الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

بوبكري: تقرير"المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن"يؤكد التقدم الكبير للمغرب على دولة جنرالات الجزائر

بوبكري: تقرير"المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن"يؤكد التقدم الكبير للمغرب على دولة جنرالات الجزائر محمد بوبكري
لا توجد بين المغرب وحكام الجزائر مشكلة الصحراء المغربية فقط، رغم أن بعض الناس يرون أنها قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الجارين، معتمدين في توقعهم على عنترية جنرالات الجزائر التي تعتبر، في رأيهم، مؤشرا على ذلك. لكن ما لا يدركه هؤلاء الناس هو أن حروب اليوم لم تعد عسكرية، بل إنها حروب اقتصادية وجيوسياسية وإعلامية من أجل التأثير عالميا... ويرى خبراء دوليون أن ملف قضية الصحراء المغربية هو في طريقه إلى الطي النهائي، لأن حكام الجزائر فقدوا مساندة أغلب أصدقائهم القدامى، الذين باتوا يساندون المغرب. لكن هذا لا يعني أن العلاقة بين المغرب وجنرالات الجزائر لن تعرف أي توتر، حيث يؤكد هؤلاء الخبراء أن حكام الجزائر يسعون دوما إلى الهيمنة على دول شمال أفريقيا، الأمر الذي يرفضه المغرب الذي كرس كل جهوده لتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية للبلاد، فتمكن من قطع أشواط طويلة في مجال التنمية الاقتصادية، وترك جزائر الجنرالات خلفه بمسافات طويلة، فصاروا يعانون من ركود اقتصادي مستديم، نتجت عنه مشكلات اجتماعية خانقة، ما جعلهم يحقدون على المغرب، حيث تأكد لهم أن المغرب تجاوزهم بكثير. وإذا كان جنرالات الجزائر يتوهمون أن دول جنوب الصحراء تابعة لهم، حيث يعتبرون أنفسهم الخط الرابط بين أوروبا وهذه المنطقة، فإن حضور المغرب فيها ليس لصالح أية قوة دولية، بل إنه يروم الانفتاح على جذوره الإفريقية بهدف التعاون بينه وبين مختلف البلدان الأفريقية من أجل صالح هذه البلدان، وصالحه، بحيث يكون الجميع رابحا في هذه المنطقة. 
كما أن المغرب لا يهدف إلى استتباع دول هذه المنطقة من أجل استغلالها، ما جعل جنرالات الجزائر يتوجسون خيفة منه، لأنهم عاجزون عن اللحاق به، حيث يعوزهم بعد النظر والخيال. أضف إلى ذلك أن الجنرالات جعلوا الجزائر البلاد تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة، ما جعلهم يسعون إلى حلها على حساب بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. وبحكم هذه المشكلات الاقتصادية، فإن حكم جنرالات الجزائر لا يمكنه الانخراط في حرب مع المغرب، لأن هذه المشكلات ستنعكس عليهم عسكريا وإعلاميا وثقافيا. وهذا ما يعني أنه لن يحدث اصطدام عسكري بين المغرب وحكام الجزائر؛ فالمغرب يستعد لكل الاحتمالات، وجنرالات -الجزائر كذلك. لكن ما لا يعلمه الجميع هو أن القوى الدولية تنظر إلى منطقة شمال أفريقيا بكونها منطقة إستراتيجية، ما جعلها تعتبر الحرب العسكرية بين الجزائر والمغرب خطا أحمر، لا يمكن خرقه من أي جانب منهما. ويبدو أن جنرالات الجزائر لا يعرفون مفهوم "الحرب" اليوم، حيث تؤكد التطورات أنه قد تغير، وأصبحت ساحته مجالات أخرى. فإذا نظرنا إلى الصراع الأمريكي السوفياتي، نجد أن الاتحاد السوفياتي قد انخرط في سباق التسلح مع أمريكا، ونسي التنمية الاقتصادية، ما أدى إلى إفلاس نموذجه الاقتصادي، فنجم عن ذلك انهيار اقتصاده، وانهيار الكيان السوفياتي مع أنه كان قويا عسكريا عدة وعددا، ولم يكن يهدده أي خطر عسكري أمريكي، لأنه لو اندلعت آنذاك حرب بين هاتين القوتين النوويتين لخسرتاها معا. ولقد استفادت الصين من هذا الدرس، ورفضت الدخول في تنافس عسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تنفق سنويا 700 مليار دولار على التسلح، وفضلت أن تحافظ على إنفاقها على التسلح، الذي لا يتجاوز 200 مليار دولار سنويا، وقررت الزيادة في الإنفاق على نمو الاقتصاد الصيني، حيث رأى الخبراء الصينيون أنه من الأفضل لبلادهم تكريس جهودها وإمكاناتها من أجل منافسة الولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والطاقات المتجددة... 
وهذا ما مكن الصين من رفع إنتاجها، فاستطاعت غزو أسواق العالم بمختلف منتوجاتها. وبذلك ظلت الصين مزعجة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد بعض الخبراء أنه إذا انهزمت هذه الأخيرة اقتصاديا، وتكنولوجيا، فإن الصين ستزيح أمريكا من المرتبة الأولى عالميا، وهذا ما يشكل دليلا على أن مفهوم "الحرب" قد تغير اليوم، حيث صار الانتصار في الحرب الاقتصادية حاسما. وإذا أخذنا مثال اليابان وكوريا الجنوبية وكندا، فإننا نجد أن هذه البلدان لا تدخل في منافسات عسكرية مع الدول الغربية، حيث صارت قوى اقتصادية يضرب لها ألف حساب، كما أنها ليست قوى عسكرية. أما ألمانيا، فقد تخلت عن طموحها العسكري، بعد أن ضمنت لنفسها حماية أمريكية، وهي اليوم قوة اقتصادية تحتل موقع الريادة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي.
وللتدليل على التفوق المغربي اقتصاديا على جنرالات الجزائر، أرى من الضروري الاعتماد على التقرير الذي أعده "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن"، الذي يقدم استشارات للبرلمان الأوروبي.. فقد ورد في هذا التقرير أن المغرب أصبح يشكل أكبر قوة اقتصادية في شمال أفريقيا، وتجاوز الجزائر بكثير في مجال التنمية الاقتصادي، ما جعل جنرالات يشعرون بعدم جدواهم، حيث أدركوا أنهم لم يعودوا يصلحون لأي شيء أمام المغرب، فأصابهم الرعب واشتد سعارهم. وإذا كان حكام الجزائر يعتبرون منطقة دول جنوب الصحراء مجالا لنفوذهم، فقد ورد في هذا التقرير الصادر مؤخرا عن المعهد الألماني المشار إليه أعلاه أن المغرب قد بلغت قيمة صادراته في سنة 2019 إلى بلدان هذه المنطقة 1,3 مليار دولار. وفي مقابل ذلك، لم تتجاوز صادرات حكام الجزائر إلى هذه المنطقة 440 مليون دولار، ما يعني أن قيمة صادراتهم صارت تناهز حولي ثلث قيمة صادرات المغرب إليها لا غير. علما أن صادرات الجنرالات مكونة أساسا من المحروقات، أما صادرات المغرب فإنها متنوعة، ما يدل على حيوية الاقتصاد المغربي وتنوعه. كما أن البنوك المغربية موجودة في مختلف بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. أضف إلى ذلك أن حضور الخطوط الملكية المغربية أقوى بكثير من حضور الخطوط الجوية الجزائر. إضافة إلى ذلك، فإن المغرب قد قام بجلب استثمارات أجنبية، في السنة نفسها، بقيمة 1,4 مليار دولار، وفي مقابل ذلك، لم تتجاوز قيمة الاستثمارات التي جلبها الجنرالات إلى الجزائر 146 مليون دولار، أي عشر ما جلبه المغرب من استثمارات أجنبية. وبكل تأكيد، يمكن أن نستخلص من ذلك فشل الدبلوماسية الجزائرية، حيث تعود حكام الجزائر على تقديم الرشاوى لجمع الدعم لمليشيات 'البوليساريو"، وإنفاق أموال طائلة على التسلح، وإهمال التنمية الاقتصادية من أجل خدمة أهدافهم التوسعية على حساب جيرانهم شرقا وغربا وجنوبا.
تبعا للمعطيات المشار إليها أعلاه، فقد تمت تعرية الموقف الألماني النازي المعادي للمغرب، حيث إن كل الأحكام التي تضمنها هذا التقرير تعادي المغرب، لأن ألمانيا طالبت الاتحاد الأوروبي بدعم الجزائر لتتمكن من تدارك التخلف الاقتصادي والتكنولوجي للجزائر، التي تجاوزها المغرب بكثير.
وإذا كان بعض الناس يقولون إن الجزائر أغنى من المغرب، فإننا لا نقول العكس، لأن ذلك راجع إلى البترول والغاز. لكن عائدات الجزائر من هاتين المادتين لن تستمر إلى ما لا نهاية، بل هناك خبراء يؤكدون أن آبار البترول والغاز الجزائريين ستنضب، وأسعارهما مرشحة دوما للانخفاض في السوق العالمية. وهذا ما جعل هؤلاء الخبراء يتنبؤون بأن المغرب سيكون أغنى من جزائر الجنرالات قبل نهاية العشرية الحالية. لذلك، يمكن القول إن الجزائر تعاني من ضعف اقتصادي سيتعمق مع مرور الزمن، ما يفيد أن الجزائر قد خسرت حربها ضد المغرب.
هكذا، لقد أصبح مؤكدا أن غباء جنرالات الجزائر جعلهم يختزلون الحرب في استعمال المدفع والبندقية والمدرعات، ولا يدركون أنها أصبحت اليوم منافسة اقتصادية وجيوسياسية وثقافية وإعلامية بهدف التأثير في مختلف بلدان العالم. وللتدليل على ذلك، يكفي أن نأخذ مثال دولة قطر التي هي بلد صغير، ومع ذلك فقد انخرطت في التنمية الاقتصادية، وشيدت قناة "الجزيرة"، واشترت فريق كرة القدم "باريس سان جيرمان"، وستنظم البطولة العالمية لكرة القدم... ورغم أن قطر أضعف عسكريا من دولة "العربية السعودية"، فإنها استطاعت أن تنافس هذه الأخيرة وتلقي بظلالها عليها، حيث صار لها تأثير إعلامي كبير.