Tuesday 19 August 2025
كتاب الرأي

سعيد التمسماني: ثورة الملك والشعب في عهد محمد السادس.. انتقال من ملحمة التحرير إلى هندسة المستقبل

 
 
سعيد التمسماني: ثورة الملك والشعب في عهد محمد السادس.. انتقال من ملحمة التحرير إلى هندسة المستقبل سعيد التمسماني
في سجل الذاكرة الوطنية للمغرب، تظل ثورة الملك والشعب أكثر من مجرد حدث تاريخي؛ إنها عقد اجتماعي غير مكتوب، وميثاق دائم بين قيادة البلاد وشعبها. فمنذ انتفاضة 20 غشت 1953 ضد نفي الملك محمد الخامس ومحاولة المس بالسيادة الوطنية، وُلدت فكرة أن قوة المغرب الحقيقية تكمن في هذا التلاحم الفريد بين العرش والمواطنين.
 
لكن الذكرى في عهد الملك محمد السادس تكتسي بعدًا جديدًا، لا يكتفي بالاحتفاء بالماضي، بل يستثمر في إعادة تعريف مفهوم الثورة ذاته. فالثورة اليوم ليست مواجهة استعمار ولا إسقاط نظام، بل هي عملية بناء متواصلة، تستند إلى رؤية استراتيجية تجعل التنمية والإصلاح ركيزتين أساسيتين لنهضة المغرب.
 
منذ اعتلائه العرش، قاد الملك محمد السادس تحولًا نوعيًا في بنية الدولة المغربية، من خلال مشاريع كبرى شكلت علامات فارقة في المشهد الوطني:
 
البنية التحتية الحديثة التي أعادت رسم الخريطة الاقتصادية للمملكة، من ميناء طنجة المتوسط إلى القطار فائق السرعة.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي نقلت النقاش حول الفقر والهشاشة من خانة الخطاب السياسي إلى مستوى البرامج الميدانية.
الانتقال الطاقي نحو الريادة في مجال الطاقات المتجددة، بما يعزز استقلالية القرار الاقتصادي والسيادي للمغرب.

 
غير أن أهم ملامح هذه الثورة الجديدة تظل مرتبطة بـتدبير القضية الوطنية الأولى، الصحراء المغربية. فمن خلال دبلوماسية متوازنة وقوية الحجة، تمكن المغرب من تكريس مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي يحظى بتأييد متزايد دوليًا، ما جعل القضية تتحول من ملف نزاع إقليمي إلى نموذج لحلول مبتكرة للنزاعات المزمنة.
 
وفي موازاة ذلك، أولى الملك محمد السادس أهمية قصوى لـالأمن المائي باعتباره ركيزة أساسية لاستدامة التنمية في بلد يعاني من ندرة الموارد المائية وتغير المناخ. أُطلقت مشاريع استراتيجية كبرى تشمل بناء السدود، وتوسيع محطات تحلية مياه البحر، وربط الأحواض المائية لضمان توزيع متوازن للمياه بين الجهات، مع تحفيز الابتكار في تقنيات الري والزراعة المستدامة. هذه الرؤية لا تقتصر على الاستجابة للأزمة الراهنة، بل تؤسس لمنظومة مائية resilient تضمن الأمن الغذائي والاجتماعي للأجيال القادمة.
 
كما أصبحت المملكة، في ظل هذا الزخم التنموي، فاعلًا إقليميًا قادرًا على استضافة أكبر الأحداث الرياضية العالمية، بما يعكس مكانتها الدولية وبنيتها التحتية المتطورة. فبعد الفوز بتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025، يستعد المغرب، بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، لاحتضان كأس العالم 2030، وهو إنجاز يعكس الثقة العالمية في قدرته على الجمع بين التقاليد والحداثة، وتوظيف الرياضة كجسر للتواصل بين الشعوب، ومحرك للسياحة والاقتصاد الوطني.
 
هذا التحول في معنى ثورة الملك والشعب يطرح سؤالًا عميقًا: كيف نحافظ على جذوة هذا التلاحم متقدة في أجيال لم تعش تجربة المقاومة المسلحة، لكنها تعيش تحديات البطالة، التغير المناخي، والتحول الرقمي؟ الجواب يكمن في جعل المواطن شريكًا كاملًا في صناعة القرار، وتوسيع دائرة المشاركة الاقتصادية والسياسية، حتى تظل الثورة ملكًا للجميع، وليست مشروعًا فوقيًا فقط.
 
إن ثورة الملك والشعب في عهد محمد السادس ليست مجرد ذكرى وطنية تتكرر سنويًا، بل هي مشروع دولة يتجاوز الزمن، ويراهن على المستقبل. إنها ثورة بلا بنادق، لكنها محملة بذخيرة الأفكار والإصلاحات، وموجهة نحو معركة أشرس من أي مواجهة مسلحة: معركة التقدم في عالم يتغير بسرعة مذهلة.