يشهد اليمن نزاعا مدمرا منذ أكثر من عشر سنوات، وأثارت تطورات الأيام الأخيرة مخاوف من حرب أهلية جديدة ضمن الحرب الأهلية تهد د بإعادة تقسيم البلاد.
على مدى أكثر من عقد، خاضت شبكة فسيفسائية من المجموعات المسلحة المحسوبة على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بدعم من تحالف عربي وإسلامي بقيادة السعودية، معارك ضد المتمردين اليمنيين الحوثيين المدعومين من إيران. ومنذ التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في أبريل 2022، كانت البلاد تشهد هدوءا نسبيا، وإن في ظل مناطق نفوذ وسيطرة لهذا الطرف أو ذاك، بحكم الأمر الواقع.
ويسيطر الحوثيون على معظم شمال البلاد وغربها، وبينها العاصمة صنعاء. فيما انقسم تحالف الحكومة اليمنية على نفسه.
ففي مطلع دجنبر 2025، شن المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو شريك رئيسي للحكومة، هجوما خاطفا استولى خلاله على قواعد عسكرية ونقاط تفتيش وحقول نفط. وأحكم مقاتلوه سيطرتهم على معظم محافظة حضرموت وتمد دوا الى أجزاء واسعة من محافظة المهرة المجاورة.
وطالبت السعودية الانفصاليين، المدعومين من الإمارات، بالانسحاب من المناطق التي تقدموا اليها، إلا أنهم يرفضون حتى الآن.
في المقابل، طلبت الحكومة اليمنية من الإمارات سحب قواتها من اليمن، ودعمتها السعودية بقوة. وأمهلتا الإمارات 24 ساعة لذلك بدأت هذا الصباح. وأعلنت الإمارات قبل قليل أنها ستسحب "ما تبقى" من قواتها بمحض إرادتها.
وسبق ذلك غارات سعودية صباحية استهدفت، وفق الرياض، "أسلحة وعربات قتالية" آتية من الإمارات للانفصاليين. ونفت الإمارات إرسال أسلحة إلى المجلس الانتقالي، قائلة إن الضربات استهدفت شحنة عربات لقواتها في اليمن المشاركة في "مكافحة الإرهاب".
وكانت الإمارات أصلا جزءا من التحالف بقيادة السعودية الذي تدخ ل في الحرب اليمنية في العام 2015 لوقف تقدم الحوثيين.
ماذا حصل خلال الأيام الأخيرة؟
تصاعد التوتر الثلاثاء بعد شن السعودية غارات على ما قالت إنه شحنة "أسلحة وعربات قتالية" آتية من ميناء الفجيرة الإماراتي إلى الانفصاليين في المكلا.
وكانت مواقع الانفصاليين تعرضت لضربات جوية الجمعة، واتهم المجلس الانتقالي السعودية بها. وجاءت إثردعوات الرياض للانفصاليين للانسحاب من حضرموت والمكلا.
وقال مسؤول عسكري يمني إن 15 ألف عنصر من القوات المدعومة سعوديا يحتشدون قرب حدود المملكة على تخوم حضرموت والمهرة.
لكنه أضاف "لم تصلنا أي تعليمات عن تحر ك عسكري نحو المحافظتين".
وكتبت الباحثة في معهد ، أبريل لونغلي ألي: "المواجهة تهدد بنسف الهدنة الهشة المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف في اليمن، وإحياء حرب لطالما صبت مرارا في مصلحة الحوثيين المدعومين من إيران".
وأضافت أن الحرب "قد تفاقم أيضا التوتر في العلاقات بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة، السعودية والإمارات اللذين هما أصلا على خلاف في السودان".
ما هي أهداف المجلس الانتقالي؟
يرى محللون أن المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى الى تعزيز حق تقرير المصير في أراضيه، أو ربما يخوض مسعى صريحا للاستقلال.
ويتألف المجلس، بقيادة عيدروس الزبيدي، من تحالف جماعات تسعى لانفصال جنوب اليمن، وتشكيله دولة قائمة بذاتها كما كان بين عام 1967 حتى توحيده مع شمال اليمن عام 1990. ويسيطر المجلس راهنا على معظم أراضي جنوب اليمن السابقة.
وفي تحليل حديث، كتب غريغوري د. جونسن، الباحث غير المقيم في معهد دول الخليج العربية، "يراهن المجلس الانتقالي الجنوبي على أنه إذا أمكن توحيد الجنوب تحت قيادة واحدة - قيادته هو بالطبع - فسيكون قادرا على عزل الجنوب عن الحوثيين في الشمال، والاستفادة من عائدات النفط والغاز، وبناء دولة مستقرة وفاعلة". وأضاف جونسن أن هذه الخطوة "مهمة صعبة، ومن المرجح أن ت واجه بمقاومة داخلية وخارجية".
ما أهمية حضرموت بالنسبة للسعودية؟
تعد حضرموت أكبر محافظات اليمن، إذ تشك ل ما يقرب من ثلث مساحة البلاد، وهي كذلك أغناها. وتضم المحافظة معظم احتياطات البلاد من النفط والغاز الضرورية لإيرادات الحكومة، وتشترك بحدود واسعة مع كل من السعودية وعمان. كما تضم موانئ بحرية تطل على البحر الأحمر. ولأجيال، كانت عائلات حضرموت قوة أساسية في الاقتصاد السعودي وتشكل جزءا كبيرا من الطبقة التجارية.
وبفضل مهاراتهم المالية وعلاقاتهم الواسعة، أسس المهاجرون من حضرموت منذ زمن طويل في السعودية شركات بمليارات الدولارات بينها شركات بناء أو مطاعم عائلية، وانتشرت في كل أنحاء المملكة.
لذا، فإن فقدان السيطرة والنفوذ على حضرموت لصالح مجموعة مدعومة من الإمارات سيشكل ضربة نفسية واستراتيجية للرياض التي لا تريد كذلك على حدودها اي قوة منافسة أو معادية.
ويقول الباحث المتخصص في شؤون اليمن والخليج في "معهد تشاتام هاوس" في لندن فارع المسلمي لوكالة فرانس برس :"لو كنت مكان السعودية، لما غفوت إن فقدت حضرموت".
هل يتوقف النزاع؟
وضع النزاع الجديد السعودية في مواجهة الإمارات. وإذا كان البلدان الحليفان تاريخيا يخوضان منافسة صامتة منذ سنوات طويلة، إلا أنها من المرات النادرة التي تظهر فيها التناقضات والخصومة بهذا الوضوح. في هذا الوقت، لا يعطي النزاع مع الحوثيين الرياض الكثير من الأسباب للتفاؤل.
فعلى مدى عقد، قادت السعودية تحالفا عسكريا كان من أهدافه إخراج الحوثيين من صنعاء ومعاقلهم الجبلية في الشمال. ورغم إنفاق مليارات الدولارات وإطلاق حملة جوية ضارية استهدفت قوات الحوثيين، لم يتحقق ذلك. ويستبعد خبراء عسكريون أن تخرج الغارات الجوية وحدها قوات المجلس من المناطق التي بات يسيطر عليها.
ويقول المسلمي إن الغارات الجوية "لا يمكنها أبدا أن تحدث فارقا كبيرا في المعارك إذا لم تكن هناك حرب برية".
ولكن هل تقوم السياسة بالواجب؟
أعلنت الإمارات اليوم سحب ما تبقى من قواتها. ويصعب تصور حرب في الخليج تتورط فيها السعودية والإمارات في مواجهة مفتوحة، لا سيما أن البلدين لديهما رؤية مستقبلية تقوم على حفظ الأمن في منطقة الخليج وتنويع المداخيل والاستثمار في التكنولوجيا وتمتين ريادتهما في المنطقة وخارجها.

