ما فتئت القوى الوطنية، منذ فجر الاستقلال، تؤكد على الدور الرائد الذي يلعبه الشباب وتنادي بضرورة توجيه الاهتمام لهذه الفئة العريضة التي تشكل القلب النابض لنهضة الشعوب. ومن جهته لم يغفل الملك هذه الفئة من أولويات اهتماماته إذا ما عدنا لخطاباته (من ذلك خطاب 20 غشت 2012 والخطاب الأخير لافتتاح الدورة التشريعية، والذي تناول الشباب كفاعل جديد له وزنه و تأثيره على الحياة الوطنية)، مع ضرورة التنبيه لإشارة مهمة، وهي أن خطابات الملك ليست مجرد كلام توجيهي وإنما بالعودة لصاحب الخطاب فهي تشكل الفكر السياسي لرئيس الدولة. إضافة لبعض المؤسسات الحكومية والغير الحكومية والقوى الحية الجادة التي ما انفكت تتبنى نفس التصور.
من جهتنا نشيد بمبادرات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا المجال (من ذلك تخصيصه من وقته لقضايا الشباب في الدورة 23 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الدليل التكويني الذي أعده للشباب بشراكة مع منظمة اليونيسكو، وقوفه على ظاهرة العزوف الانتخابي..).
إننا كي نقدم ملتمساتنا وانتظاراتنا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجب علينا أولا أن نقدم لكم ما نراه من تعثرات تحول دون أن نكون نحن الشباب فاعلين ومتفاعلين في محيطنا وتعيق أداءنا للدور المنوط بنا -تعثرات يحكمها فقدان الهدف المشترك في حياة الشباب منذ إعلان الاستقلال مما أطلق العنان في حالات كثيرة لإحساسه/نا الأناني وصبغ سلوكه/نا على العموم بصبغة التشاؤم العقيم- . وفي ما يلي البيان :
1- الضرب في تكافؤ الفرص في التعليم الجامعي، ولاسيما بالتوجه إلى الجامعات الخاصة كان أفظع نماذجها كلية الطب الخاصة التي لم نسمع عن نظيرها في الدول المتقدمة؛
2 - بروز وتفاقم ظواهر معتلة في الجامعة العمومية من ذلك الجنس مقابل النقط، العنف الجامعي الذي بدوره يأخذ عدة أشكال: طلبة-طلبة (بين الفصائل) طلبة أساتذة (حادثة الأستاذة مدرسة اللغة الفرنسية بجامعة الحسن الأول بسطات) أساتذة طلبة (وهو عنف معنوي أكاديمي حين يتم إطفاء شعل الشباب المجتهدة بابتزازها إما بالجنس أو بأن يكونوا لهم مخبرين أو متملقين أو يرتدون نفس ثوبهم الفكري).. وإن مرد هذا العنف لهو الفراغ: إن على المستوى الأخلاقي و ما يعرفه مجتمعنا اليوم من تراجع قيمي أو على جودة التكوين والتحصيل على اعتبار أننا في زمن عولمة المعلومة، المدارس هي للتربية قبل أن تكون للتعليم والجامعات هي للتكوين قبل أن تكون للتحصيل
Quand le vide existe ; l’extrémisme apparait
3- يتولد عن ما أنف الإقصاء والتيه والشعور بعدم التمكن من إثبات الذات الشيء الذي قد يؤدي للهجرة في صورتها الاضطرارية (هجرة الأدمغة، الهجرة السرية) الإنضمام لمجموعات إرهابية؛
4- عدم الاندماج في سوق الشغل، مع تحفظنا على الطرح القائل بأن الجامعة تفرخ البطالة، لأن العلم غاية في ذاته أكثر منه وسيلة للارتقاء الاجتماعي، وإنما نسجل عدم الملاءمة بين المعارف المكتسبة وعدم مواكبتها لاستثمارها في الميدان العملي ومرد هذا لتوجه الدولة في إيقاف المجهود في سياسة التعليم لحل مشكل البطالة؛
5- عدم إقبال الشباب على الانخراط في العمل الحزبي، ونستحضر تصريح محمد الصبار بأن نسبة 1 في المائة من تمارس العمل الحزبي، ومرد هذا لتحول أغلب الأحزاب السياسية لإخطبوطات عائلية وعلاقات معقدة من الولاءات والقرابات (ويا ليت الفساد الحزبي اقتصر على التنظيمات وحدها بل امتد للقواعد بتهجير المناضلين الشباب الصادقين واستبدالهم بآخرين يحملون ثقافة آمين لما تمليه القيادات.. وهذا هو أخطر تحول يشهده المشهد الحزبي المغربي اليوم هو تهجين هوية الأحزاب، خاصة تلك التي كانت معروفة في الأمس القريب بمواقفها الوطنية).. زد على ذلك ريع الكوتا والأسلوب الانتقائي المعتمد الذي نجهل أي مسطرة تنهجها يخصوصه الأحزاب؛
6- التدبير العنيف للفعل الاحتجاجي السليم للشباب في دولة تزعم أنها تشق طريقها نحو الديمقراطية (الحركات الاحتجاجية للمعطلين حملة الشواهد العليا، للأساتذة المتدربين، للأطباء.. لشباب حراك الريف..) تدبير يعود بنا لتواريخ مظلمة (1965-1981-1990)...
إننا أمام هذه التعثرات التي لا تستجيب لمناخ ديمقراطي دستوري سليم نشارك ملك البلاد طموحنا إليه، نطرح سؤالا أعمق من سؤال سبق طرحه يتعلق بالمصالحة مع الماضي، وهو سؤال "المصالحة مع المستقبل"، خاصة مع ما نسمع عنه اليوم من احتجاجات واعتقالات في ما يخص حراك الريف. إننا نقترح لمعالجة سؤال حقوق الشباب هذا والمصالحة الوطنية ما يلي من ملتمسات نرجو من المجلس الوطني لحقوق الإنسان الأخذ بها أو ببعضها :
1- أن يتكون المجلس من لجنة وطنية دائمة تعنى بحقوق وقضايا الشباب ولجان جهوية ومحلية (منتخبة احتراما لمبدأ التداول) يتعدى دورها الرصد إلى الفعل والمشاركة؛
2- إصدار توصيات بالتعجيل بالمجلس الاستشاري للشباب تفعيلا للفصل 33 من الدستور و يضم لزوما عضوين على الأقل من اللجنة الدائمة الأنفة الذكر؛
3- رفع مذكرة للحكومة تقضي بضرورة بلورة ميثاق وطني حول التعليم والتكوين المهني والبحث العلمي واضح في فلسفته وإشراك عضوين على الأقل من المجلس في وضعه، وكذا التخلي عن العمل بتوصيات المؤسسات الرأسمالية الدولية لضرب مجانية التعليم وإلى تقسيم جديد للمعرفة العلمية؛
4- رفع مذكرة للحكومة تقضي بإعادة النظر في النظام الجديد لتقنين المنح يتعميمها والرفع من قيمتها لاعتبارها بندا أساسيا في إدماج الطالب في محيطه الاجتماعي واستقلالية شخصيته بما يؤهله لإدارة حياته الجامعية؛
5- إن ترسيخ ثقافة حقوقية ترسيخا ناجعا لا يمكن أن يمنح في طبق من المحاضرات والحملات التوعوية أو المقالات، وإنما الثقافة الحقوقية تعاش وتمارس حتى تستوعب وتستثمر في نحوها السليم.. لذلك نلتمس من المجلس أن يخصص لجانا/خلايا تعنى بالشباب ومؤسساتهم في الأحياء الشعبية وتوزيعها توزيعا عادلا وعقلانيا وإيصالها للأحياء المهمشة والأقاليم النائية تعنى بالرصد والتدخل عند الاقتضاء و نقل الوضع للجهات المعنية؛
6- قيام هذه اللجان المحلية والجهوية، وكذا اللجنة الوطنية بتبادل الزيارات مع الشباب العربي والعالمي لتبادل الخبرات؛
Pour développer leurs savoir faire et leurs savoir être
7- إصدار توصيات بتعميم الأنشطة الرياضية الشبابية في المؤسسات التعليمية والإنتاجية وتشجيع العمل التطوعي للشباب المغربي...
8- إرسال لجان لتقصي ما يحدث من ظواهر معتلة سبق ذكرها بالجامعات المغربية والتحقيق في مظاهر الزبونية في امتحانات الماستر والدكتوراه وريع المنح الدولية التي لا يتم الإعلان عليها أو عن كيفية الاستفادة منها في سبورات الإعلانات التي تهم الطلبة؛
9- أن يشرك شباب المجلس في السياسات العمومية المتجهة لهذه الفئة موضوع الاهتمام وفي مختلف مراحلها (مرحلة الانجاز، تتبع التنفيذ، مرحلة التقييم، قياس آثارها في المجتمع)، لاسيما تلك الخاصة بالتشغيل و البحث العلمي؛
10- رفع مذكرة للحكومة تقضي بالإسراع في إيجاد حل للخريجين وتخويلهم أخذ مواقعهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي بما يناسب مؤهلاتهم واحتضان الأدمغة وتشجيع الخريجين المتفوقين؛
11- إصدار توصيات بإلغاء الكوتا كحل مؤقت لم يعط أكله، على اعتبار أن التمكين السياسي يأتي عبر التدرج النضالي والنزول للشارع والتواصل مع الجماهير الشعبية والتدرب على إعداد برامج سياسية واعتماد وسيلة الإقناع كوسيلة من وسائل علم السياسة، إن الكوتا بشكلها هذا تؤسس لنخبة ريعية هجينة أصبحت تستنكر أداءها أعلى سلطة سياسية بالبلاد...
انطلاقا من إيماننا العميق بأن الشباب المغربي قادر على أن يؤدي دوره الطلائعي في الحاضر كما أداه على أكمل وجه في الماضي القريب (دوره في استقلال البلاد )، إن توفرت له الشروط الممكنة، فالشباب هم النور وسرمدية الأمل، هم اليوم والغد، هم العطاء... نأمل من المجلس أن يأخذ مقترحاتنا بتأن لأنها تتجه للمدى البعيد مستحضرا أن الشباب هم شموس الغد الساطعة.