الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد فتحي: تركيا واللعب على الحبلين خلال الحرب الروسية الأوكرانية

خالد فتحي: تركيا واللعب على الحبلين خلال الحرب الروسية الأوكرانية خالد فتحي
ليس من بلد محرج كتركيا في الأزمة الروسية الأوكرانية فهي دولة مجاورة للبلدين معا، ولها علاقات اقتصادية وديبلوماسية  متميزة معهما، ثم هي العضو  المثبر للجدل من جهة  أخرى في حلف  الناتو، الذي يسمح له العم سام أن  يغازل  موسكو، بل ربما يعظم هذا  السماح لحد غض الطرف عن  اقتراب هذا الغزل  لما يشبه  العلاقة الحميمية بينهما  كماجرى  حين اشترت أنقرة منظومة صواريخ أ-س400 الروسية الصنع في جرأة غير مسبوقة على  تحدي دولند ترامب مستغلة الود غير الخفي  الذي كان يجمع بين هذا الرئيس الأمريكي  المتهور الذي فضل ان يركز على الصين والرئيس فلاديمير بوتين.
 
هناك نقاط تعاطف كبيرة تجمع اردوغان ببوتين، اهمها أنهما زعيمان لدولتين شرقيتين، ووريثان لإمبراطوريتين عظيمتين تحاولان الانبعاث من جديد، وكلاهما يعتقد انه مكلف برسالة، هما أيضا يتشابهان بتبني افكار محافظة في الثقافة والمجتمع ودور الدين والمرأة، وشكل الأسرة كما كانت لهما نفس المعاناة في التقرب الى الغرب الذي يرفضهما بشكل قاطع فتركيا غير مقبولة. 
 
داخل الاتحاد الأوربي رغم بلائها ضمن حلف الناتو، كونها دولة مسلمة لا تنهل من نفس المشرب الحضاري للغرب بينما يعترف المحللون السياسيون النزهاء بأوربا الآن، وبعد أن وقعت الكارثة، أن الغرب ارتكب عددا من الأخطاء بحق موسكو، وحرم روسيا من فرصة الانضمام إليه، كونه يشك في ديمقراطيتها وليبراليتها، ويمتعض من معارضتها المعلنة لمفهومه المنفتح لحقوق الإنسان ومن هذه المسيحية الارثوذكسية التي تتباهى بها عليه ويجعلها تحسب نفسها روما الثالثة.
 
في كل من  قلب اردوغان وبوتين شيء من هذا الغرب السخي مع الأخريات من ضعاف الدول، الحذر جدا من الدول ذات التاريخ التليد العريق، حين  يعد  دولة صغيرة كجورجيا  بعضوية الناتو، ودولة توجد تحت ضرس الدب الروسي  كأوكرانيا بعضوية الاتحاد الأوروبي، و فوق ذلك يتجند لتحقيق أمنيتها في أقرب الآجال.
 
هناك أيضا مصالح تزيد في ترصيد هذا التعاطف وترسيخ هذا التخاطر ببن الرئيسين، تركيا تحتاج أكثر من عديد الدول الأوربية لجلب الطاقة من روسيا، كما انها لاتستغني عن السياح الروس. روسيا وتركيا، هما في الحقيقة ذئب ودب تدربا كيف يوزعان الفرائس بينهما، وكيف يجوبان ويجوسان في نفس الغابة دون أن يتهارشا أو يتعاركا، لقد فعلا ذلك في سوريا، وفي ليبيا، وبلاد القوقاز، وفي البحار التي يمخران عبابها. فهل يتركان أوكرانيا  تفسد عليهما كل هذا التواطؤ الاستراتيجي وتعصف بكل هذا الذي يغنمانه هنا وهناك ؟؟؟.
 
المؤكد أن تركيا وروسيا يعرفان تمام المعرفة حدود الخصومة والتماس والاشتباك بينهما، كلتاهما تقدر ظروف الأخرى، وتتفهمها وتتمنى لها الخلاص، كلتاهما تدري إكراهات الاخرى وتتصرف على أساسها، لأنهما قدتا من نفس الطينة، ولهما نفس الطموحات والأهداف: التوسع  والتمدد، وإحياء حكم السلطان والخليفة بأنقرة وحكم القيصر بموسكو.
 
لتركيا أيضا فائدة عظمى من أوكرانيا التي شكلت لها دولة عازلة تحميها من الاحتكاك المباشر مع القوة العسكرية الروسية كما انها تبيعها طائراتها المسيرة بيرقدار التي تفيدها اليوم في صد الهجوم الروسي. بينما تعتبر تركيا هذه الطأىرات صفقة تجارية سابقة على الحرب ليس إلا. 
 
إنه لمن حسن طالع تركيا اردوغان البرجماتية حتى النخاع، أن ملابسات الحرب تخدمها لأجل أن لا تكون معادية بوضوح لروسيا، وفي ان تحافظ على سياسة التوازن التي تنهجها تجاه الغريمين، فهي  لم تصل إلى  حد الازمة في تدبيرها لموقفها من هذه الازمة التي تصادم روسيا بحلف الناتو الى اليوم. لازال امامها هامش كبير للمناورة بحكم ان حلف الناتو بدوره يردد الى الان أنه لن يدخل الحرب بشكل مباشر ضد الجيش الروسي ولن يدافع عن أوكرانيا لأنه ليس مضطرا لذلك مادامت هاته الأخيرة لم تنتزع العضوية ولا ينطبق عليها البند الخامس الشهير . هذا السلوك يبيح لتركيا أن تنسج على منواله، وأن لا تتشدد في عداوة موسكو وقد سمح لها بالخصوص أن تعرض وساطتها وهي مستوثقة إلى أن الجانبين سيستجيبان لها، فأوكرانيا تريد أن تستقطب تركيا لصفها وروسيا لا تريد أن تمنحها مسوغا أو مبررا للتشدد ضدها تلبية لطلبات الناتو. 
 
اجتماع انتالي بين وزيري الخارجية الروسي والاوكراني لم يكن وساطة وإنما كان مجرد جولة بين الاشقاء الأعداء كان الهدف منها كسب الجانب التركي، بينما كانت تركيا العارفة بأن لاحظوظ في نجاح وساطتها، ترسخ  فقط حيادها حفاظا على مستقبل العلاقات الاقتصادية. كانت فقط  تقرض البلدين معا مواقف ستجني ارباحها لاحقا،إذ  يستحيل ان يضع تاجر البازار التركي كل بيضه في سلة الغرب، ولذلك ستقاوم تركيا  ضغوط الغرب، ولسوف تتصنع مجاراته، وفي النهاية  لن تطبق الا وصية اردوغان لديبلوماسيته: لا تفرطوا، لا في موسكو، ولا في كييف،ولا تساوموا على المصالح التركية..