الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

المفكر سعيد بنسعيد العلوي لـ "مدارات": الدين قضية مقدسة والسياسة صراع برامج (1)

المفكر سعيد بنسعيد العلوي لـ "مدارات": الدين قضية مقدسة والسياسة صراع برامج (1) المفكر سعيد بنسعيد العلوي (يسارا) والزميل عبد الإله التهاني

استضاف برنامج "مدارات" المفكر والكاتب سعيد بنسعيد  العلوي، مساء يوم الثلاثاء 29 يونيو 2021، حيث حاوره الإعلامي عبد الإله التهاني، في مختلف القضايا والموضوعات التي انشغل بها، على امتداد مساره الفكري والأكاديمي الغزير والمتنوع، والذي تجاوز أربعة عقود، وتعزز ببعد إبداعي ممثلا في كتاباته الروائية المتميزة.

 

في هذه الحلقة (وفي جزئها الأول) تحدث الدكتور سعيد بنسعيد العلوي، حول أبرز الإشكاليات والقضايا التي تناولها  الفكر الفلسفي والديني والسياسي العربي والإسلامي، قديمه وحديثه، مع استعراض ملامح من مشروعه البحثي، الذي انخرط فيه منذ رسالته الجامعية حول "الفكر السياسي عند الماوردي"، وأطروحته حول "الخطاب الأشعري"، كمساهمة رائدة منه في دراسة العقل العربي الاسلامي، ثم واصله بدراساته المتميزة حول مختلف تجليات وتيارات الفكر العربي المعاصر، مع اهتمامه بتجربة النخبة المغربية في التعاطي مع مشروع   النهضة ومتطلباته.

 

عن مسار سعيد بنسعيد العلوي

قال الزميل عبد الإله التهاني: "ليس سهلا اختزال مسار الدكتور سعيد بنسعيد العلوي العلمي والبحثي الذي تجاوز أربعة عقود (40 سنة) في بعض الجمل، بصفته أحد أبرز الوجوه المغربية في المشهد الثقافي والفكري والفلسفي. هو أستاذ جامعي له تجربة رائدة كعميد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. شخصية ظلت تنحت حضورها المنتج في مختلف الدراسات والأبحاث والتأملات الفكرية والفلسفة والفقه العربي الإسلامي، متصديا بالدرس والتحليل للعديد من الظواهر من خلال رؤية وفهم عميق لكل ما أنتجته الثقافات الإنسانية شرقا وغربا".

 

المفكر والكاتب والروائي سعيد بنسعيد حسب وصف عبد الإله التهاني، في برنامج حوار الثقافة والمجتمع، بـ "الأستاذ المحاضر الذي يتحرك ويتنقل بسلاسة في أبحاثه وكتاباته بحكم معرفته الواسعة واطلاعه على ثقافة الأمم الأخرى"، حيث وصفه بواحد من "صفوة النخبة الرائدة، بغزارة علمه. و عقلا موزعا في عدة عقول..".

 

ومن سجل أعماله وإنتاجاته الفكرية والأدبية ذكر الزميل عبد الإله التهاني بعضا من عناوين كتبه نذكر منها دراسة عن "دولة الخلافة.." وكتاب "الإيديولوجيا والحداثة" و"الفقه والسياسة" و"الاجتهاد والتحديث" و"الخطاب الأشعري.." و"الإسلام وأسئلة الحاضر" و"الوطنية والتحديث في المغرب" و"خطاب الشرعية السياسية في الإسلام السني" و"العدالة أولا" و"دولة الإسلام السياسي وَهْمُ الدولة الإسلامية" و"أوروبا في مرآة المرحلة"... هذا بالإضافة إلى عناوين أعماله الروائية، "مسك الليل" و"الخديعة" و"ثورة المريدين" و"سبع ليالي وثمانية أيام" و"حبس قارة".

 

الإرهاصات الأولى لاهتمامات المفكر والكاتب سعيد بنسعيد

كانت بداية المس بهوس القراءة والكتابة والتحليل في مرحلة "الطالب الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بشعبة الفلسفة التي كانت تضم درس علم الاجتماع وعلم النفس. أنا أنتمي لجيل النظام القديم الذي حصل على الإجازة بعد سنة أولى تحضيرية/ جذع مشترك، وتحضير مجموعة من الشهادات"، يوضح ضيف برنامج "مدارات"، الذي أكد على أن التكوين والدراسة الجامعية آنذاك كانت تلزم طالب الشعبة بـ "المرور بجوانب من التكوين في حقول معرفية كعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة وتاريخها، ودراسة المنطق والفكر والفلسفة الإسلامية".

 

مهنيا استطاع ضيف الحلقة باعتباره متخرجا من الكلية ومرتبطا بعقدة مع وزارة التربية والتعليم أن يزاول مهنة التدريس مدة 7 سنوات بالثانوي حيث أشار إلى أن "برنامج الدرس الفلسفي في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات كان برنامجا واسعا يستعمل فروعا شتى في منطق الفلسفة حيث تمتد ساعات التدريس إلى 8 ساعات أسبوعيا...كان مقرر الفلسفة حامل للتنوع والتعدد".

 

عن جيله من الأساتذة قال "كان علينا في السنة الأولى والثانية أن نقرأ ونتعلم باستمرار"، لذلك يعتبر نفسه من جيل الأستاذة الذين قدموا خدمات في حقل التربية والتعليم بقوله: "كنا أمام مبحث ومفهوم جديد (التخلف والبلاد المتخلفة). وكان تقديم الدرس الفلسفي يوازي إلقاء محاضرة جامعية في الثانوي". وأستطرد قائلا: "كان علينا أن ننتظر الكتابات الفلسفية وصدورها عن مفكرين من فرنسا".

 

في الدرس الفلسفي ...المدرس تلميذ بدوره

واعتبر المفكر والكاتب الروائي سعيد بسعيد العلوي أن "المدرس تلميذ بدوره"، مضيفا بأنه إذا "أردت أن أفهم مسألة ما يجب أن أفسرها لغيري" مطبقا مفهوم "ديالكتيك التعلم من خلال التعليم". مؤكدا على أنه "مدين لهذه المرحلة في حياتي. كانت لها إفادات كثيرة على المستوى البيداغوجي والعلمي والمعرفي".

وعن طبيعة اهتماماته قال بأن "الأصل والمنطلق هو التكوين الفلسفي الحديث والمعاصر والقديم أيضا، والانفتاح على المناهج التي نشأت في حضن العلوم الدقيقة ثم العلوم الإنسانية"؛ وشدد على أن هذه المادة "مكتسبة من هذا التراث المشترك للإنسانية، الذي علينا قراءته قراءة جديدة. لأننا كنا مهمومين بالفترة التي نوحد فيها. كان لأبناء جيلنا هما بالسياسة والشأن السياسي وبما يحدث في العالم من أحداث وتطورات". مؤكدا على أن "العطاء هو عطاء البشرية جمعاء، والباحثون طوروا زادهم المعرفي". لذلك يرى أنه من الضروري "قراءة مفكرين عرب ومسلمين بمناهج جديدة، وهي التي تمدهم بها المنهجية المعاصرة"...

 

إن تحليل هم وإشكاليات السياسة والتخلف والتقدم وإصلاح الأحوال جعلت ضيف الحلقة يتجه فكريا نحو الفكر السياسي الإسلامي بمنظور أبرز أعلام الفكر السياسي الإسلامي أبو الحسن الماوردي حيث قال: "في فكرنا العربي الإسلامي لا تزال أسئلة شائكة وقضايا كبرى مطروحة على بساط البحث".. وأوضح بأن أبو الحسن الماوردي "كان موضع اهتمام فئتين من الدارسين... فئة الفقهاء وفئة الحقوقيون" باعتباره فقيها شافعيا (عمدة في المذهب الشافعي) تشهد عليه كتبه ومؤلفاته في الأحكام السلطانية وكتب أخرى تدرس من قبل الفقهاء. وتناوله قضية الخلافة وأحكام المدينة الإسلامية، وسؤال ما القول في وزارة التفويض، والإمارة، والخراج والتي كانت موضع دراسة من قبل الحقوقيين. ليخلص إلى أن "الجديد أن يقوم طالب فلسفة بمساءلة فكر أبو الحسن الماوردي من خلال مبحث الإمامة العظمى".

 

إيديولوجيا "الماوردي" ومسألة توظيف الدين في خدمة السياسة

في سياق متصل أوضح بأن "السياسة موجودة في كل شيء. والمفكر السياسي عندما يكتب يدعي أنه يشرع نظرية باسم العقل والإنسانية... لكن في الواقع أن المفكر السياسي يصوغ النظرية ظاهرها شمولية لكل الإنسانية في كل زمان...يقوم بقراءة العالم والمحيط الذي يعيش فيه". لكن في عالم أبو الحسن الماوردي "كانت المعادلة فيه بسيطة" يقول المفكر سعيد بنسعيد لينتقل إلى "الخلافة العباسية التي كانت تعيش أضعف مراحل وجودها، والتي جعلت للخلافة سلطة إسمية فقط والسلطة الفعلية للأمراء والجيش والسلاطين". لذلك كانت خلاصة الماوردي تتجه نحو "تبرير ما هو موجود. وأفلح في التبرير لإعطاء الصبغة الشرعية لواقع غير مشروع"، علما أن "السلطة الفعلية في يد الجيش والسلطة الإسمية في يد الخليفة". وهذا ما أطلق عليه نفس المتحدث "العمل الإيديولوجي"، حيث وصف الكتابة السياسية عند الماوردي بـ "نوع من الكتابة الإيديولوجية التي تهدف تبرير واقع هو في حاجة إلى تبرير حتى يصير مقبولا" حسب تفسيره.

 

في نفس السياق شدد المفكر والكتاب سعيد بنسعيد على أن "الصلة بين الدين وبين السياسة في الوجود العربي والإسلامي، والصراع القائم كان يحسم لصالح السياسة على حساب الدين. أي توظيف الدين في خدمة السياسة".

 

اهتمامات ضيف حلقة حوار في الثقافة والمجتمع الفكرية، واشتغاله لعدة سنوات على أطروحته الفلسفية (الخطاب الأشعري) فتحت له عدة جبهات على مستوى الفكر العربي المعاصر، والفكر السياسي الغربي، وكان كثير الإسهام هنا في الحوار والنقاش في المؤتمرات والمحاضرات لهذه الاعتبارات قال "لم أنقطع يوما عن القراءة والتعلم والاستفادة. كنت أدرس في الثانوي وأحضر لرسالتي".

الأشعرية بالنسبة للضيف أنها "تطور حدث داخل الفكر السني في الإسلام. والأشاعرة يمثلون نسبة 90 إلى 95 في المائة من أهل السنة، والأشعرية فيها الحنبلية وتيارات متعددة...وهذا جرد ومسح لعدد من مجالات أصول الدين (علم الكلام) وأصول الفقه (مكوناته وموجهاته)..حاولت استخلاص الخطاب الأشعري في تجلياته".

 

حديث في النهضة الفكرية وسؤال الحداثة

وقال الدكتور بنسعيد العلوي بأن "القضية الكبرى هي مسألة الحداثة، وكيف نلج عالم الحداثة انطلاقا من الفكر ونظم وقضايا الاجتماع والسياسة وحقوق الإنسان..."، بالإضافة إلى سؤال "الدين والسياسة، وأي علاقة ينبغي أن نقيمها مع الدين هل علاقة انسجام ووئام أم علاقة تنافر؟ كيف نوفق بين الأمرين؟ هكذا بقيت الحداثة مطروحة حتى الآن، وظلت عدة مشاكل تم تصنيفها ما تزال مطروحة (العلم ، السياسة، الدين..) وظل سؤال العلاقة الواجب إقامتها بين الدين والسياسة منتصبا؟".

 

الخلاصة التي استنتجها المفكر بنسعيد العلوي وهو يفسر اعتراض صعوبات ومشاكل الخلط بين الدين والسياسة هي أن "الدين قضية مقدسة والسياسة صراع برامج"، بعيدا عن الخطاب الديني المتعمد في الغالب بين ما هو ديني وسياسي و الذي "لا يمت للواقع بصلة لأنه يتضمن مغالطات وخداع كبير"، والحال أن الأمر يقتضي "إعادة ترتيب العلاقة بينهما، لكل منهما مجاله الخاص".

 

وأكد ضيف الزميل التهاني على أن "في الوجود الاجتماعي لا بد من السياسة، والنظم السياسية. ولا بد من الأحزاب عكس ما يتوهم الناس. لكن الأساسي هو ترتيب العلاقة بين الكلمة للقانون وفصل السلط، و ممارسة السلطة التنفيذية وسلطة المراقبة".

 

وفي حديثه عن المغرب قال: "أعتز بمغربيتي، المغرب له مكوناته (عربي أمازيغي). المغرب سني. مالكي، أشعري من حيث العقدية، والمغرب هو الاستثناء العربي الوحيد، لأن تركيا لم تعرف منفذا إلى هذا البلد الذي يعتبر بوابة أوروبا وأكثر البلدان العربية قربا منها...كل هذه المكونات الذاتية والتاريخية تلعب دوراها"... وأشار في حديثه إلى أن مجموعة من المعطيات التاريخية "نتج عنها ظهور الحركة الوطنية المغربية التي لخصت هذا كله، وأصبحت تشكل المدخل إلى الحداثة سياسيا وفكريا وارتبطت بالتحديث".