الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: دعوتان خليقتان بالتفكير.. فصل الدين عن السياسة، وفصل السياسة عن المال...

عبد الإلاه حبيبي: دعوتان خليقتان بالتفكير.. فصل الدين عن السياسة، وفصل السياسة عن المال... عبد الإلاه حبيبي

من تبعات استعمال اللاهوت في حشد الأتباع وشيطنة الأغيار، والزعم بالتوفر على حلول لكل المشكلات الدنيوية المعقدة كما وكيفا، أقول من تبعات هذا الخطاب السقوط في متاهات إيديولوجية لا ملامح لها، أي التخبط في دعاوى صورية فارغة من كل اثر ملموس، بحيث لا يمكن أن تقدم أكلا أو تصنع لباسا أو تجيب عن حاجة حياتية مستعجلة من جهة أولى، ثم  هناك خطر أن يؤدي  هذا الاشتغال بصاحبه إلى نهاية مأساوية، أي العجز المطلق أمام سلطة الواقع العنيد الذي لا تحركه الخطابة المدججة باللاهوت الديني... حيث أن الواقع لا يحركه إلا العقل بأسئلة دقيقة ورهانات واضحة... ومنهجية علمية واضحة المعالم والفرضيات...

 

أقول اللاهوت حتى لا أقول الدين، لأن الناس يعرفون دينهم ويتقنون أداء طقوسه وفروضه يوميا، لكنهم يبحثون عن حلول لمشاكلهم اليومية التي لها علاقة بالمعيش وتربية الأطفال ومستقبل هؤلاء والمرض الذي لا يجدون له دواء ولا مستشفيات، والمدارس التي تنهب جيوبهم وتفرض عليهم ساعات إضافية مؤدى عنها في شبه اختلاسات مؤسسة ومنظمة...

 

مشكلات الناس حياتية، لا تقبل تأويلا لاهوتيا، ولا يصح أن نقحم الدين في مقاربتها وإلا سنضع العقائد في رهان خطير، أي في مهب الريح، حينما يصوت الناس ضد التيارات التي توظف اللاهوت في جلب الناس واستجداء عطفهم للحصول على أصواتهم بهدف التسلق السياسي وبلوغ سدة الحكم فإن ذلك سيؤدي إلى اتهام العقيدة بالفشل في إيجاد حلول لمشكلات ليست العقيدة مسؤولة عنها، ولعل درس 8 شتنبر سيفرض على كل من لا زال يوظف الخطاب اللاهوتي في دغدعة عواطف الناس وتجييشهم بالنصوص المفصولة عن سياقاتها التناصية والتداولية والتاريخية أن يعيد النظر في قناعاته، وأن يبادر إلى تحرير خطابه من مرجعيات لاهوتية، والانكباب على بلورة خطاب سياسي يجيب عن معضلات واقعية لها علاقة بالاقتصاد والاستثمار والعدالة المجالية والبيئة وخلق الثروة وتوزيعها والتعليم ومتطلباته وغيرها من المعاناة التي تؤرق كاهل الأسر والعائلات... بكلمة مختصرة فمصير من يراهن على اللاهوت لربح منافع الحياة وعلى رأسها السلطة والمال والمناصب والمنافع هو السقوط والخذلان... ودون تأكيد ذلك بآيات من الذكر الحكيم حتى لا نقع في توظيف النص المقدس في مقالة سياسية نقدية ...

 

الذين منحوا أصواتهم لأحزاب ليبرالية فعلوا ذلك برهان جديد، بمعنى أن المشاكل لا يمكن أن تحل بدون أموال الأغنياء، واستثماراتهم في مجالات تدر الدخل وتخلق الثروة وتمتص البطالة، وتساهم في الرفع من القدرة الشرائية لهم... فلا ينبغي آن نحتقر ذكاء المغاربة الطبيعي، إنهم يعرفون ما يفعلون، ويتركون حدوسهم تشتغل بشكل تلقائي دون تعقيد أو تشكيك... فحينما تظهر لهم علامات النجاة يبادرون للمشاركة والانخراط في ما يقترح عليهم من مشاريع سياسية وغيرها، لكن عندما يجدون الظلام ولغة الأنفاق فإنهم يتبرمون ويبتعدون وينصرفون لحالهم.. لهذا من لازال يراهن على الشعارات الكبرى والفضفاضة بنية التجييش فإنه خاطئ وخارج البارديكم السوسيو-سياسي الجديد، فالطموحات تغيرت والأهداف أيضا، واللبيب هو من يعرف قراءة الإشارات والعلامات، وليس المكر هو الحل، أو الإغراق في الأحلام الإيديولوجية هو السبيل للتأثير على ميولات الناس واهتماماتهم.. لكن السؤال الجديد يتعلق بمدى القدرة على فك الارتباط بين سلطة المال وسلطة القرار؟ أي إذا كان درس توظيف الدين في السياسة قد جلب لأصحابه وللمجتمع ككل عواصف مجانية وصراعات بيزنطية وتقاطبات كانت تهدد أمن واستقرار البلد ككل ، فإن المال بدوره ينبغي أن ينفصل عن السلطة، أي المستثمر الذي سيجد مستثمرا يترأس مجلسا جماعيا أو جهة أو في مواقع القرار المتقدمة سيضطر إلى التفاوض أو الانسحاب، بمعنى سيضيع المجتمع من منافع كثيرة، وسيتحول المسؤولون في الأخير إلى عراقيل ضد التنمية بتنويع الشركاء والمتدخلين دون أن يكونوا لاعبين وحكاما في الوقت نفسه... لهذا فدرس فصل الدين عن السياسة لا ينفصل عن نصيحة فصل المال عن السلطة...