيدرو سانشيز يأتي للمغرب و هو يحمل رؤية بلد وليس حكومة، إذ يتطلع إلى استشراف آفاق 2030 بكل إيجابياتها الإقتصادية ويعمل على الإشتغال مع المغرب على الركائز التي ستبني مستقبل أبناء البلدين، في وقت يريد البعض أن يعيد صفحة التاريخ لسنة 1963.
سمير شوقي محلل اقتصادي و جيوسياسي