الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: "النغيز" في السياسة

ادريس المغلشي: "النغيز" في السياسة ادريس المغلشي

عاد إلى المضمار السياسي بعدما دمر كل الآمال وقوض معالم كل المطالب التي رفعها المحتجون، وهو يسابق الزمن لعله يرمم ما أفسد مع سابقه الذي أكمل حلقة تدبير مفلس في مجالات عدة مس فيها حتى الأخلاقي. ونتساءل لماذا يتخلى السياسي عن كل منطلقاته ومبادئه عندما يتقلد مسؤولية التدبير؟ فيخرج منها عاريا حاني الرأس بعدما ملأ الدنيا ضجيجا من قبل وهو يدعي دفاعه عن المقهورين. يخرج بدون مبادئ ولا أخلاق وقد تخلى عن كل شيء فيما يشبه مقايضة بئيسة لم تترك له سوى مكاسب مؤقتة وسخط عموم الشعب. لن أعدد كل الكوارث، فحسبك أن تستمع للمتضررين لتقف على درجة الظلم والحيف الذي لحق الجميع...

 

لست متحمسا لرجوع بنكيران كما يعتقد البعض ممن غطت أعينهم قداسة عمياء لم تعد قادرة على التمييز بين دقة المرحلة ومتطلباتها. كل الذين انتابتهم لحظة فرح بعودته يعيشون لحظة تخدير أخرى لن يستفيقوا منها إلا بعد وقوع كارثة أخرى. يرى الملاحظون أن حوارييه ينتصرون للحل الداخلي على حساب الوطن بدعوى الانتقام وتصفية جناح الاستوزار كحلقة أولى والرد على كل من يستهدف الحزب من الخوارج. لكنهم يتناسوا أمرا مهما قلناه في السابق وكررناه كثير من المرات. إنها إشارة سلبية أجمع كل الملاحظين أنها تكريس أزمة بديل وغياب رؤية واضحة للمستقبل واعتقال جيل بأكمله في مرحلة لا يختلف فيها من طبع مع المخزن وضحى بالحزب ومن قبض منحة سبعة ملايين مقابل التضحية بهموم المواطنين ومن طبع مع بني صهيون. والكل سواء لا يختلف أن بنكيران عاد وهو يعلم أنه يستحيل أن يعيد خطاب 2011 مضمونا وصياغة لن ينجح في المرحلة وان كانت انتقالية. فلا يمكن أن يشكل الحل من كان سببا في الأزمة فعدة متغيرات طرأت يظهر جليا أنها تجاوزته؛ إلا إذا اعتقد أن الأمور توقفت منذ مغادرته فهي جهل بالسياسة لا يمكن أن ينتج عن مبتدئ، فما بالك بمتمكن كما يدعي.

 

كلمته فور انتخابه أمينا عاما للحزب استفزتني فيها إشارة قال في سياق الحديث "لابد من شوية النغيز..."

إشارة لها دلالات عديدة تفضح عقلية السياسي الانتهازي. حين نطرح الكلمة من حيث الدلالة فنجدها نغز ينغز فهو ناغز، ومن ينغز بين القوم: فهو يحرك بينهم العداوات ويغرى بعضهم ببعض وكذا من نغزت بين جيرانها. نغز الشخص: اغتابه وقال فيه شرا وكذا نغزت جارتها. نغزه بسكين: طعنه بها طعنة غير نافذة. فأينما اتجهت في معاني الكلمة تجدها في وضع مشين لا يليق؛ فما بالك بمن يرفع الأخلاق شعارا فيكذبه التصريح والتجريح والتلميح. ألهذا وصل حد الاستعمال اللغوي للمفردات في السياسة؛ فالنغز يعلم العامة والخاصة من يستعمله ومتى ولمن؟

 

فهو عادة يستعمل للدواب وكذلك لمن غاب فهمه وقل تدبيره من الخلق. إنما هي مفردات دالة على واقع الحال. ونحن نقول "الحر بالغمزة والعبد بالدبزة"، واللبيب بالإشارة يفهم، فلم يعد هناك رصيد تشتغلون عليه كمضمون وشعار مرحلة ترتقون ما مزقته الأهواء وكثير من الانتهازية. كمن يحاول عبثا إيقاظ جذوة نار أخمدتها أرجل رعناء بالرفس والغمس لا تحسن الركض في يوم ممطر. حين يصبح النغيز حرفة وهدفا في السياسة، فاعلم أننا نعيش مرحلة انحطاط  بكل أبعادها...