الجمعة 26 إبريل 2024
منبر أنفاس

حسين دراز: سؤال الفن في الثقافة الإسلامية

حسين دراز: سؤال الفن في الثقافة الإسلامية

العلاقة التي تجمع الدين بالفن علاقة موغلة في القدم وتضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني. فالدين والفن كلاهما يهتم منذ الأزل بقضية مشتركة، ألا وهي قضية الروح الإنسانية الملهمة التي تتوسل أشكالا فنية مختلفة للتعبير عن نفسها.

فالدين يحيل على الخلود والمطلق، والفن يحيل على الإنسان الذي يرخي عنان الذوق والإحساس المطل على الوجود لاستشعار هذا الخلود.

إن الفن بشتى تعبيراته ترعرع في أحضان الطقوس الدينية، فلا نكاد نتصور دينا بلا فن.. والحياة الدينية في كل الحضارات غنية بالأشكال التعبيرية الفنية المجسدة لأداء الطقوس والصلوات والاحتفالات وغيرها. فالمعابد كانت تشكل مسارح تحج اليها الجماهير لمشاهدة الممثلين وهي تتقمص أدوار رموزها الدينية سواء في معابد مصر القديمة او في معابد أثينا.

والمعمار بلغ شأوا عظيما في استلهامه للثقافة الدينية كمعابد الهند القديمة أو مساجد العالم الاسلامي .أما الرسم والنحت فمحضنهما الأصلي هي المعابد والكنائس، إذ أن جل الأعمال الفنية العظيمة لعصر النهضة خصصت موضوعاتها حصرا لإبراز خصوصيات الثقافة الدينية.. وهكذا صارت الكنائس متاحف فنية رائعة ما زالت آثارها باقية إلى اليوم.

أما الموسيقى فإنها كانت الوسيلة المحببة الى العباد للتقرب في صلواتهم إلى الآلهة، كما أن كبار الموسيقيين في القرن العشرين ألفوا مقاطع راقية في موضوعات دينية  كـ “ إيكور سترافينسكي” الذي ألف سمفونية "المزامير والقداس". كما ألف “كلود ديبوسي” سمفونية "القديس سباستيان الشهيد" وغيرهم كثير.

الدين والفن يتكاملان في استدعائهما للتجريد وللرمزي في الحياة فكلاهما يغذيان الجانب الإلهامي في الانسان.

والإسلام كدين لم يشكل أبدا استثناء يشذ عن هذه العلاقة، وإن كانت بعض التعبيرات الفنية المتعلقة به شهدت حالات من السمو ومن الانحدار حسب البيئة والمجال والسياق الذي تنوول فيه علاقة الدين بالفن، هذه العلاقة التي تحتاج منا إلى دراسة مستبصرة تعيد تجديد نظرتنا إليها وتضعها في إطارها الزمني والتاريخي.

فإذا كان الإسلام قد اعتنى بالذائقة الفنية وفتح آفاقا للرؤية الجمالية من خلال آيات القران لاستبصار ما أودعه الله من جمال خلقه الكوني وليعيد إلى الانسان إحساسه الفطري الى الأشياء والوجود، فلماذا عرفت علاقة الإسلام والفن تشنجات أقصت الفن من حياة كثير من المسلمين؟

الشعوب الإسلامية طالما نظرت إلى الفنون وإلى الأشكال التعبيرية الفنية، وبخاصة الأغاني والموسيقى بنظرة دونية بوصفها هامشا في التاريخ، وبأنها لم تنخرط كمثيلاتها -الشعر والخطابة- في تغيير حركية المجتمعات، بل وألصقت بها، وفي أكثر من مناسبة، تهمة إلهاء الشعوب وجرها إلى الميوعة، فأضحت بذلك المسؤولة عن فساد أجيال كان المفروض فيها أن تكون طليعة المجتمع في الدفاع عن مقدساته. كيف تم ذلك؟ وكيف السبيل الى معالجة الظاهرة؟  

المجتمعات الحديثة في سعيها نحو الرقي، ترنو اليوم إلى التعبير عن طاقاتها الفنية عبر تشكلات متعددة تتجاوز به مفهوم الفن الكلاسيكي، الذي كان يوحي على أنه  مجرد إفرازات  لسلوكيات بعض المترفين تفتقر إلى دلالات الإلهام والإبداع والابتكار، وتجنح بهم نحو العربدة والتملص من أي مسؤولية أخلاقية .

هل تعي مجتمعاتنا الإسلامية حجم مسؤولياتها في إهدار فرصة استثمار طاقاتها في هذا المجال؟

الفن في جوهره لغة منبعثة من أعماق الروح، ومنها يكتسب هويته الرامية الى التذكير بالوجود الحق، والتي كرست التقنية الحديثة سبل نسيانه كيف نعزز هذه المقولة لتجد لها انعكاسا قويا في الفن الإسلامي من خلال أبعاده ومستويات تجلياته؟

هذه الأسئلة وغيرها تثير في النفس فضولا لم يلبث أن يتوارى حال يأسه من عدم وجود أجوبة شافية كافية من منظري الفنون في عالمنا االراهن.