الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

في انتظار مبادرات عملية لاعتراف إسبانيا بوجاهة الحكم الذاتي في الصحراء.. الجزائر أمام ساعة الحقيقة

في انتظار مبادرات عملية لاعتراف إسبانيا  بوجاهة الحكم الذاتي في الصحراء.. الجزائر أمام ساعة الحقيقة الملك محمد السادس (يمينا) ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز
لم يكن مستغربا من النظام الجزائري أن يفجر غضبه العارم في وجه إسبانيا ،لإعلانها في موقف رسمي  اعترافها بوجاهة ومشروعية نظام الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب في أبريل 2007 لحل النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية. لقد أدرك هذا النظام أن ساعة الحقيقة دقت وأنه يفقد ،بالالتزامات الواردة في رسالة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى  الملك محمد السادس، في 14مارس الحالي ،(إذا ما تم تنفيذها)،حليفا طالما رافقه طيلة 46 سنة الماضية ،في تنفيذ المؤامرات لضرب حق المغرب في استكمال وحدته الترابية.
 
ورأى نظام المؤسسة العسكرية صاحبة السلطة الفعلية في الجزائر عقيدته العدائية ضد المغرب  في قضية الصحراء تتعرض للانكسار، وهو يطالع رسالة سانشيز إلى  الملك محمد السادس، التي تتضمن اعتبار  إسبانيا "أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب و الجهود الجادة وذات المصداقية التي يقوم بها المغرب في إطار الأمم المتحدة من أجل تسوية ترضي جميع الأطراف"، وتأكيد  اعتبار إسبانيا " المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف"، مع التزام إسبانيا "بالعمل بشفافية مطلقة تتوافق مع صديق وحليف عظيم، والوفاء دائمًا بالتزاماتها وكلمتها" وأن يكون هدف البلدين "بناء علاقة جديدة ، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم ، والاحترام المتبادل ، والاحترام للاتفاقات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن جميع الإجراءات الأحادية ، لنرتقي إلى مستوى أهمية كل ما نتشاركه ونتجنب الأزمات المستقبلية بين بلدينا".
 
رأى في الرسالة "انقلابا مفاجئا" في الموقف الإسباني من النزاع الإقليمي حول الصحراء و"خيانة ثانية" للشعب الصحراوي المزعوم، بعد "خيانة معاهدة مدريد في نونبر 1975"  و"تنصلا من المسؤولية التاريخية" لإسبانيا في الملف.
وفي هذا الشأن جعل النظام الجزائري  طيلة سنوات النزاع المفتعل من أطروحة المسؤولية التاريخية لإسبانيا ،أصلا تجاريا  ،لمحاولة جر الحكومات الإسبانية من اليمين واليسار،إلى التعاون معه و تبني نهجه المعادي لوحدة المغرب الترابية .وقالها وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقدوم بصريح العبارة في زيارته قبل سنة إلى مدريد للقاء نظيرته الإسبانية السابقة أرانتشا غونثاليث لايا ،في حديث لصحيفة "إل باييس" ،مطالبا بعدم تحمل الجزائر وحدها  خدمو المشروع الانفصالي في الصحراء ،بزعمه" لا يمكننا إدارة المشكلة ببساطة، أقول ذلك بطريقة دبلوماسية، الآن نحن فقط من نفعل ذلك، علينا إصلاح الأمر"،مدعيا في الحديث نفسه "تتحمل إسبانيا مسؤولية تاريخية ولا يمكنها الاختباء وراء الأمم المتحدة، هناك مسؤولية خاصة ويجب عليها أن تتدخل، أعلم أن الأمر معقد ولكن لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو لـ40 عاما أخرى"، وتابع "لست مضطرا لإعطاء الدروس، لا يمكن لإسبانيا التخلص من مسؤوليتها التاريخية، علي أن أكون أكثر وضوحا بخصوص ذلك" .
 
وسبق لحكومة سانشيز أن أكدت أمام البرلمان الإسباني أن "إسبانيا تعتبر نفسها في حل عن أي مسؤولية دولية في ما يتعلق بإدارة الصحراء"، معتبرة أنها لا تملك، بالتالي، فرض إجراء استفتاء تقرير المصير بهذه الأقاليم، علما أن إسبانيا أخبرت الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة لممثلها الدائم في فبراير 1976، بإنهاء وجودها في إقليم الصحراء، مشددة على أنها "لم تعد لها أي مسؤوليات دولية في ما يتعلق بإدارة المنطقة".
 
لكن الوقائع على الأرض كشفت أن الحكومات المتعاقبة في مدريد سايرت النظام الجزائري في جزء من نهجه المعادي لوحدة المغرب الترابية وساهمت بتمكين انفصاليي البوليساريو من مقومات العناد والتمادي في رفض الحل الواقعي  للنزاع المفتعل ،القائم على نظام الحكم الذاتي .
 
ومن نماذج تلك المسايرة في دعم المشروع الانفصالي ، افتضاح أمر حكومة سانشيزأخيرا في تنسيقها مع  نظام الجزائر لاستقبالها الانفصالي إبراهيم غالي بهوية جزائرية مزورة للعلاج من وباء كوفيد 19 وراهن النظام الجزائري بهذه الواقعة على تعميق التوتر بين إسبانيا والمغرب وجرها إلى فلك هوسه بمواصلة التآمر على وحد المغرب الترابية ،معززا بوقائع أخرى نذكر منها على سبيل المثال فقط  مسألتي الأموال التي تضخها إسبانيا في مخيمات تندوف والانفصاليين الحاملين لجنسيتها ، وهي وقائع تسائل الحكومة الإسبانية في جدية التزامها بمضمون رسالة سانشيز إلى جلالة الملك ،باعتبار" المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف"، وأن يكون هدف البلدين "بناء علاقة جديدة ، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم ، والاحترام المتبادل ، والاحترام للاتفاقات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن جميع الإجراءات الأحادية ، لنرتقي إلى مستوى أهمية كل ما نتشاركه ونتجنب الأزمات المستقبلية بين بلدينا".
 
لقد وجهت إسبانيا  طوال سنوات النزاع المفتعل الكثير من الأموال إلى مخيمات تندوف ،تحت يافطة "المساعدات الإنسانية للاجئين". ورصدت حكومة مدريد المركزية أخيرا أكثر من 7.7 مليون أورو لساكنة تندوف، كما وجهت الحكومات المحلية في إسبانيا ملايين الأورو لنفس الوجهة، ناهيك عن الجمعيات التي نبتت كالفطر في إسبانيا لجمع التبرعات وحملها في قوافل طيلة السنة إلى تندوف.
 
ولم تقف إسبانيا في تمكين انفصاليي البوليساريو من مقومات الاستمرار والعناد عند هذا الحد ،بل كانت تستنفر ،بالتنسيق مع النظام الجزائري ،جهازها الدبلوماسي لتحريك  الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية الإنسانية ،من قبيل مفوضية الأمم المتحدة لغوث اللاجئين والبرنامج العالمي للغذاء واليونسيف، في تقديم المزيد من الدعم المادي لساكنة المخيمات. لن نتطرق مجددا هنا إلى الاختلاسات التي تعرض لها هذا الدعم من الطغمة المتحكمة في البوليساريو وبعض الجنرالات والمتنفذين في الجزائر، لكن المؤكد أن النظام الجزائري كان شديد الارتياح للدعم المالي الذي تقدمه إسبانيا بكل مكوناتها التنفيذية والجمعوية لمخيمات تندوف وجلب المزيد من الدعم من جهات أخرى، بما يخدم محاولته في الإضرار بالموقف المغربي وإدامة النزاع المفتعل.
 
ومن حق المغرب المشروع أن يتطلع بعد رسالة سانشيز إلى مراجعة الموقف الإسباني  من هذا الدعم السخي للمشروع الانفصالي، لأن اعتبار مدريد وجاهة نظام الحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل لا يستقيم مع مواصلتها مد الجبهة الانفصالية بإمكانيات رفض هذا الحل الواقعي والجدي ولو تسترت بغطاء إنساني مزيف، على شاكلة "مساعدة اللاجئين".
 
وتهم النقطة الأخرى التي تسائل حكومة مدريد في تنفيذ الالتزامات الواردة في رسالة سانشيز مسألة الألاف من قادة البوليساريو وساكنة مخيمات تندوف الحاملين الجنسية الإسبانية. إن الأمر يتعلق بمواطنين إسبان منخرطين في مخطط  نظام الجزائر الجهنمي لتحقيق حلمه المريض في بتر جزء من المغرب وإقامة كيان فيه ، ليكون لاحقا جزءا من الجزائر. وتقيم عائلات بعض قادة المشروع الانفصالي باستمرار في إسبانيا ، حيث تتوفر على ممتلكات ومشاريع وتستفيد من الخدمات الاجتماعية  كما تحول السلطات الإسبانية  المعاشات لعدد من المغرر بهم من ساكنة المخيمات .
 
إن هذا الوضع يسائل إسبانيا بشأن انخراط مواطنيها في تنظيم مسلح(البوليساريو) خارج أراضيها، وانطلاقهم من أرض تابعة لنفوذ الجزائر للاعتداء على المغرب. وإذا كانت إسبانيا فككت منظمة "إيتا" الإنفصالية في منطقة الباسك، حرصا على حماية وحدتها الترابية، فإن التزامها أخيرا باحترام الوحدة الترابية للمغرب، يفرض عليها  معالجة مسألة مواطنيها ذوي الأصل الصحراوي قادة وأعضاء البوليساريو ،بما يوقف مواصلة انخراطهم في الاعتداء على المغرب وأوجه تلك المعالجة كثيرة ،من بينها سحب الجنسية الإسبانية منهم ،لأنها مكتسبة وليست أصيلة .
 
ويبقى الأمل قائما في ترجمة التزامات رسالة رئيس الحكومة سانشيز إلى الملك محم السادس إلى مبادرات عملية لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين قوامها  التعاون في جميع المجالات واحترام وحدتهما الترابية ودعم مبادرة الحكم الذاتي لحل النزاع الإقليمي في شمال إفريقيا، ضمن توجه عالمي متصاعد تبلور بقرارات مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2007 و باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء وتأكيد ألمانيا وفرنسا وجاهة الحكم الذاتي وفتح دول من مختلف القارات قنصليات عامة في العيون والداخلة .
 
وبدلا من أن يوجه النظام الجزائري بمؤسساته الرسمية وأذرعه في الحقلين الحزبي والإعلامي الانتقادات للحكومة الإسبانية على إعلان دعمها مبادرة الحكم الذاتي، ويحرك لوبياته في الداخل الإسباني لوقف امتدادات ذلك الإعلان، على أن يدرك أنه  آن الأوان للجنوح إلى الحكمة والقبول بالحل الواقعي والدائم للنزاع الذي افتعله في المنطقة ،القائم على الحكم الذاتي في إطار وحدة المغرب وسيادته الوطنية وأنه لن يجني  بعناده إلا المزيد من الخسائر في عقيدته المعادية لوحدة المغرب الترابية وأنه لن من واقع أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها مهما أوتي من مناورات ومؤامرات .