الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل  تنفجر حرب السمك بين بريطانيا وفرنسا على خلفية البريكسيت؟

يوسف لهلالي: هل  تنفجر حرب السمك بين بريطانيا وفرنسا على خلفية البريكسيت؟ يوسف لهلالي

أسبوع من التهديدات المتبادلة بين باريس ولندن حول أزمة الصيد البحري، تبادل التهديدات بالعقوبات، ووضع الخطوط الحمراء بين ايمانييل ماكرون وبوريس دجونسن، نعتقد أحيانا أننا في أحد فصول الحرب البحرية التاريخية بين الجارين اللذين يعرفان بعضهما إلى حد اختلاط الحدود بين العداء والصداقة، بين بلدين جمع بينهما تاريخ طويل ومازالت المصالح متداخلة بينها رغم البريكسيت، ورغم اتفاق أوكوس الذي فقدت بموجبه فرنسا أحد أكبر صفقاتها العسكرية في التاريخ، وهي مؤامرة حسب الفرنسيين شاركت فيها "الصديقة" بريطانيا، وهو أمر لن تنساه فرنسا. لكن تداخل المصالح بين البلدين تجعل القطيعة صعبة ومكلفة للجانبين.

 

المعركة البحرية بين الجانبين حول الصيد وتصدير السمك عرفت عدة مراحل هذا الأسبوع، اقتصرت على التهديدات المتبادلة، تاريخيا كانت البحرية الملكية دائما هي المنتصرة في البحار، مند انتصارها على نابليون وحلفائه الإسبان في بداية القرن التاسع عشر في معركة الطرف الأغر.

 

اليوم تستمر المناوشات والتهديدات بين دجونسون وماكرون مما يجعل السؤال مطروحا حول انفجار حرب السمك بين الجانبين. ويبدو أن كلاهما في حاجة إلى استمرار هذه المعركة البحرية حول الأسماك، وتطالب باريس بتراخيص اضافية لسفنها لتعمل في المياه البريطانية، وكانت فرنسا هددت بأنه إذا لم يتم منح مزيد من تراخيص الصيد في المياه البريطانية لمراكب الصيد، ستمنع المراكب البريطانية من تفريغ صيدها في مرافئ فرنسية بل حتى فرض إجراءات تفتيش على جميع السلع القادمة إلى فرنسا.

 

بريطانيا هي الأخرى، لا تريد أن تبقى مكتوفة الأيدي، وتهدد هي الأخرى باستعمال السلاح الذي يوجد في حوزتها وهو حجز السفن الفرنسية والأوربية التي تعمل في المياه البريطانية، وبوريس جونسون جاد في تهديداته عند أدنى مشكلة ستحتجز قوارب، وسيوجه الأمر للبحرية الملكية الحربية باقتياد السفن التي لا تحترم قراراته.

 

وتتبادل باريس ولندن الاتهامات بانتهاك الاتفاق التجاري لما بعد بريكست، والذي تم التوصل اليه نهاية العام الفائت، والذي ينص أيضا على رخص الصيد في المياه البريطانية من جهة ولسماح للسفن البريطانية بتفريخ حمولتها من الأسماك في الموانئ الفرنسية.

 

بريطانيا تنتقد التهديدات الفرنسية بفرض عقوبات عليها بسبب تصاريح الصيد، وحتى قبل انتهاء مهلة الإنذار، اقتادت السلطات الفرنسية الأسبوع الماضي سفينة صيد بريطانية إلى ميناء الهافر للاشتباه في أنها تمكنت من صيد أكثر من طنين من المحار من دون ترخيص. ومازلت محتجزة حتى الآن. وقالت الحكومة البريطانية، إن التهديدات بالعقوبات عليها متعلقة بالصيد والطاقة "محبطة وغير متناسبة."
 

وذكرت أنه "ليس ما تتوقعه لندن من حليف وشريك مقرب"، معتبرة أن الإجراءات التي تهدد فرنسا باتخاذها "لا يبدو أنها تحترم اتفاق التجارة والتعاون أو القانون الدولي". وأكدت أنها في حال تم تطبيق العقوبات "فإن بريطانيا ستقابلها برد مناسب ومدروس، وسوف تنقل قلقها للمفوضية الأوروبية والحكومة الفرنسية." وأشارت إلى أنها وفت بالتزاماتها وفقا لاتفاق التجارة والتعاون ومنحت تصاريح صيد في مياهها الإقليمية لنحو 98 بالمائة من السفن التابعة لدول الاتحاد الأوروبي التي طلبت ذلك.

 

وبموجب اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يمكن للصيادين الأوروبيين الاستمرار في العمل في بعض مياه المملكة المتحدة، شريطة أن يتمكنوا من إثبات أنهم كانوا يصطادون هناك من قبل. لكن الفرنسيين والبريطانيين يتجادلون حول طبيعة المستندات الداعمة التي يجب تقديمها.

 

يضر هذا الملف العلاقات بين باريس ولندن المتضررة أصلا نتيجة نسف عقد الغواصات بين فرنسا وأستراليا بعد إبرام اتفاقية "أوكوس" للدفاع بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا. كذلك، يسبب موضوع إيرلندا الشمالية توترا بين البلدين، وتطالب لندن بإعادة التفاوض بشأن الإجراءات الجمركية الخاصة بالمقاطعة البريطانية.

 

الجانبان في حاجة لاستمرار هذه المعركة، ماكرون على أبواب الانتخابات، ولم ينس الخيانة البريطانية في ملف الغواصات، ولا يمكن أن يتنازل، أمام رأيه العام وأمام الصيادين الذين يتابعون عن قرب هذه الحرب وما هي المكاسب التي سيوفرها لهم الرئيس  وهو على أبواب الانتخابات الرئاسية.

 

دجونسون يؤيد هذه الحرب التي تشغل رأيه العام، وتخفي إخفاقاته بسبب البريكسيت الذي كان احد المدافعين الشرسين عنه، الذي يتسبب اليوم في نقص كبير في حجم السلع وقلة المحروقات بسبب نقص التمويل؛ وهي كلها نتائج للبريكسيت بالإضافة إلى قلة اليد العاملة بسبب وقف الهجرة التي أصبحت هي الأخرى محل جدل مع باريس، التي تتهمها بريطانيا بعدم مراقبة شواطئها، بل تشجيع قطع بحر المانش نحو شواطئ لندن.