تتكاثر أسباب اللجوء إلى مصلحة تصحيح الإمضاءات التابعة لوزارة الخارجية خلال موسم العطلة الصيفية. لازالت الخدمات الإدارية البسيطة تُدبّر بأساليب قديمة تعيد إنتاج البيروقراطية العتيقة وما ينتج عنها من آثار سلبية على من قصدها. ولازالت هذه الوزارة تتناسى أهمية تبسيط المساطر الإدارية التي نادى بها عاهل البلاد منذ سنين. ولهذا وجب على الوزير أن ينكب على ضرورة إصلاح تدبير ملف لازال يخضع لواقع إداري ينتمي إلى الماضي.
وجب التذكير أن كثيرًا من المقاطعات الحضرية تجاوزت بكثير مصلحة تابعة لوزارة يجب أن تعتبر الخدمات الإدارية جزءًا مهمًا من العمل الدبلوماسي. صدق من قال إن "لكل جواد كبوة". ولهذا وجب إثارة انتباه وزير الخارجية إلى أحد مكامن ضعف مصالح الوزارة التي يشرف على تدبيرها إلى أجل مسمى. قادتني واجبات الوفاء لصديق فلسطيني، يعيش خارج الرباط، للتوجه إلى مصلحة المصادقة على التوقيعات التي توجد في زنقة "تمصلوحت" بالقرب من زنقة البريهي حيث توجد مقرات الإذاعة والتلفزيون المغربي. وصلت إلى عنوان هذه المصلحة التابعة لوزارة الخارجية، وكان الموعد مع مؤسسة لازالت تنتمي إلى عهد ما قبل الرقمنة. تزدحم السيارات عند مدخل زنقة تمصلوحت. تتفاجأ بوجود أصحاب السترة الصفراء ذوي النفوذ، وذوي القوة الخارقة لتمكينك من وضع سيارتك في أماكن ضيقة، ولو كانت كل الطرق تمنع التوجه إلى "روما" عكس المأثور من القول. لا يكتفي حارس السيارات بدور السيطرة على المكان، ولكنه يسألك عن سبب مجيئك إلى مصلحة تصحيح الإمضاءات التي يقصدها الأجانب المقيمون بالمغرب، والمغاربة المقيمون خارج المغرب.
يتحول حارس السيارات إلى سمسار يساومك على قضاء حاجتك دون انتظار دورك. ويؤكد لك أن وثائقك ستكون رهن إشارتك دون حاجة إلى انتظار قد يصل إلى ثلاث ساعات. رفضت خدمات السمسار الذي يسيطر على دخول السيارات إلى زنقة تمصلوحت.
انتظرت طويلًا. وصلت سيارات فخمة وتم استقبال راكبها بكثير من الاحترام، وبكثير من الإهانة لمن ينتظرون. يتدخل بين الفينة والأخرى بعض الموظفين من القوات المساعدة، وبعض موظفي شركات الأمن، لتوجيه الناس إلى قاعة انتظار ذات قدرة استيعابية صغيرة. يفضل الكثيرون الانتظار خارج المبنى في انتظار الإعلان عن الرقم الذي يُسلّم للمرتفق عند وصوله إلى إدارة التصديق على التوقيعات.
لا أدري إن كانت وزارة الخارجية قد اهتمت، بما يلزم من الحزم، بهذا المرفق الإداري. لا تكاد تدخل إلى هذه الإدارة حتى تجد نفسك في صف أول من الانتظار، ثم تدخل مكتبًا آخر يحيلك، بعد انتظار، إلى صف ثانٍ قبل الدخول إلى قاعة انتظار ثانية، ومن هناك إلى مكتب التوقيع، ثم انتظار آخر قبل استلام وثيقة تحمل طابعًا وتوقيعًا يؤكد أن التوقيع صحيح.
أخجل حين أرى هذا المشهد المتأخر عن عالم اليوم. سوف يكون من الأجدر حذف أسباب الازدحام عبر تكوين أقل من خمسة مسؤولين يراجعون الملفات ويوقعون عليها بدل حصر التوقيع في سلطة موظف واحد. والمؤكد أيضًا أن يتم الاهتمام براحة المرتفق عبر تخصيص مكان يليق بمكانة وزارة الخارجية.
أخجل حين أرى هذا المشهد المتأخر عن عالم اليوم. سوف يكون من الأجدر حذف أسباب الازدحام عبر تكوين أقل من خمسة مسؤولين يراجعون الملفات ويوقعون عليها بدل حصر التوقيع في سلطة موظف واحد. والمؤكد أيضًا أن يتم الاهتمام براحة المرتفق عبر تخصيص مكان يليق بمكانة وزارة الخارجية.
أظن أن هذه الوزارة تغفل الدور الدبلوماسي لهذه المصلحة، وربما تجهل علاقة نوعية خدماتها مع صورة بلادنا. يجب أن نعلم أن عدد الأجانب المقيمين بالمغرب كبير، وكذلك عدد المغاربة المقيمين خارج المغرب الذين يحتاجون لخدمة تتلخص في التصديق على توقيع أو وضع ختم على وثيقة، ولو كانت شهادة ميلاد مسلمة من سفارة معتمدة في المغرب.
وصل دوري لكي أحصل على ختم شهادة ميلاد صديقي الفلسطيني الذي يقيم خارج الرباط، والذي يقيم بالمغرب منذ 1973، والذي لديه أبناء وأحفاد مغاربة. وخلال فترة انتظاري، التي امتدت لأكثر من ساعتين، شاهدت سلوكات كدت أن أصفها بالعنصرية، وهي في واقع الأمر نتيجة سلوك شخصي لموظفين عاديين.
تقدم شخصان من مواطني بلاد من جنوب الصحراء، للتصديق على شهادة تثبت أنهما طبيبان مختصان. نظر الموظف إليهما بكثير من التعالي، وأخذ يعاتبهما على اختيارهما الذهاب إلى ألمانيا، وعدم خدمتهما للمغرب الذي تَكَوّنا في كلياته. كتمت غيظي، وحاولت أن أضبط نفسي الأمارة بضرورة تنبيه موظف بسيط إلى عدم الإساءة إلى من هم أعلى منه مرتبة علمية ومهنية.
تبين لي بالملموس أن وزارة الخارجية لا تنتبه إلى أن خدمة المقيمين بالمغرب، والمغاربة المقيمين خارجه، تحتاج إلى كثير من الجهد التنظيمي والحرص على صيانة خدمة دبلوماسية بامتياز. لقد حان وقت الانتباه أن العالم يعيش في زمن الرقمنة. وقد أصبح من أوجب واجبات الوزير بوريطة العمل على حماية مغاربة العالم، وحماية الأجانب المقيمين بالمغرب من نتائج خدمات إدارية لازالت تعيش في زمن إداري متخلف مضى وتولى إلى غير رجعة. ولا حاجة للتذكير بالخدمات القنصلية التي لازالت على حالها رغم كل ما قيل في شأنها.