الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بودن:رسائل المغرب الدقيقة في موقفه من الأزمة الروسية - الأوكرانية

محمد بودن:رسائل المغرب الدقيقة في موقفه من الأزمة الروسية - الأوكرانية محمد بودن
الموقف المغربي من الأزمة الروسية - الأوكرانية يمثل مزيجا من الوعي الحاد بضرورة إبراز أفضلية السلام على حساب الخيارات الأخرى وعلى رأسها استخدام القوة، كما يمثل كذلك  تعبيرا عن مقاربة  مبنية على الشرعية و المبدئية بخصوص الوحدة الترابية و الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة كصمام أمان، والواقع أن تعامل الدبلوماسية المغربية مع الأزمات، والتحديات أثبت وجاهته في أكثر من مناسبة، وتأكد بالملموس أنه تعامل متحرر من اختلاط المفاهيم، واهتزاز القناعات ويتصرف مع العالم كما هو، وليس كما يتمنى أن يكون ومن هذا المنطلق يمكن إبراز الرسائل الدقيقة لبلاغ وزارة الخارجية المغربية الذي لم يتجاوز عدد كلماته 48 كلمة.
أولا : الموقف المغربي ليس ظرفيا و لا يندرج في إطار سباق الإعلان عن المواقف بل إنه موقف الأمس، واليوم، والغد بخصوص الوحدة الترابية و الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وينسجم تماما مع قناعات المغرب الوجودية بخصوص وحدته الترابية.

ثانيا : المملكة المغربية دولة مسؤولة وتنطلق من السلام كقاعدة كونية ينبغي ان تحتكم اليها الدول و الأمم لأنها الوسيلة الأكثر فعالية لوضع حد للنزاعات و حلها، وقد كرست المملكة المغربية طاقاتها من أجل الحلول السلمية والصيغ التي لا تتجاهل وحدة البلدان الأعضاء بالأمم المتحدة وأمن شعوبها ولهذا فالتزام المملكة المغربية بدعم السلام ومبادئ القانون الدولي ليس بحاجة إلى المزيد من التأكيد. 

ثالثا : المملكة المغربية لها من الخبرة الواسعة و المهارة الدبلوماسية ما يؤهلها لتقدير الأمور حق قدرها، فقناعات المملكة المغربية واضحة و المسار الذي تتجه فيه علاقاتها الدولية مطبوع بالدينامية والأهداف الكبرى للسياسة الخارجية المغربية تتجلى أساسا في الوحدة الترابية والوطنية والمصالح الاستراتيجية للمغرب مع شركائه واستثمار الفرص ومواجهة التحديات في مختلف الميادين السيادية وهذه أهداف نهائية بالنسبة للمغرب.

رابعا : موقف متوازن ورزين يكرس قناعة دائمة للمغرب مفادها أن أي معطى يسبب عدم الاستقرار يمثل مصدر قلق.
أفترض أن المملكة المغربية لها تحفظات أولية لكن ترى أن لا فائدة من القول لطرف ما هذا صحيح وللطرف الأخر هذا خطأ ولكن القضية الرئيسية للمملكة المغربية في تقديري تتمثل أساسا في الدفاع عن مبدأ مساواة الدول َ في السيادة كمبدأ منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة و الحفاظ على الوحدة الترابية والوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومصلحتها الكبيرة في السلام وما تمثله القوة من انتهاك للاتفاقيات الدولية والقيود القانونية التي وضعها المجتمع الدولي على استخدام القوة وقد تم تسليط الضوء بوضوح عن المسألتين في البلاغ وهنا يمكن الحديث عن الواقعية المغربية في المجال الدبلوماسي.

خامسا : المملكة المغربية بلد محترم وذو مصداقية واسعة في العالم بفضل جلالة الملك محمد السادس وأسلافه ومكانته المحورية في فضائه الأورو - افريقي وتاريخه العريق ومواقفه المتأصلة وهذا برز بشكل واضح في لقاءات قادة القوى الدولية والاقليمية بجلالة الملك محمد السادس في مناسبات عديدة ومن هذا المنطلق فالمغرب يواصل اداء دوره الايجابي بالحس الدبلوماسي المطلوب ولا أعتقد أن هناك سببا يستوجب تعديلا في هذا التوجه الاستراتيجي. 

سادسا : بلاغ وزارة الخارجية تضمن رسائل لأكثر من جهة في فضاءات جيوسياسية متعددة كما أن المملكة المغربية تدرك أن متغيرات العلاقات الدولية لن تتوقف و اللقاء بين الروس و الأوكرانيين حدث من قبل و قد يحدث في المستقبل وهو جزء من الجوار والتاريخ لكن الدبلوماسية المغربية ليست من أنصار مقولة " لا تقل شيئا لا تفعل شيئا " لأنها تتحدث دائما  ببصيرة وهدوء حتى تعرف مختلف الأطراف موقفها  بأسلوب يلائم المصالح الوطنية. 
 
* أكاديمي ومحلل سياسي،رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية.