الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

وحيد مبارك: "مؤتمرون" من "أحزاب" و"تنظيمات" أخرى لتوجيه دفّة المؤتمر 11 للاتحاد الاشتراكي

وحيد مبارك: "مؤتمرون" من "أحزاب" و"تنظيمات" أخرى لتوجيه دفّة المؤتمر 11 للاتحاد الاشتراكي وحيد مبارك

فجأة، أصبح الكل اتحاديا وعاشقا للاتحاد حتى النخاع، وبات الجميع معنيا بمصير الحزب، ومستقبله خلال القادم من الأيام.

 

وجدتني اليوم، أعود بالذاكرة إلى الوراء، حين كنت يافعا وولجت صفوف هذا الحزب من بوابة القطاع التلاميذي، فتكونت وتتلمذت نضاليا على يد قيادات شبابية وحزبية، وتدرجت في أجهزته المختلفة، على امتداد سنوات طويلة، عشت فيها أفراحا وانتكاسات، وأحسست كذلك خلالها بالآمال وبالخيبات، ووجدتني غير ما مرّة في قلب مجموعة من الصراعات التنظيمية، لأجل الفكرة، لأجل الحزب، انطلاقا من المجموعة 33، مرورا بمحطات نضالية مختلفة، قد أكون أصبت وأنا أبحر وسط أمواجها المتلاطمة، وقد أكون أخطأت، لكن الأساسي أنني عبّرت عن مواقفي حينها بكل حرية دون إملاء أو توجيه...

 

خلال هذه المسيرة، كان الهمّ هو النضال من أجل مغرب آخر، مغاير للوطن الذي ولدت فيه، مغرب الفقر والحرمان والفساد والتمييز، فالظروف التي نشأنا وترعرعنا فيها كانت محددا أساسيا في الاختيار، وكانت مقررات الحزب، قياداته، مواقفه، كلها تشجع على اختيار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

 

طيلة هذه السنوات، تواجدت في قلب الاستحقاقات المختلفة، والمعارك المتعددة، حزبية ونقابية وجمعوية. تواجد لم يكن مرتبطا باستفادة أو امتياز أي بمقابل، سفريات لتمثيل الشبيبة أو الحزب إلى خارج الوطن، دواوين، برلمان، أو أي ريع كيفما كان نوعه. فقد كنت ومعي الكثير من شبيبتنا نؤمن بالحزب وبقيمه، ولم نجعل من الانتماء إليه، ومن تبني موقف من المواقف، في مؤتمر حزبي أو غيره، وسيلة للارتقاء الاجتماعي، وإن كان هناك من كانوا يحسبون كل موقف/خطوة بهذا المنطق.

 

أستحضر هذه التفاصيل، وأحتفظ بأخرى مع التفاصيل ربما لموعد آخر، وأنا أتابع ردود الفعل المختلفة، في سياق الوضع التنظيمي للحزب اليوم وفي ظل الاستعداد لمحطة المؤتمر 11. وإن كنت أتفهّم بعض هذه التعاليق والمواقف، في سياق خاص، التي تأتي من طرف مناضلات ومناضلين لهم رؤية يجب أن تحترم في إطار تدبير الاختلاف، لأنهم لم يتركوا حزبهم يوما، لم يتخلّفوا عن ساحات المعارك التي خاضها، ولم يقدموا شيكات على بياض لأعدائه للطعن فيه، فإن تلك الدموع المنبثقة عن مُقل الذين غادروه منذ سنين بالمقابل، الذين اختاروا مصيرا آخر لهم، وركبوا سفن أحزاب أخرى وأطلقوا أشرعتها في بحر السياسة المتلاطمة، لا يمكن الاقتناع بصدقيتها، والأجدى أن تتناول بيوتهم الداخلية لا بيوت الغير.

 

رفض، يشمل كذلك تعليقات الذين وضعوا أنفسهم رهن إشارة جهات بعينها، والذين خدموا ولا يزالون يخدمون أجندات خاصة، لأن هدفهم ظل هو محاولة تقزيم الحزب واستهداف وحدته وتقديمه بصورة بشعة، حتى لا يكون هناك منافس لذوي النعم، الذين عاثوا فسادا في الوطن واستفادوا من خيراته، وهو السيناريو الذي ظلوا حريصين على تطبيقه منذ سنوات طويلة وليس اليوم فقط. فالذين تباكوا قبل أيام على المرحوم المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، هم أنفسهم الذين حاولوا تشويه صورة الرجل مرارا وتكرارا، هم الذين قالوا عن الأستاذ فتح الله ولعلو ما لم يقله مالك في خمر، هم الذين ربطوا بين الأشعري وبين يسار الكافيار، هم الذين بخّسوا من قيمة قيادات من قبيل الأستاذ الراضي والأستاذ المالكي واللائحة طويلة، إناثا وذكورا. هؤلاء لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب، هم فقط يبحثون عن الذرائع لكي يكيّفوا هجوماتهم ويجدوا لها تعاطفا... لأن غايتهم هي القضاء على حزب اسمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كيف لا وقد دفنوه مرارا وتكرارا، قبل أن يتبين لهم لاحقا أنهم إنما يوارون الثرى أنفسهم العليلة...

 

الذين أصبحوا اليوم أكثر اتحادية من الاتحاديين، عليهم أن يريحوا أنفسهم، وأن يتركوا الاتحاد لمناضلاته ومناضليه، لأنهم الأقدر، والأولوية لهم بطبيعة الحال، لكي يناقشوا أمورهم بكل نضج ومسؤولية ويدبروا الاختلاف فيما بينهم بكل روح اتحادية، ويختاروا لحزبهم ما يريدونه، لا ما يريده غيرهم له، خاصة إن كان هذا الغير يرى في الحزب خصما عنيدا لم تسقطه كل الضربات الظاهرة والمستترة، ولا سيما أن هؤلاء المتباكين لم يصوتوا للحزب منذ حكومة التناوب، وغيرهم قبل ذلك، فعن أي حب يتحدثون، وعن أي إرث يحافظون؟

 

إن ما سبق، لا يعني أن الكاتب الأول، الأستاذ ادريس لشكر، لم يخطئ يوما وبأنه ظل مصيبا على الدوام، لكنه بالمقابل لا يفيد بأنه لم يحقق نجاحا يوما طيلة تحمله مسؤولية تدبير الحزب، كما يروّج له البعض، فالسياسة بحر أمواجه متلاطمة قد تصاب السفينة فيه بأعطاب وقد تحول الأعاصير دون تقدمها، لكن الربان الماهر من يوصلها إلى بر الأمان، والذين حكموا على الحزب بالفشل في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، يعلمون طبيعة النتائج، وإن كنا نمني النفس بما هو أكبر، بعيدا عن القراءات التي قد يقدمها البعض لذلك. كما أنه لا يعني أن قيادة الحزب كانت كلها في مستوى انتظارات الاتحاديين والاتحاديات، أو أنها تواجدت في المكان المناسب،  فلكل "كبواته"، ولكل مسؤوليته الصغيرة أو الكبيرة، في محطات متعددة، ولا يمكن من الناحية الأخلاقية أن يتنصل بعضهم منها، وأن يسعى البعض الآخر لكي يجعل من الحزب ورقة يناصيب رابحة وجسرا يعبر به لتحقيق غاياته.

 

إن تقييم هذه التجربة، لا يمكن أن يكون بمعزل عن تقييم تجارب قيادات سابقة، فلكل تجربة بتراكماتها المختلفة إيجابيات وسلبيات، فمواقف الحزب هي نتاج لتفاعلات كل الاتحاديات والاتحاديين، والكل مسؤول عن الصورة التي نقدمها جميعا، من الفرع إلى الكتابة الإقليمية مرورا بالكتابة الجهوية، فالقطاعات المختلفة، ثم المجلس الوطني وصولا إلى المكتب السياسي، ولعلّ تدبير استحقاق انتخابي يخص مقاطعة من المقاطعات أو جماعة أو جهة أو مقعدا برلمانيا يعطي الكثير من الأجوبة في هذا الباب.

 

لا أستطيع أن أفرح بكمّ التعاليق التي تخاطب اليوم الوجدان الاتحادي، وتاريخه، وقيمه، وتدّعي الطهرانية والقداسة في خطاباتها، لأن الكثير منها يحاول استكمال مهمة من المهمات، وإن كان البعض قد يتحدث بحسن نية، فالاهتمام بتدمير الحزب لدى هؤلاء هو أكبر من أية أمنية أخرى لديهم، لذلك لا يمكن أن نهديهم أذرعتنا كي تحمل معاولهم، بل علينا أن نحثهم على أن يحفروا قبورا أخرى هم أعلم بها أكثر منا. أما حزبنا فسنظل أوفياء له، بنفس القيم، بعيدا عن كل أشكال الانتهازية وكل أنواع "السخرة"، التي لا يمكن أن نرضى بها وعليها، فما ندعو به غيرنا هو ملزم لنا نحن كذلك.

 

- عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية