الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

فريد مشقي: جائحة"كورونا" في البرازيل من المهد إلى اللحد

فريد مشقي: جائحة"كورونا" في البرازيل من المهد إلى اللحد فريد مشقي
كان واضحا للعيان في بداية جائحة كورونا في البرازيل وانتشارها بقوة في جميع أنحاء البلاد  وخصوصا عندما تجاوز عدد ضحايا الوباء الآلاف .. هنا احتد الصراع بين رؤساء العالم ومنظمة الصحة العالمية، فهناك من رحب باكتشاف اللقاحات وهناك من شكك في فعاليتها، وهكذا تم تسييس اللقاحات بين رؤساء الدول والحكومات من جهة، ومن وزارات الصحة ومنظمات الصحة العالمية من جهة أخرى، بحيث خضعت لمزايدات لا تليق بطب ولا بعلم، فأراد الرئيس الأمريكي لقاحاً بأي ثمن ليكسب به الانتخابات، كما سارع الرئيس الروسي بوتين لتكريس لقاحه، كي يقول إنه الأول، ولهذا سعت كل شركة مصنعة للأدوية إلى كسب حصة الأسد، من لقاح سيكون حتما بدائيا، وليس بالضرورة مأموناً حين يباع وهو قيد التجريب، وفي هذا السياق دخل الرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو" في صراعه مع حكام الولايات في البرازيل معتبرا أن هذه اللقاحات ربما تشكل ضررا على صحة المواطنين أو تجعل منهم تماسيح أثناء تناولها فقرر عدم شراء اللقاح، لأن الشعب البرازيلي لن يكون فأر تجارب لأحد حسب قوله، لأنه كان يرى عدم الفائدة من دفع المليارات نظير عقار لم يمر حتى بمرحلة الاختبار، هنا اشتد "حرب اللقاح" بين جايير بولسونارو رئيس البرازيل و "جواو دوريا" حاكم ولاية ساوباولو ، فالأول ضد شراء اللقاح والتلقيح معا، والثاني مع شراء اللقاح وتلقيح المواطنين، فارتبكت السلطات البرازيلية الصحية في معالجة الوباء المحدق بشعبها، ومع استقالة وزير الصحة البرازيلي في بداية الشهور الأولى للجائحة ازداد الوضع سوءا، بحيث أصبح خارجا عن السيطرة، فامتلأت المستشفيات في غالبية ولايات البلاد ، إذ تجاوز معدل إشغال أسرة العناية المركزة فيها 80%، في حين وصل احتياطي الأوكسيجين للمرضى المصابين بأعراض إلى مستويات "مقلقة" في ستّ من ولايات البلاد السبع والعشرين، وكانت قد أثارت هذه الفورة الوبائية في البرازيل قلقا متزايدا في العالم بسبب انتشار المتحور الأمازوني "بي1" الذي يعتبر أشد فتكا بضحاياه . فوجد البرازيليون أنفسهم في خضم صراع سياسي بين أنصار الرئيس بولسونارو وحكام الولايات، مع عدم وجود احتمال لموعد وصول اللقاحات وبداية مرحلة التلقيح؛ لأن الرئيس أصلا كان ينفي خطورة الوباء منذ نشأته ولا يلتزم بالتوصيات والبيانات العلمية حول تطور المرض. فهذا الخلاف السياسي وحرب اللقاح هو كان في الحقيقة عبارة عن أدوات لقياس نقاط القوة في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 . مع أن التلقيح  هو الطريقة الدائمة الوحيدة لإنهاء الوباء وآثاره الاجتماعية والاقتصادية ، التي تؤثر على التوظيف ، وتوفير السلع والخدمات والصحة النفسية للسكان. 
بدأت تنفرج الأزمة مع نهاية شهر يونيو من سنة 2020، بحيث وقعت حكومة بولسونارو اتفاقية مع جامعة أكسفورد وشركة الأدوية( Astra Zeneca) لتطوير اللقاح ، والشراء المسبق لـ 100 مليون جرعة، مع نقل التكنولوجيا إلى مؤسسة( Oswaldo Cruz Foundation) (Fiocruz).  ومع ذلك، أظهرت نتائج المرحلة الثالثة من التجربة السريرية، التي تم الإعلان عنها في 8 ديسمبر ، فعالية متوسطة أقل من تلك الخاصة بالمنافسين وأثارت الشكوك حول مصداقية الأرقام،  وقبل أسبوعين من إعلان الحكومة الفيدرالية عن الاتفاقية مع أكسفورد / أسترازينيكا ، وقع حاكم ساوباولو "دوريا " شراكة مع شركة (Sinovac) الصينية لإجراء الاختبارات السريرية وشراء الجرعات ونقل التكنولوجيا حتى يمكن إنتاج ( Coronavac) في معهد بوتانتان. 
لم يقدم (Sinovac) و (Butantan) حتى الآن نتائج المرحلة 3 من التجارب السريرية ، والتي تشير إلى الفعالية، ولم يطلبوا التسجيل من وكالة المراقبة الصحية الوطنية (Anvisa) ، لكن "دوريا" حاكم ساوباولو قدم جدولًا زمنيًا للتطعيم في الولاية بدءًا من 25 يناير من سنة 2021، وهو التاريخ الذي يتم فيه الاحتفال بتأسيس عاصمة ساو باولو. وتقدم معهد "بوتانتان" و (Sinovac) الدراسة الكاملة للمرحلة 3 من تجربة (Coronavac) السريرية وطلب في نفس الوقت التسجيل من (Anvisa) والإدارة الوطنية للمنتجات الطبية (NMPA) الصينية. (الوكالة المسؤولة عن تسجيل اللقاحات)... هنا بدأت تتراجع الحركات المضادة للقاحات في جميع ولايات البلاد  وبدأ الشعب البرازيلي يقبل على التلقيح  ضد كوفيد -19 ، لكن نظرا لنقص جرعات اللقاح أدى إلى  تأخير برنامج التلقيح ضد Covid-19 في البرازيل ، لكنه لم يمنع رغبة البرازيليين في تلقي الإبر لحماية أنفسهم من فيروس كورونا.
وقد بدأت حملة التطعيم رسميا ضد كوفيد 19 في البرازيل في 19 يناير 2021 ، وكان يتراوح متوسط التطعيم في الشهور الأولى ضد كوفيد 19 بين مليون و 2 مليون في اليوم ، ولكن في عدة مرات تمكنت البرازيل من تطعيم أكثر من 3 ملايين جرعة لقاح ضد فيروس كورونا في اليوم الواحد، ونظرا للإقبال الكثيف من الشعب البرازيلي على التلقيح ، بدأ رويدا رويدا يقل عدد الوفيات، وكان شهر اكتوبر من سنة 2021 هو الشهر الذي شهد أقل عدد من الوفيات الناجمة عن Covid-19 منذ شهر أبريل 2020، والذي صادف أكبر حملة تطعيم في تاريخ البرازيل، فالبيانات الصادرة عن أمانة المراقبة الصحية (SVS) ، ووزارة الصحة ، تبين أنه بتاريخ  (23 فبراير 2021) ، سجلت أكثر من 3000 حالة وفاة بسبب Covid في يوم واحد لأول مرة. وفي أبريل 2020 ، سجلت البرازيل 5.7 آلاف حالة وفاة بسبب المرض. كما أن الرقم لشهر أكتوبر أقل من العدد الإجمالي في أبريل من هذا العام، عندما وصلت الأزمة الصحية إلى قمة حالة الوفيات، وفقد 82200 برازيلي حياتهم بسبب Covid-19. ثم بدأ تسجيل الانخفاض في عدد الوفيات منذ يونيو، عندما تقدم برنامج التلقيح الوطني (PNI) في تطعيم الفئات ذات الأولوية المنصوص عليها في الخطة الوطنية لتفعيل التطعيم ضد Covid-19. 
وختاما، فإن الحالة الوبائية في البرازيل اليوم تتحسن يوما بعد يوم، وقد أرسلت الحكومة الفيدرالية، من خلال وزارة الصحة، جرعات كافية لتطعيم جميع طبقات الشعب البرازيلي ، وتستمر مرحلة  التطعيم في المراحل الجديدة من الحملة، مع جرعة معززة أي الجرعة الثالثة حيت وصل عدد المستفيدين منها اكثر من 11 مليون مواطن من كبار السن (فوق سن الستين)، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة والمهنيين الصحيين ، بالإضافة إلى تطعيم المراهقين.  وعموما فقد تم توزيع ما يزيد عن  334.9 مليون لقاح Covid-19 على جميع الولايات والمقاطعات الفيدرالية، وتناول ازيد من 155.1 مليون برازيلي الجرعة الأولى من اللقاح ، وهو ما يعادل 87.6٪ من الجمهور المستهدف البالغ 177 مليون برازيلي. وأكثر من 123 مليون أخذوا الجرعة الثانية ، وهو ما يمثل 68.1٪ من السكان الملقحين،  كما ينعكس التطعيم في انخفاض المتوسط المتحرك للحالات والوفيات. فالمؤشر المسجل يوم الاثنين الماضي هو 324.43 ، يمثل الرقم انخفاضًا بنسبة 14.5٪ مقارنةً بـ 14 يومًا الماضية. كما انخفض المتوسط المتحرك للحالات، ففي غضون أسبوعين انخفض بنسبة 3.9٪ وبلغ 11.89 ألف منذ أبريل 2021 ، كما انخفض المتوسط المتحرك للحالات والوفيات بنحو 90٪. وهناك جهات رسمية في وزارة الصحة ابلغت قبل يومين بأن هناك 9 ولايات لم تسجل فيهم  ولا حالة  وفاة واحدة بفيروس كورونا،  ولم تشهد مدينة ساوباولو، وميناس جيرايس، وغويايس، وسيرجيبي، وبياوي، وروندونيا، وأمابا، ورورايما، وأكري  أي وفيات بسبب الفيروس، علما بأن المتوسط المتحرك للوفيات بسبب Covid-19 قد انخفض بنسبة 90 ٪ تقريبًا منذ ذروة الوباء، ووفقًا لوزارة الصحة ، فإن البرازيل لديها 88٪ من السكان المستهدفين تم تطعيمهم بالجرعة الأولى و 70٪  بالجرعة الثانية، أما
بالنسبة لحملة 2022 ، فقد هيأت الحكومة الاتحادية أكثر من 354 مليون جرعة، منها 100 مليون من شركة فايزر ، و 120 مليونًا من أسترازينكا. وسيتم استخدام 134 مليون لقاح آخر متبقي من حملة 2021 في العام المقبل ، علما ان الذين تناولوا الجرعة الأولى من أي لقاح ضد كوفيد وتم تطعيمهم جزئيًا هم 156.632.260 شخصًا، أما الذين تم تطعيمهم  بالكامل ضد كوفيد. هناك 123.407.869 شخصًا تناولوا الجرعة الثانية حسب الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة .
وبهذا تكون البرازيل قد نجحت في معالجة فيروس كورونا الذي ساهم في خراب اقتصاد البلاد وقتل العباد ووصل ضحاياه إلى ما يزيد عن 610 آلاف برازيلي .    
 
ذ. فريد مشقي/رئيس غرفة التجارة المغربية الإفريقية البرازيلية