السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: هل يتصالح البرلمان مع اختصاصه الدستوري في تقييم السياسات العمومية؟

وحيد مبارك: هل يتصالح البرلمان مع اختصاصه الدستوري في تقييم السياسات العمومية؟ وحيد مبارك
تعتبر دسترة تقييم السياسات العمومية خطوة متقدمة من أجل دمقرطة أكبر للمؤسسة البرلمانية، خاصة وأن الأمر ظل مطلبا ملحا لعدد من الفاعلين السياسيين والمدنيين، مما جعل دستور 2011 يتميز عن سابقيه بمنح هذا الاختصاص الدستوري للمؤسسة البرلمانية من خلال الفصل 70 الذي ينص على أن البرلمان يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقوم بتقييم السياسات العمومية، إضافة إلى الفصل  100 الذي ينصّ على الجلسة الشهرية المخصصة لتقديم رئيس الحكومة لأجوبته على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، فالفصل 101 الذي نصّ في فقرته الأولى على عرض رئيس الحكومة للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان، وفي فقرته الثانية على تخصيص جلسة سنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية، إلى جانب أشكال المراقبة الكلاسيكية المختلفة المتمثلة في الأسئلة الشفوية والكتابية ولجان التقصي وغيرها، كما أفرد كل من النظام الداخلي لمجلس النواب والخاص بمجلس المستشارين حيزا للخطوات التي يجب قطعها في هذا الباب لكي يرى تقييم السياسات العمومية النور ويخرج إلى حيّز الوجود.

وتأتي مأسسة تقييم السياسات العمومية كتوصية كذلك لعدد من المؤسسات المالية الدولية، التي كانت ترتكز على الشق المالي بالأساس خلال فترات سابقة، ثم تطورت لاحقا بشكل يروم تحقيق الحكامة والعقلنة وضمان التدبير الناجع والحرص على ضمان التقائيتها، بالنظر إلى أن تحقيق هذا الشرط يعتبر حجر عثرة في مسار السياسات العمومية في بلادنا. تقييم قد يكون قبليا مرتبطا بتحديد مضبوط للمشكل، أو مواكبا لمسار تنفيذ السياسة العمومية، أو على المدى المتوسط للوقوف على مدى بلوغ الأهداف المسطرة بنفس الكيفية المبتغاة، ثم التقييم اللاحق عند الانتهاء من تنفيذها حول الفعالية والنجاعة والآثار ورضا المستفيدين منها للاستمرار فيها أو تعديلها أو إيقافها. ويهمّ هذا التقييم العديد من المعايير كالملائمة الذي يختلف كمفهوم عن المراقبة بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بملائمة موضوعاتية تأخذ بنية السياسة العمومية ومدى ملائمتها في كلّيتها، مرورا بعنصر التماسك فالفعالية ثم الكفاءة والأهداف للوصول إلى الآثار.

إن طرح سؤال إمكانية مصالحة البرلمان مع اختصاصه الدستوري في تقييم السياسات العمومية، ينطلق من إعلان مكتب مجلس النواب عن تحديد موضوع "السياسة المائية" كأحد المواضيع التي سيتم تقييمها وهيكلة المجموعة الموضوعاتية طبقا لمقتضيات الباب السابع من النظام الداخلي المتضمن للمواد من 287 إلى 293، فضلا عن هيكلة لجنة ثانية من أجل تقييم "مخطط المغرب الأخضر"، أخذا بعين الاعتبار أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين أقرّ هو الآخر بوظيفة تقييم السياسات العمومية في بابه الخامس مع تحديد المراحل المتعلقة بذلك، وتؤكد الفقرة الأخيرة من المادة 310 على إعطاء أولوية تحديد المواضيع المقترحة للتقييم لتلك ذات الصلة بالسياسات الاجتماعية والترابية والمرتبطة بالجهوية.

سؤال يجد صداه كذلك فيما يمكن وصفه بالفقر الشديد في تفعيل هذا الاختصاص الدستوري، إذ لم يتجاوز عدد المواضيع التي تمت مناقشتها منذ إقراره على مستوى مجلس النواب الأربعة، الأول يهمّ البرنامج المندمج لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب ثم تقييم برنامج الكهربة القروية الشمولي، والثالث يخص التنمية القروية وتحديدا مساهمة البرنامج الوطني للطرق القروية الثاني في فك العزلة عن المجال القروي والجبلي بالمغرب والأخير يتعلق بالتعليم الأولي.

إن تقييم السياسات العمومية ليس ترفا يعزز من تلميع واجهة وصورة "البرلمان الديمقراطي"، وتمكين البرلمان من هذه الوظيفة الدستورية، إلى جانب التقييم الداخلي للحكومة والتقييم التشاركي للمجتمع المدني، فضلا عن مساهمات المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وهيئات الحكامة في هذا الباب، ليس من باب التقليد أو التجاوب الشكلي مع التوصيات الخارجية والمطالب الداخلية، بل يجب أن يُنظر إليه على أنه بوابة نحو تجسيد الحكامة وتجاوز اختلالاتها وأعطابها التي قام بتشخيصها تقرير الخمسينية، نموذجا، وعلى أنه السبيل نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 وتنزيل سليم للنموذج التنموي الجديد، لأن التقييم يهدف إلى تحديث طرق العمل وتحديد الأولويات وعقلنة تدبير الموارد لتلبية أكبر عدد من الاحتياجات بأقل تكلفة ممكنة وبجودة مرتفعة، فهو يرشد الحكومات إلى التعديلات والتقويمات الضرورية لتحسين نتائج سياساتها والاستفادة من أخطاء الماضي وتجاوزها في الحاضر والمستقبل، وبالتالي فهو كوظيفة مؤسساتية يجب أن يرفع من نجاعة أداء الفعل العمومي.

إن إعلان مجلس النواب عن فتح باب تقييم السياسة المائية ومخطط المغرب الأخضر لا يجب أن يكون مجرد خطوة شكلية، تروم تأكيد تنزيل آليات دستورية منحها دستور المملكة للمؤسسة التشريعية في مجال مناقشة وتقييم السياسات العمومية، إذ يجب أن يرافقها نقاش مجتمعي واسع يساهم فيه كل الفاعلين، الذي تغيب عنه وبكل أسف مختبرات البحث العلمي والجامعات، وأن يخلص التقييم إلى نتائج قابلة للتحقيق يتم تقاسمها مع كل هذه المكونات، وأن تضمن الالتقائية التي هي العمود الفقري والذي بدونه لا يمكن لأية سياسة عمومية في مغرب اليوم والغد أن تتوفر فيها كل مقومات النجاح، وأن يتأتى من خلال مسار التقييم تحسين أداء البرامج العمومية التي تم تقييمها. إن تحقيق هذه الغاية ذات البعد الوطني التي من شأنها أن تتيح إمكانيات للقطع مع هدر المال والزمن تتطلب تكيّف الإدارة البرلمانية مع هذه الوظائف الجديدة، والتوفر على الطاقات والإمكانيات التي يمكنها أن تساعد في تحقيق ذلك، وتحققها رهين كذلك بضرورة الوضوح والالتزام السياسي لكافة الفرقاء لأن تقييما من هذا القبيل لا يجب أن يطغى عليه السجال السياسوي بل يجب أن يكون منطلقه علميا وغايته خدمة المصلحة العامة، وأن يتم لأجل ذلك توفير المعلومة بكل تفاصيلها وعدم تقييدها، وألا يتم اختزال السياسات العمومية في مواضيع ضيقة، وأن يتم منح المؤسسة التشريعية آليات متابعة ما بعد التقييم في ارتباط بالمؤسسة التنفيذية في إطار تكاملي لا ينبني على منطق الصراع والتضاد.

 وحيد مبارك/صحفي، باحث في السياسات العمومية