في أسفي، يمكن لزائر المدينة أن يلتقط صورة تذكارية أمام معلمة الطاجين العملاق، وأن يغادر وهو يعتقد أنه تعرف على مدينة الخزف، والسمك والتاريخ والمهارة الحرفية.
معلمة جميلة رمزية تليق بذاكرة مدينة أعطت للمغرب اسما في فن الطين والنار. غير أن ما لا تلتقطه الصور، وما لا ترويه الكتيبات السياحية هو الوجه الآخر لأسفي، ذاك الذي يظهر فجأة حين تمطر السماء بغضب، وحين تتحول الشعبات من مجاري طبيعية للماء إلى أفخاخ موت.
المفارقة قاسية حد الفجيعة. في المدينة نفسها التي شيد فيها طاجين عملاق للاحتفاء بالتراث، تركت شَعْبَةْ مائية تنحدر في صمت وبدون تهيئة حقيقية، ودون احترام لذاكرة الأرض ودون اعتبار لقوانين الطبيعة التي لا تفاوض ولا تجامل.
فعلى جنبات هضبة "الشَّعْبَةْ" بنيت بيوت ودكاكين ومحلات تجارية بحثا عن لقمة عيش، وبتغاض إداري أو بمنطق “دبَّر راسك ما شفتيني ما شفتك” إلى أن استيقظ "وادي الشعبة" وجاء السّيل، فلم يميز بين جدار إسمنتي، ورخصة شفوية، ولا بين بائع بسيط وصاحب قرار غائب.
الفيضانات في أسفي لم تكن مجرد حادث طبيعي، وإنما كانت لحظة كشف وفضح. حيث كشفت كيف نحسن الإستثمار في الرموز ونسيء قراءة المخاطر. كيف نتقن بناء معلمة للفرجة ونعجز عن حماية مجرى مائي معروف لدى الساكنة بخطورته. كيف نحتفي بالخزف وننسى أن الطين حين يختلط بالماء يتحول إلى قوة جارفة لا ترحم.
"وادي الشَّعبة" الذي جرف الدكاكين ومن علقوا فيها لم ينحت مجراه ولا اتخذ شكله فجأة، ولم يغير مساره بين ليلة وضحاها. لقد كان هناك منذ قرون وكان ينذر الجميع بصمته وانحداره، بأن العبث بجوانبه مغامرة مكلفة.
وهنا لا يتعلق الأمر بسؤال بسيط ومزعج: أي تصور للمدينة نريد؟ مدينة تزين ساحاتها بمعالم رمزية، أم مدينة تحمي أرواح ساكنتها أولا؟
أسفي لا تحتاج إلى التخلي عن طاجينها ولا عن ذاكرتها الحرفية، لكنها في حاجة ملحة إلى مصالحة مع جغرافيتها، وتضاريسها، ومع منطق الوقاية قبل الكارثة. فالمدينة التي لا تحترم مجاري الماء لا يمكنها أن تدعي احترام الحياة.
وبين طاجين يلمع في الساحة وشعبة تبتلع البشر، يظهر الفرق المؤلم بين التنمية كواجهة والتنمية كمسؤولية.
أسفي لا تحتاج إلى التخلي عن طاجينها ولا عن ذاكرتها الحرفية، لكنها في حاجة ملحة إلى مصالحة مع جغرافيتها، وتضاريسها، ومع منطق الوقاية قبل الكارثة. فالمدينة التي لا تحترم مجاري الماء لا يمكنها أن تدعي احترام الحياة.
وبين طاجين يلمع في الساحة وشعبة تبتلع البشر، يظهر الفرق المؤلم بين التنمية كواجهة والتنمية كمسؤولية.

