Wednesday 17 September 2025
كتاب الرأي

جمال الدين ريان: الكوتا النسائية بين الريع والتمكين: قراءة نقدية

جمال الدين ريان: الكوتا النسائية بين الريع والتمكين: قراءة نقدية جمال الدين ريان
تتكرر مع كل استحقاق انتخابي في المغرب صورة مألوفة تختزل النقاش العام في مسألة "الكوتا النسائية" أو اللائحة الوطنية المخصصة للنساء. هذه الآلية التي وُضعت في البداية كجسر انتقالي لفتح أبواب السياسة أمام المرأة وإتاحة الفرصة لها لولوج المؤسسات التمثيلية، تحولت مع مرور الوقت إلى أداة ملتبسة، أفرغتها الممارسة من مضمونها الإصلاحي وأدخلتها في دائرة الريع السياسي، بحيث استفادت منها فئة محدودة من المقربات من دوائر القرار الحزبي أكثر مما صنعت نخباً نسائية حقيقية قادرة على خوض المنافسة وفرض حضورها. حتى القاضي الدستوري، الذي صادق على هذه التجربة، أكد منذ البداية أنها وسيلة مرحلية لا يجب أن تتحول إلى قاعدة دائمة، وأن الهدف النهائي يكمن في تمكين النساء عبر آليات أكثر عدلاً وشفافية.
 
غير أن الواقع كشف عن انحرافات واضحة، حيث أصبحت الكوتا في كثير من الحالات مجرد وسيلة لتوزيع الامتيازات الجاهزة بدل أن تكون مدخلاً لتأهيل قيادات نسائية جديدة. وبدل أن تناضل النساء من داخل أحزابهن لفرض أنفسهن في اللوائح المحلية عبر التنافس الديمقراطي، وجدت الكثيرات في الكوتا طريقاً سهلاً نحو البرلمان، الأمر الذي أضعف دينامية التغيير من الداخل ورسخ ثقافة الاعتماد على الامتياز بدل خوض معركة التمثيل. كما أن التجربة بينت أن هذه الآلية لم تُفرز إلى حد الآن نخباً نسائية وازنة قادرة على التأثير الفعلي في صناعة القرار أو على قيادة تحولات مجتمعية نوعية، بل أسهمت في تكريس حضور شكلي أكثر منه جوهري.
 
الحل لا يكمن في استمرار العمل بنفس المنطق الذي حوّل الكوتا إلى مجرد وعاء للزبونية الحزبية، بل في إحداث نقلة نوعية تنقل النساء من موقع الريع إلى موقع التمكين. وهذا يستدعي إصلاحاً داخلياً عميقاً للأحزاب، يفرض آليات ديمقراطية شفافة تضمن اختيار المرشحات بناءً على الكفاءة لا على الولاءات الشخصية. كما يقتضي الاستثمار في التكوين السياسي للنساء وتشجيعهن على خوض التجربة الانتخابية من القاعدة، أي من خلال اللوائح المحلية والمنافسة المباشرة، بدل الاكتفاء باللائحة الوطنية. وبالتوازي، يمكن التفكير في تطبيق مبدأ المناصفة بشكل تدريجي داخل اللوائح المحلية مع مراقبة صارمة لاحترام الشفافية والعدالة.
 
إن النقاش حول الكوتا لا يجب أن يتوقف عند بعدها العددي، بل يجب أن ينفذ إلى جوهره: هل تسهم فعلاً في صناعة نخب قادرة على صياغة السياسات العامة وقيادة التحولات الديمقراطية، أم أنها مجرد مسكن ظرفي يكرس الريع ويؤجل الإصلاح؟ إن الرهان الحقيقي اليوم هو الانتقال من ضمان مقاعد جاهزة إلى ضمان حضور نوعي للنساء في مواقع القرار، حضور يقوم على الكفاءة والقدرة على التأثير، لا على الامتيازات الممنوحة. بهذا فقط يمكن أن تتحول المشاركة النسائية من واجهة شكلية إلى رافعة حقيقية للتغيير السياسي والمجتمعي.