السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

مذكرات امحمد التوزاني: استقبالي الحار من طرف رفاقي ببغداد وولوجي الجامعة العراقية (8 )

مذكرات امحمد التوزاني: استقبالي الحار من طرف رفاقي ببغداد وولوجي الجامعة العراقية (8 ) امحمد التوزاني محاط بالطلبة أثناء دورة تدريبية ببغداد عام 1963
 المناضل امحمد التوزاني.. سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13اسما حركيا، من بينه خالد (بتسكين اللام) وحسن..صديق الروائي والقاص والصحفي الفسلطيني غسان كنفاني ورفيق درب المناضل الاتحادي المرحوم الفقيه البصري. ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم..
التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاضل الناصري وأحمد الخراص.
التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تاهلة ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.
ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..
"أنفاس بريس"  تنشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي...
 
 
الأستاذ امحمد التوزاني، بعد وصولك إلى قسم البعثات العربية ببغداد، كيف قضيت ليلتك الأولى ؟
 
بمجرد ما وصلت سألت عن طلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب هناك، فاستقبلني الطالب عبد السلام الشرادي - الذي توفي قبل سنة - رحمه الله و ذهب بي الى " الكباري" كي نأخذ عشاءنا و " الكباري " هو عبارة عن مقهى شعبي صغير به تجهيزات بدائية وحصير، بمجرد ما دخلنا نطق الجميع بعبارة " الله، بلخير،عيني " و هي عبارة الترحيب عند العراقيين، طلبنا " التكة " و " السمون " أي لبروشيت و نوع من الخبز و الشاي الأسود.
بعد العشاء عدنا وبتت مع رفاقي في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و قضينا جزءا من الليل و نحن نناقش الوضع السياسي بالمغرب.
 
 
اذا بتت ليلتك الأولى وأنت الأجنبي بغرفة رفيقك عبد السلام الشرادي دون إجراءات أمنية تذكر ؟ !
 
بتت معه بشكل عادي ودون أي تعقيدات إدارية، ففرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ببغداد كان يتدخل لحل الكثير من مشاكل الطلبة، حيث كان يتمتع بمصداقية كبيرة بالعراق باعتباره محاور معتمد لدى سلطات البلاد، و لعلمك فقد وجدت رفاقي الذين سبقوني للمعهد العراقي العالي قد رتبوا لي الكثير من الأمور ولو أنهم لم يكونوا متأكدين من التحاقي بهم بعد أن بدأوا الدراسة.
 
 
قلت إنك قضيت شطرا من ليلتك الأولى ببغداد في مناقشة الوضع السياسي بالمغرب مع رفاقك، فكيف مر الصباح ؟
 
لقد كنا في مرحلة الشباب، و أجسادنا قوية،  كما أن معنوياتي كانت مرتفعة بعد أن التقيت برفاقي في العراق. استيقظنا جميعا في صباح اليوم الموالي على الساعة الثامنة بتوقيت بغداد، وتناولنا فطورنا ثم ذهبنا إلى إدارة قسم البعثات، وبعد عشر دقائق كانت أمور استقراري نهائية، فتسلمت مفتاح غرفتي، و بعد ذلك ذهبت إلى كلية التربية - قسم الاجتماعيات - لأجل التسجيل في السنة الثالثة، و في غضون خمسة وأربعين دقيقة كنت قد أنهيت إجراءات التسجيل في جامعة بغداد، فذهبت في الحين الى قاعة الدرس، و قدمت نفسي لزملائي الطلبة العراقيين والعرب، و بعد حصص الصباح، و أثناء الاستراحة في منتصف النهار، أخذني أستاذي لقاعة الأساتذة و قدمني لباقي زملائه الذين سيدرسونني،   وبدورهم قدموا لي أنفسهم، و بعد نهاية اليوم الدراسي عدت الى قسم البعثات - الحي الجامعي - الذي تفصله مسافة عشرين دقيقة عن الكلية .
 
 
السي امحمد، حدثنا عن الدراسة بجامعة بغداد وعن العراقيين وعلاقتهم بالمغاربة ؟
 
العراق حينها كان في وضعية مادية جيدة، و كان بلدا ثوريا، و كان قبلة للطلبة العرب      وحتى بعض الأجانب، والعراقيون طيبون وكرماء، غير أنهم محافظون باستثناء الطالبات  والطلبة من الطبقات الراقية، و قد كان العرب والعراقيون ينعتون المغرب ب " بلد محمد الخامس "، و لمجرد أن تكون من بلاد محمد الخامس فهم سيحبونك.
الدراسة بجامعة بغداد كانت بمردودية جيدة، و قد اندمجت في تحصيلي الجامعي رغم أن الدراسة كانت قد بدأت قبل التحاقي، وسارت الأمور على أحسن ما يرام، و كانت تدرس معنا عدد من الطالبات العراقيات كلهن من الطبقة الراقية، عرفت ذلك من خلال لباسهن    ومن السيارات الفاخرة التي كانت تأخذهن من باب الكلية، و رغم قصر المدة التي قضيتها بجامعة بغداد فقد ربطت علاقة صداقة جميلة مع إحدى الطالبات العراقيات، و قد أثار انتباهي أنهن كن متحررات داخل الجامعة لكنهن بمجرد خروجهن من الجامعة يلتحفن لباسا يغطيهن بالكامل حتى وجوههن، و لا يحدثن أحدا غير أهلهن، و بمقتضى العرف فقد كان لكل عراقي الحق في الدفاع عن شرف أي امرأة، و قد يبلغ دفاعه عن ذاك " الشرف " حد القتل، و قد كان القانون العراقي آنذاك يراعي تلك التقاليد، حيث خفف عقوبة القاتل دفاعا عن الشرف إلى سنة سجنا فقط، و من قتل مدعيا أنه قتل متحرشا، فهو مدافع عن الشرف، ولذلك لم تكلمني زميلتي الطالبة العراقية حين رمقتني خارج الكلية، و حين سألتها عن السبب شرحت لي الأمر، و بذلك نبهتني لخطورة الحديث إلى امرأة في الشارع العام.
 
 
و ماذا عن حزبك الذي تركته بالمغرب ؟
 
لقد تركت الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالمغرب في وضعية لا يحسد عليها، لكنني وجدته بصحة وعافية في العراق، لقد كان فرع الحزب ببغداد نشيطا، و كان فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أيضا نشيطا، لقد التحقت برفاقي في الحزب، و كنت ضمن خلية بها ستة مناضلين، منهم المرحومين عبد السلام الشرادي من شمال المغرب و فاضل الناصري من وارزازات، و كان معنا ثلاثة في الخلية يدرسون في مجال التجارة والأبناك و كانوا ممنوحين من طرف البنك الشعبي المغربي.
 
 
هلا حدثتنا عن الورقة النقدية المغربية التي ضاعت منك و عادت لصاحبها الولي مولاي عبد القادر الجيلالي ( الجيلاني ) في العراق ؟
 
كما سبق لي وأن قلت لك قبيل الحوار فإن خالي المرحوم عبد الكريم الواضلي سبق له أن أقام بالعراق و ساهم في بناء جسر..
و قد أعطاني ورقة نقدية مغربية و أوصاني أن أضعها في صندوق ضريح مولاي عبد القادر الجيلالي، كما أوصاني بزيارة الجسر.
زرت الجسر، و كنت أتباها بأن خالي هومن وضع زخارفه الخشبية بخشب أتى به من المغرب وبالضبط من منطقة تيمحضيت، وتلبية أيضا لرغبة خالي زرت قبر  الولي عبد القادر الجيلالي، غير أنني لما أردت وضع الورقة النقدية بالصندوق الموجود بضريحه، اكتشفت أنها ضاعت مني، فحزنت للأمر و عدت لسكني بحي البعثات و أنا غير راض عن نفسي، فسألني زميلي عبد السلام الشرادي عن السبب، فحكيت له عن ضياع الورقة النقدية وبالتالي عدم تلبية الطلب الثاني لخالي، فقال لي، أليست الورقة لمولاي عبد القادر الجيلالي ؟ قلت بلى. قال اذا لا تحزن فقد أخذها .