تُعد جمعيات مغاربة العالم إحدى أبرز التعبيرات عن دينامية الجالية المغربية في بلدان الإقامة، فهي فضاءات للتلاقي والتضامن والمرافعة، أُنشئت للحفاظ على الهوية والثقافة، ولتقديم الدعم والمساندة في مواجهة تحديات الغربة. غير أن واقع هذه الجمعيات يكشف تناقضاً صارخاً بين طموحاتها المعلنة وبين أدائها الفعلي، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرتها على التحول إلى فاعل استراتيجي دائم، أو الاكتفاء بموسمية النشاط التي تجعلها مجرد ظاهرة ظرفية مرتبطة بالمناسبات والأعياد.
الكثير من هذه الجمعيات تنشط على نحو متقطع، وكأنها مرهونة بدورات زمنية محدودة: رمضان، الأعياد الدينية، أو العطل الصيفية التي تشهد عودة المغتربين إلى المغرب. في مثل هذه الفترات، تظهر أنشطة احتفالية أو تضامنية أو رياضية، تُسَوَّق كدليل على "الحيوية" و"الالتزام"، لكنها سرعان ما تخبو بمجرد انتهاء الموسم، لتدخل الجمعيات في سبات طويل حتى يحين موعد جديد يعيدها إلى الواجهة. هذه الموسمية ليست مجرد خيار تنظيمي، بل تكشف في العمق أعطاباً هيكلية خطيرة: غياب رؤية استراتيجية، ضعف التأطير والتكوين، هشاشة التمويل، وانحصار العمل في مبادرات سطحية لا تتجاوز حدود الترفيه أو المساعدات الظرفية.
ورغم هذه المظاهر، فإن اختزال جمعيات مغاربة العالم في الموسمية وحدها سيكون ظلماً كبيراً. فهناك تجارب أثبتت أن هذه الجمعيات تمثل حاجة اجتماعية وسياسية ملحة، وليست مجرد واجهة مناسباتية. فهي التي تكفل المهاجر في قضايا الإدماج والحقوق الاجتماعية، وتدعم أبناءه في التعليم واللغة والثقافة، وتقدم الاستشارات القانونية، وتبني شبكات اجتماعية تُمكّن من مواجهة العزلة والتمييز. كما أنها تتحول في أوقات الأزمات إلى قلاع حقيقية للدعم، كما ظهر خلال جائحة كورونا أو عند حدوث كوارث طبيعية، حيث لعبت دوراً محورياً في تأمين المساعدة المادية والنفسية والصحية للجالية.
لكن ما يجعل النقاش أكثر حساسية هو البعد السياسي للعمل الجمعوي. فالجمعيات ليست مجرد فضاءات اجتماعية أو ثقافية، بل هي بالأساس أدوات للضغط المدني، قادرة على التأثير في صناعة القرار سواء داخل بلدان الإقامة أو في علاقة الجالية مع وطنها الأم. غير أنّ هذا الدور السياسي يظل معطلاً بفعل عدة عوامل: التشتت التنظيمي، غياب التنسيق بين الجمعيات، غلبة الحسابات الشخصية والفئوية، وغياب دعم مؤسساتي جاد من الدولة المغربية التي تكتفي غالباً بالتعامل مع هذه الجمعيات كبطاقات دعائية ظرفية، بدل أن تراها كقوة مدنية استراتيجية.
إن جمعيات مغاربة العالم ليست، في جوهرها، مجرد ظاهرة موسمية، بل هي انعكاس لحاجة بنيوية دائمة تفرضها حياة الجالية في الخارج. لكن هذه الحاجة تظل مهددة بالتحول إلى موسمية شكلية ما لم تُعَد صياغة أدوار هذه الجمعيات وفق رؤية استراتيجية، قائمة على الاستمرارية، التكوين، وتحرير الفعل الجمعوي من التوظيف السياسي الضيق. إن الرهان اليوم ليس فقط أن تنشط هذه الجمعيات في رمضان أو الصيف، بل أن تتحول إلى لوبي مدني وسياسي حقيقي، يمتلك القدرة على حماية حقوق المهاجرين، والمرافعة عن قضاياهم، وبناء جسر فعلي وفاعل بين الجالية ووطنها الأم.
