الأربعاء 8 مايو 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: تعنيف أستاذ ورزازات يكشف الحلقة الأخيرة لوصول الدولة للقضاء النهائي على المدرسة العمومية

صافي الدين البدالي: تعنيف أستاذ ورزازات يكشف الحلقة الأخيرة لوصول الدولة للقضاء النهائي على المدرسة العمومية

لما شاهدت الفيديو الذي يبين تلميذا يعنف أستاذه بأحد المؤسسات بورزازات بشكل همجي، لم أقدر على كبح دموعي، لأني أحسست بالغبن وبالحكرة في هذا الزمان، وشعرت بأن أمتنا في طريقها إلى الموت الأخلاقي والتربوي والإنساني، وأيقنت بأن الأخلاق منها قد ذهبت، فصدق على أمتنا هذه قول الشاعر أحمد شوقي "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت/ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا/ وإذا أصيب القوم في أخلاقهم/ فأقم عليهم مأتما وعويلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه/ فقوّم النفس بالأخلاق تستقم/ الأمم تضمحل وتندثر إذا ما انعدمت فيها الأخلاق/ فساد فيها الكذب والخداع والغش والفساد/ حتى ليأتي يوم يصبح فيها الخلوق القوي الأمين غريباً منبوذاً لا يؤخذ له رأي/ ولا تسند إليه أمانة/ فمن يريد الأمين في بلد عم فيه الفساد وساد فيه الكذوب الخدّاع المنافق؟!"

تألمت كثيرا لما رأيت ذاك المشهد، لأن لي أساتذة أصدقاء أقدرهم وأحترمهم كجميع الأساتذة، ومنهم من كان تلميذا لي، لما أصبحوا يعيشونه من ترد تعليمي خطير جاء نتيجة سياسة تعليمية تسعى إلى تحطيم التعليم بالقضاء على المدرسة العمومية من داخلها من خلال تحطيم الأستاذ وتحويل التلميذ إلى عدو له حتى يقوم بتعنيفه أو بتصفيته وتحويل المدرسة إلى معترك بين التلاميذ والأساتذة وإلى ممارسة كل أشكال العنف والتخريب.

لقد ألمني هذا المشهد لأني سبق أن كنت أستاذا، ولم أعش مثل هذا المشهد الدرامي والغريب في مدارسنا في السابق. لكن ما ظل يحز في نفسي، هو الطريقة الاحترافية التي تم بها تصوير الفيديو، وكيف يتظاهر التلاميذ بأنهم حاولوا إنقاذ الأستاذ، وكأن الأمر مبيت من قبل، ثم ما القصد من ارتكاب هذه الجريمة ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الوقت بالذات؟ هل هي رسالة للكشف عن آخر صيحة من السلوك بالمدارس العمومية؟ أم هي رسالة للأساتذة بأن مصيرهم هو مصير زميلهم؟ ولماذا لا يتم هذا السلوك المشين في المدارس الخصوصية؟

إنها أسئلة على كل رجال التعليم والنقابات والجمعيات التربوية وجمعيات الآباء الانكباب عليها والبحث فيها والبحث عن السبل التربوية والبيداغوجية للمصالحة مع المدرسة ومع التلاميذ، من خلال أوراش تواصلية واجتماعية وفنية وثقافية متعددة لاسترجاع موقع المدرسة المشرق والمشرف واسترجاع مكانة الأستاذ الريادية وموقع التلميذ/المستقبل الواعد والأب في المنظومة التربوية، لأنه في اعتقادي وصلت الدولة إلى الحلقة الأخيرة للقضاء النهائي على المدرسة العمومية، مقابل تشجيع التعليم الخصوصي والتخلص النهائي من قطاع اسمه التعليم العمومي.