Friday 6 June 2025
كتاب الرأي

إدريس قصوري: منع التدخين بالأماكن العامة يخدم صحة المواطن في المقام الأول

إدريس قصوري: منع التدخين بالأماكن العامة يخدم صحة المواطن في المقام الأول إدريس قصوري
بخصوص‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬منع‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬الذي‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية،‭ ‬ورغم‭ ‬وجود‭ ‬قانون‭ ‬15.91‭ ‬منذ‭ ‬1996،أنا‭ ‬أتفق‭ ‬معه‭ ‬كليا‭ ‬وأدعمه‭ ‬دعما‭ ‬مطلقا‭. ‬فبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مرجعية‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬وعن‭ ‬أية‭ ‬خلفية‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬حزبية‭ ‬يمكن‭ ‬إقحامها‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الحزبي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬إذا‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فاعل‭ ‬سياسي‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الأغلبية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬لون‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬أو‭ ‬مذهب،‭ ‬فهو‭ ‬موقف‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬مطلب‭ ‬فئة‭ ‬عريضة‭ ‬وواسعة‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬مغبونة‭ ‬في‭ ‬راحتها‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬بسبب‭ ‬تسيب‭ ‬وخبث‭ ‬ووقاحة‭ ‬وعدمية‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المدخنين‭ ‬الذين‭ ‬يتخذون‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬المشترك‭ ‬فضاء‭ ‬سياديا‭ ‬لنفث‭ ‬سمومهم‭ ‬القاتلة‭ ‬والضارة‭ ‬نفسيا‭ ‬وصحيا‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬يحرمون‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬هادئة‭ ‬ومريحة‭. ‬بل‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم،‭ ‬أحيانا،‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يقبلوا‭ ‬به‭ ‬بلا‭ ‬حياء‭ ‬ولا‭ ‬أخلاق‭ ‬للمدخنين‭ ‬من‭ ‬غائبي‭ ‬الوعي‭ ‬والإرادة‭ ‬وراء‭ ‬نكهات‭ ‬سيجارة‭ ‬تلوى‭ ‬الأخرى‭. ‬فهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدخنين‭ ‬لا‭ ‬يستحيون‭ ‬من‭ ‬نفث‭ ‬كومات‭ ‬وكومات‭ ‬من‭ ‬الدخان‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬ومن‭ ‬ورائهم‭ ‬وأمامهم‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬اعتبار‭ ‬للآخرين‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬تصل‭ ‬رائحة‭ ‬السيجارة/السيكار‭ ‬والسيارة‭ ‬الأليكترونية‭ ‬ألى‭ ‬عشرات‭ ‬الأمتار‭ ‬وتزكم‭ ‬النفوس‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ألما‭ ‬حقيقيا‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬وتخلق‭ ‬لهم‭ ‬توترا‭ ‬وتربك‭ ‬حسابات‭ ‬وقتهم‭ ‬وأشغالهم‭. ‬
ويكبر‭ ‬المشكل‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬المدخن‭ ‬مرفوقا‭ ‬بعائلته‭.‬
فالفضاء‭ ‬العام‭ ‬المشترك‭ ‬أصبح‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬المدخنين‭ ‬وانتزعوا‭ ‬فيه‭ ‬الامتياز‭ ‬والأسبقية‭ ‬والأولوية‭ ‬حتى‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬خاص‭ ‬ومخوصص‭ ‬وهذا،‭ ‬أصبح‭ ‬أمرا‭ ‬يتطلب‭ ‬تفعيل‭ ‬القانون‭ ‬الموجود‭ ‬بقوة‭ ‬وكرامة‭ ‬وحزم‭ ‬بكل‭ ‬أشكال‭ ‬الزجر‭ ‬وتوسيعه‭ ‬ليشمل‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬التدخين‭ ‬حماية‭ ‬وإنصافا‭ ‬لغير‭ ‬المدخنين‭ ‬وحفاظا‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬وانسجاما‭ ‬مع‭ ‬ميثاق‭ ‬البيئة‭.‬
فحق‭ ‬التدخين‭ ‬ليس‭ ‬حقا‭ ‬مطلقا،‭ ‬وتنتزع‭ ‬عنه‭ ‬صفة‭ ‬الحق‭ ‬كلما‭ ‬خرق‭ ‬حق‭ ‬غير‭ ‬المدخن‭. ‬ولعل‭ ‬الضرر‭ ‬ثابت‭ ‬علميا‭ ‬وباعتراف‭ ‬شركات‭ ‬التدخين‭ ‬ومكتوب‭ ‬بعض‭ ‬أنواع‭ ‬السجائر،‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬للنقاش‭ ‬فيه‭.‬
بيد،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬غير‭ ‬المدخن‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬ضد‭ ‬المدخن‭ ‬وضد‭ ‬صاحب‭ ‬المقهى‭ ‬وطلب‭ ‬توقيف‭ ‬نشاط‭ ‬المقهى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬شروط‭ ‬سلامة‭ ‬غير‭ ‬المدخنين‭ ‬والتزام‭ ‬المقهى‭ ‬بذلك،‭ ‬أو‭ ‬الإغلاق‭ ‬تطبيقا‭ ‬للقانون‭ ‬كما‭ ‬يمكنه‭ ‬طلب‭ ‬التعويض‭. ‬وهو‭ ‬الحق‭ ‬نفسه‭ ‬لسكان‭ ‬الحي‭ ‬أو‭ ‬العمارة‭ ‬مثلا‭. ‬ولعل‭ ‬الشرطة‭ ‬الإدارية‭ ‬لها‭ ‬دورها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬به‭. ‬وهي‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬التدخين‭ ‬وتعاين‭ ‬المدخنين‭ ‬أمامها‭ ‬وكأن‭ ‬الوضع‭ ‬سليم‭ ‬والأمر‭ ‬عادي‭. ‬هذا‭ ‬غير‭ ‬موجود‭ ‬البتة‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬عملها‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬والقيام‭ ‬به‭ ‬بنزاهة‭.‬
وهناك‭ ‬مقاهي‭ ‬تغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬رائحتها‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬المقهى‭ ‬وإنما‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬الزقاق‭ ‬وتصل‭ ‬وتصعد‭ ‬إلى‭ ‬المنازل‭ ‬وخاصة‭ ‬مقاهي‭ ‬الشيشة‭ ‬التي‭ ‬تختلط‭ ‬بها‭ ‬وفيها‭ ‬كل‭ ‬الممنوعات‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬عامة‭ ‬وأحياء‭ ‬رئيسية‭ ‬وسط‭ ‬كبريات‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬وصور‭ ‬
‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية‭ ‬ولا‭ ‬حضارية‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬للرعونة‭ ‬والفتوة‭ ‬والبلطجة‭ ‬نهارا‭ ‬وليلا‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬المناسبات‭ ‬الوطنية‭ ‬والدينية‭.‬
ولهذا،‭ ‬فمقترح‭ ‬قانون‭ ‬منع‭ ‬التدخين‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬أمل‭ ‬أغلب‭ ‬المغاربة‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا‭ ‬وطال‭ ‬انتظاره‭. ‬وتتحمل‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬تغييبه‭ ‬وعدم‭ ‬تطبيقة‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأولى‭. ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬السهر‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المواطن‭ ‬وصحته‭ ‬هو‭ ‬أولويتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬التراخي‭ ‬ولا‭ ‬التواطؤ‭. ‬ولهذه‭ ‬الاعتبارات،‭ ‬لايجب‭ ‬النظر‭ ‬لمنع‭ ‬التدخين‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬هوية‭ ‬مقترح‭ ‬القانون‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬إحداث‭ ‬الضرر‭ ‬ومصلحة‭ ‬غير‭ ‬المدخن‭. ‬فهذا‭ ‬مقترح‭ ‬قانون،يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬حوله‭ ‬الإجماع‭ ‬الوطني‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬ويفعل‭ ‬إسوة‭ ‬بعدة‭ ‬دول‭ ‬سبقتنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬الاختلافات‭ ‬المرجعية‭ ‬والقيمية‭ ‬المجتمعية‭ ‬معنا‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬الأولى‭ ‬بإقرار‭ ‬المنع‭ ‬وتغريم‭ ‬المدخن‭ ‬حماية‭ ‬للمواطن‭ ‬ولصحته‭ ‬مع‭ ‬التشدد‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬تثبت‭ ‬في‭ ‬حقهم‭ ‬حالة‭ ‬العود‭ ‬من‭ ‬المتهورين‭ ‬ومن‭ ‬المستهترين‭ ‬بالقانون‭ ‬حماية‭ ‬للصحة‭ ‬العامة‭ ‬وصونا‭ ‬لمفهوم‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭.‬