الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: ريان.. تمرين درس الألم المُعوْلم !!

أحمد بومعيز: ريان.. تمرين درس الألم المُعوْلم !! أحمد بومعيز
...ثم مات ريان..
فلا الدعوات ولا الصلوات ولا الآلهة شفعت.
ولا فرق الإنقاذ التي حفرت الجبل للوصول إلى الطفل في قعر الجب نفعت.
وكان الألم والنعي المعمم على شاشات التلفزيون وقنوات التواصل،أن مات ريان في الجب ،بعد خمسة أيام من سقوطه سهوا هناك.
هناك ..في قرية ..في منطقة نائية ..مهمشة..في حوش منزل العائلة المهترئ..أو في الحديقة الخلفية المهمشة لبيت العائلة المهمشة ..هناك حيث كانت البئر المهمشة تنتظر ريان ..ولا تنتظر الماء.
وهناك حيث ريان تعود اللعب قرب البئر في العراء المهمش، وفي كل أوقاته المهمشة..
..ولم يكن هناك لا الذئب ولا الإخوة. ولا يوسف ..ولا كل الأنبياء...فقط ريان كان هناك في ذات منتصف نهار القرية النائية المهمشة..
قد يكون ريان يبحث عن ألعابه، وهو الطفل ذو الخمس سنوات فلم يجدها في عرفة بيت العائلة، فبحث عنها في قعر البئر العائلي المهمش عساه يجدها .!!؟؟
..وقد يكون ريان يبحث عن مقعده في روض أطفال القرية النائية، فعساه يجده في قعر البئر العائلية المهمشة..!!؟؟
قد يكون ريان يبحث عن أصدقاء يشاركونه طفولته وأحلامه وألعابه، فعساه بجدهم في قعر البئر العائلية المهمشة!!؟؟
قد يكون ريان يبحث عن أشياء جميلة وصغيرة تناسب حلمه البريء..فلم يجد.أكيد لم يجد .وجد فقط البئر العائلية المهمشة ملادا.فدخله سهوا..
ريان دخل البئر سهوا ولم يسقط .هو كان فقط تائها في بحثه عن طفولته التي لم تكن هناك في البيت المهترئ وفي القرية النائية . فلما تعب وفقد أمله الصغير، بحث عنها في ألمه الكبير في غياهب الجب العائلي المهمش، في الحوش المهمش، في القرية المهمشة...و هناك ..
ثم مات ريان هناك، وهو ينتظر أكثر.
ريان لم يكن ينتظر من ينقده من الموت فقط كان :
ريان ينتظر ألعابه، ومقعده في روض أطفال سنه..
ريان كان ينتظر أصدقائه وأقرانه وشغف الشغب الطفولي..
ريان كان ينتظر طفولته البسيطة والبريئة.
وما كان ريان ينتظر الشهرة .
وما كان ريان يبحث عن اللايفات في قنوات الإعلام والاتصال.
وما كان ريان ينتظر عولمة ألمه، وتعميم النعي المعولم .
وما كان ريان ينتظر الشعر النيئ الذي قيل فيه..
وما كان ريان ينافس أصحاب اللايكات في الفايسبوك والاستراكرام.
وما كان ريان يبحث عن العولمة، ولا على منافسة أطفال اليمن أو سوريا أو أفغانستان في الألم .
فقط ، فقط هي سداجة القوم ،وندالة السياسيينـ وتهافت الإعلاميين ،وهلوسة الانتهازيبن ،وعولمة صورة المآسي ..جعلت له منافسين من وهمهم وهو في ألمه وحيدا:
فتطير منه البعض..
وقدسه البعض ..
وحسده البعض على الشهرة..
وأغبطه البعض على النقل المباشر لتتبع ألمه وصوره عبر شاشات التلفزات المعولمة..
وفرحت به قنوات الإعلام لتجريب بث الألم مباشرة ومن عين المكان..
وخلق له الكاذبون صورا وأخبارا زائفة بمحطات التواصل المستباحة..
وقارنته بعض عقليات التكلس بأطفال الحرب مطالبة بدمقرطة عولمة بث صور الألم..
وجربت فيه العولمة قدرتها على تعميم الخبر وأسر جمهور الرأي ..
وحاول البعض جعل ورش إنقاده ملحمة للفرجة ومادة إعلامية دسمة للمزايدة..
وهلوس البعض في كونه يوسف جديد...
وما كان ريان بيوسف جديد..
وما كان نبيا،وما ينبغي له..
فقط كان طفلا بحث عن طفولة بريئة،فوجد جبا مهجورا في حوش البيت المهتىرئ،فدخله سهوا..
انتظر خمسة أيام بلياليها، ولم يكن يهتم بما يروجه الإعلام حول ملحمته، ولم يدع النبوءة ولا البطولة، ولم يفتح حسابا فالانستغرام، ولم يحسد أحدا، ولم يطمع في الشهادة ولا الإشهار ولا العمرة...ولا في عولمة ألم الأطفال..
فهو ريان الطفل الفقير البسيط كان هناك في قعر الجب يبحث عن طفولته فقط .ولم يجدها ..فمات .