الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: الزلزال السياسي ينبغي أن يصل مداه

سعيد الكحل: الزلزال السياسي ينبغي أن يصل مداه

كان لقرار الملك إعفاء مسئولين حكوميين وإداريين على خلفية إخلالهم بمسئولياتهم الوطنية الذي أفقدتهم ثقة الشعب والملك معا ، الأثر الطيب في نفوس عموم المواطنين الذين تملّكهم اليأس من محاسبة المسئولين وكل الفاسدين طيلة عقود . وتعدّ هذه المرة الأولى في تاريخ مغرب الاستقلال التي يتم فيها إعفاء 14 مسئولا حكوميا وإداريا دفعة واحدة ، بسبب ضعف الأداء أو الإخلال بالمسئولية . عادة كان المسئولون فوق القانون ولا تمسهم المساطر الإدارية . وحتى يكون لقرار الملك امتداداته في الزمان والمكان وأثره في مواجهة دوافع اليأس من التغيير لدى المواطنين ، وفي نفس الوقت تحفيز الشباب على المشاركة السياسة عبر إقناعهم بجدوى المشاركة في الانتخابات والتنافس على إدارة الشأن العام ، فإن الأمر يلزم أن يشمل "الزلزال" بنيات الدولة السياسية والإدارية والقضائية والاقتصادية حتى يتم القطع مع سياسة اللاعقاب وتكريس ، في المقابل، مبدأ ربط المسئولية بالمحاسبة . وأولى المقومات التي تعطي لقرار الملك هذا بعده السياسي والاجتماعي على المدى القريب والمتوسط :
1 ــ إطلاق سراح كافة نشطاء الريف المعتقلين بعد أن أثبت تقرير المجلس الأعلى للحسابات تعثر/توقف 555 مشروعا من أصل 600 ، وكذا نشطاء زاكورة . إذ إلى هؤلاء جميعا يعود الفضل في تنزيل الفصل 1 من الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة بعد مرور 6 سنوات على تعديله. وكذا الفصل 154 الذي يُخضع "المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية". ومادام قرار الإعفاء جاء نتيجة لإخلال المسئولين بمهامهم ، فإن المحتجين ضد الفساد والكاشفين عنه أحق أن يشملهم العفو ، إن لم يكن من باب الإنصاف لهم فعلى الأقل من باب الاستجابة للملتمسات التي تقدمت بها هيئات مدنية وحقوقية وسياسية .
2 ــ محاسبة الهيئات السياسية على أداء أعضائها داخل الحكومة . ذلك أن الوزير ليس موظفا يمكن إخضاعه لقانون الوظيفة العمومية ، بل هو ممثل لهيئته السياسية التي يطبق برنامجها ، ومن ثم فهي مسئولة عن تأطيره وتوجيهه ومرافقته . ومن شأن الربط بين المسئول والهيئة الحزبية أن يفرض على الأخيرة تشكيل لجان وضع البرامج وتتبع تطبيقها في حالة مشاركتها في الحكومة . وأي محاسبة الأحزاب ستفرض عليها اختيار الكفاءات المناسبة للمناصب الوزارية أو الإدارية والقطع مع منطق الزبونية والريع السياسي .
3 ــ تحميل رئيس الحكومة المسئولية الأولى عن تعثر إنجاز المشاريع أو التقصير في أداء المهام باعتباره المنسق بين الوزراء والمسئول المباشر عن اختيارهم ، فضلا عن صلاحيته الدستورية التي تسمح له بتقديم طلب إلى الملك يعفي بموجبه الوزير أو الوزراء المقصرين وفق الفصل 47 من الدستور . وكل فشل في أي قطاع حكومي لم يتداركه رئيس الحكومة أو تغاضى عنه تحت ضغط أي حزب ، فإن المسئولية يتحملها رئيس الحكومة الذي أخلّ بواجبه الوطني والدستوري وجعل الحزب فوق مصلحة الشعب والوطن .
4 ــ إخضاع كل القطاعات العمومية والشبه عمومية إلى التفتيش الدوري ومحاسبة كل المسئولين الذين يثبت في حقهم الإخلال بالواجب . ذلك أن غياب المحاسبة يشجع على التراخي والتقصير في أداء المهام كأضعف الإيمان ، فيما يغري فئات أخرى من المسئولين بالنهب والتبذير . فكلما غاب أو تعطل القانون اتسع مدى الفساد والنهب وضاعت ، بالتالي، مصالح المواطنين .
5 ــ مبدأ المحاسبة لا ينبغي أن يقتصر على إعفاء المسئول من المنصب الحكومي أو الإداري ، بقدر ما يستوجب إخضاعه للمحاكمة العادلة لعدة اعتبارات أهمها :
أ ــ إن تقصيره/إخلاله بالواجب تكون له تداعيات على مصالح المواطنين ومعيشهم اليومي وظروف حياتهم العامة . فبقدر الضرر الذي يلحقه بالمواطنين يكون العقاب . إذ ما فائدة إعفاء مسئول عطّل إنجاز طريق أو كهْربة منطقة أو بناء مستشفى أو تشييد مؤسسة تعليمية مادام هذا التقصير تسبب في مزيد من المعانة والتهميش والحرمان لكثير من المواطنين .
ب ــ إن المحاكمة فيها إنصاف للمتضررين وتعويض معنوي يعيد لهم الاعتبار كمواطنين متساوين في المواطنة مع بقية أفراد الشعب.وأي إعفاء دون عقاب مهما كان نوعه ، يزيد المتضررين شعورا بالغبن و"الحكرة". وهذا الشعور هو الذي أجج احتجاجات الريف التي كشف تقرير السيد جطو أنها كانت مشروعة .
ج ــ إعادة الثقة للمواطنين في المؤسسات الدستورية وجعلهم يشعرون أنها تمثل إرادتهم وتستجيب لانتظاراتهم ، ومن ثم ردم الهوة بين المواطنين والدولة .
د ــ تكريس دولة الحق والقانون وفصل السلط والقطع مع المزاجية في تطبيق القانون . فعلى مدى عقود لم يشهد المواطنون محاكمة مسئولين عن الفساد أو التقصير ، وحتى وإن جرت محاكمات فهي إما صورية أو تكون أحكامها بالبراءة .
هـ ــ إن الإعفاء دون محاكمة/عقاب هو مساس بقدسية الدستور وخرق لفصوله التي تنص على ربط المسئولية بالمحاسبة .
نأمل أن يبدأ المغرب عهدا سياسيا حقيقيا يؤسس فعلا لدولة الحق والقانون ويقطع مع مرحلة الارتشاء والفساد والإفلات من العقاب . يكفي ما ضاع من الفرص ومن الثروات ،وسيظل الفساد مؤذنا بالخراب والعدل أساس الملك .