الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

خص بها "أنفاس بريس".. الوزير عبيابة يقرأ جغرافية الانتخابات المغربية

خص بها "أنفاس بريس".. الوزير عبيابة يقرأ جغرافية الانتخابات المغربية حسن عبيابة، وزير سابق وأستاذ التعليم العالي
من أهم العلوم الإجتماعية والإنسانية هو علم الجغرافية، ومن أهم فروع الجغرافية هي الجغرافية الإجتماعية، ومن تفرعات الجغرافية الإجتماعية هي جغرافية الإنتخابات، لأن الإنتخابات في الدول الصاعدة أو النامية لها إرتباط قوي بين ماهو إجتماعي وما هو إنتخابي، وفق دراسة علمية ميدانية أجريت وفق استبيانات أثناء الحملة الإنتخابية لسنة 2021، أثبت أن الإنتخابات المغربية أن لها إرتباطات إجتماعية أكثر منها سياسية، ولذلك فإن برنامج الأحزاب تبقى بعيدة عن إستعاب المواطن لها كأهداف وبرامج قد تأتي أولا تأتي، في حين أن التعامل الإجتماعي، ولا أقول التواصل الإجتماعي يؤتر تأثيرا مباشرا على الميولات الإنتخابية، ولذلك نجد أن القاموس الإنتخابي للمواطن هو قاموس إجتماعي بإمتياز في أثناءالحملات الإنتخابية، ويمكن تقسيم هذا القاموس حسب الأجوبة التي تمت إلى مجموعات:
 
. المجموعة الأولى : مرتبطة بالنفعية المادية 
(القفة،الزردة، لعاقة، الزرقة، القرفية، التدويرة ، المنيلة، ...الخ ،)
 
 المجموعة الثانية: مرتبطة بالنفوذ بجميع أنواعه
مثل ( شخص واصل، شخص معروف، شخص ناجح بك ولابيك، شخص قادر)، 
 
. المجموعة الثالثة: المرتبطة بصفات سلبية 
مثل (رجل بخيل، رجل ماينفع مايضر، رجل مايقضي لك والو، رجل انتهازي لاتراه الا في الانتخابات، رجل صاحب حاجتو)،
 
المجموعة الرابعة: مرتبطة بأوصاف أخلاقية 
مثل (رجل نظيف، رجل معقول، رجل لايسرق، رجل كيخاف الله، رجل كيخدم المصلحة العامة، شخص كيوقف معا دائما في الحزة، شخص الله يعمرها دار، رجل كريم، رجل كيعطي...) 
وبما أن التعامل الإجتماعي هو الذي يجلب الأصوات، فإن الأحزاب لاتتنافس على البرامج وإنما تتنافس على التعامل الإجتماعي، والمصالح النفعية الآنية غالبا ما تنتهي بعد عملية التصويت مباشرة. وحسب الإجابات التي اعتمدتها الدراسة الموجهة الى الموطنين، وجدنا النتائج التالية:
* أن معظم المواطنين يعرفون رموز التصويت أكثر من الأحزاب وبرامجها وتوجهاتها، 
* أن التصويت يتم على الأشخاص المنتمين لأحد المجموعات المذكورة، كيفما كان الحزب والرمز، 
* أن الأحزاب تقدم للمواطن برامج حزبية وتتعامل عمليا مع برامج عرفية إنتخابية حسب وضعية كل دائرة إنتخابية سواء كانت جماعية أو برلمانية. وتتكون البرامج العرفية من النقاط التالية: 
* إقامة الولائم بجميع أنواعها ومستوياتها بطريقة مباشرة أوغير مباشرة، وهذه مرحلة لتعريف المرشح بنفسه،
* الإستماع إلى المواطنين وقضاء الحاجات المستعجلة البسيطة لهم قبل الإنتخابات،
* الزيارات الميدانية وتقديم خدمات سريعة متنوعة أثناء الزيارة، 
* تقديم وعود للمواطنين غالبا لا يمكن تطبيقها لا قانونيا ولا ماليا، 
* تقديم خطابات يتم التركيز  فيها على الطعن في كل المنافسين بدون حدود وأحيانا خارج السياق الأخلاقي 
* وضع ترتيبات معينة لايمكن الجهر بها لأنها في الغالب تكون مخالفة للقوانين، 
وتؤكد الجغرافية الإجتماعية أن الأمر لا يتعلق بتحليل الظواهر الإجتماعية والسكانية في المجال الجغرافي الإنتخابي فقط، وإنما الأمر يتعلق بتفسير ما بين العلاقات الاجتماعية والعلاقات المكانية في كل دائرة على حدى، حيث يتكون رأي عام محلي في كل الدوائر الإنتخابية، حسب قوة الصراع والتأثير المحلي. وتقدم الجغرافية الإجتماعية والإنتخابية حقائق المكان الجغرافي القوية، التي تؤثر في الناخبين، وتسيطر على عقولهم، في كل دائرة إنتخابية كيف ماكانت. ويوجد في كل دائرة إنتخابية خطابات متعددة، وأحيانا متناقضة، ويشارك في هذه الخطابات فعاليات محلية من جميع التيارات وتجار الإنتخابات وصناع الرأي المحلي، وتتولد في كل دائرة حالة إجتماعية متناقضة وضبابية بسبب  التركيز على أدوات الصراع الإنتخابي ونتيجة كذلك للعلاقات الاجتماعية والمكانية فإن الأمر يتحول إلى عملية التحدي بين المرشحين بدل التنافس، مما يولد أحيانا عنفا بين المتنافسين. وتتدخل في هذه العملية  والقرابة والصداقة والمصالح المشتركة، والقبلية، وهذا مايطلق عليه سوسيولوجية المكان المتحرك. هذا الوضع يتغير من فترة إلى أخرى حسب قوة المنافسين وتحركاتهم وتعاملهم مع الرأى المحلي، وفي الغالب أن الحملات والتجمعات لاتجلب أصواتا كافية، وإنما الذي يجلب الأصوات هو التنظيمات والإمكانيات المادية التي أصبحت تحدد كل شىء، 
ومن خلال بعض الإجابات نجد مايلي : 
* أن 60 % من المصوتين يصوتون عن طريق التعامل الإجتماعي الدائم أو المؤقت 
* أن 30% يصوتون بسبب التعامل الإجتماعي بسسب العوز ، 
* أن حوالي 10% يصوتون بدون أي تعامل حسب القناعات السياسية 
ويبدو أن عملية التصويت على المستوى المحلي غالبا لاتمثل تصويتا علميا تلبية للمطالب  المحلية والجهوية ، وإنما تمثل تحديا وتنافسا بين المرشحين. 
بناء على هذه المعطيات فإن الأحزاب المشاركة في الإنتخابات في يوم 8 شتنبر 2021، كلها تدخل في هذا الإطار ، بإستثناء ثلاثة أحزاب تدخل هذه بكثير من التنظيم والإمكانيات وبأساليب جديدة، مع استحضار القوانين الجديدة المؤطرة في الإنتخابات والتي فرضت تعاملا جديدا في ربط نتائج الإنتخابات الجماعات المحلية والجهوية مع الإنتخابات البرلمانية. هذه الأحزاب هي: حزب الإستقلال، وحزب العدالة والتنمية، وحزب التجمع الوطني للأحرار. وهي حزاب تميزت بوجود تنظيمات وقواعد حزبية، وتهيئ مسبق لإنتخابات 2021.
ومن اللافت للإنتباه في الدراسة، أن حزب التجمع الوطني للأحرار كون قاعدة انتخابية في فترة وجيزة، وأصبح موجودا في معظم الأقاليم والعمالات، في تنافس مع حزب الإستقلال المعروف بتنظيماته الحزبية والنقابية الذراع القوي للحزب.
 ومايلاحظ أن حزب الإستقلال وحزب التجمع الوطني للأحرار تمكنا من جلب ناخبين جدد لم يصوتوا من فئات عمرية مختلفة، بخطابين مختلفين. خطاب حزب الإستقلال جمع بين الأصالة والمعاصرة، وله تأثير على جميع الفئات العمرية، وخطاب التجمع الوطني للأحرار الذي جمع بين التجديد والبديل الممكن في المرحلة المقبلة، الذي قد يخلق المفاجأة. 
وبما أن هذه الأحزاب الثلاثة على الأقل دخلت الإنتخابات بهذه الوضعية فإن إنتخابات 2021، ستكتسي طابعا إيجابيا  في محطة أساسية من حياة الأمة المغربية، ونحن كمغاربة يجب أن نساهم جميعا في نجاح هذه الإنتخابات، لأن الرهانات المقبلة كبيرة وترافقها تحديات عابرة للحدود، ورغم ماقد يرافق هذه الإنتخابات من بعض العيوب والهفوات التي غالبا ما تصدر عن أشخاص ولا تصدر عن مؤسسات، ولاتوجد أي إنتخابات في العالم لاتعرف نقدا ولا نقصا. نحن نقر في المغرب بأننا في الطريق نسير وفق وعي المواطن مع التشبت بالمسار الديمقراطي الذي كرسه دستور 2011، مع الإشارة على أن الإدارة المعنية بالإشراف على الإنتخابات قد وفرت الجوانب المادية واللوجستية للجميع، وأي حزب يختاره المغاربة يحب دعمه من أي موقع ليقود المرحلة المقبلة التي سيتم فيها تنزيل النموذج التنموي الجديد.
ومن المعلوم أن النتائج الإنتخابية ليوم 8 شتنبر 2021، ستكون نتائج سياسية بالدرجة الأولى، لكنها تعكس الحالة الإجتماعية للمغرب بكل مكوناته، وبالتالي فإنها ستكون مقبولة، لأنه لايمكن إستيراد وضع اجتماعي من الخارج، وإسقاط نتائج انتخابية بعيدة عن الواقع الإجتماعي والسياسي، وهذا مايطلق عليه الديموقراطية الإجتماعية. 

حسن عبيابة، وزير سابق وأستاذ التعليم العالي
 
 
 ملاحظة: هذا جزء من الدراسة فقط مختصر وستستكمل بعد إعلان النتائج