الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: من المفهوم الجديد للسلطة الى المعنى الدمقراطي للثقة

مصطفى المنوزي: من المفهوم  الجديد للسلطة الى المعنى الدمقراطي للثقة مصطفى المنوزي
" لا يمكن التفكير والتخطيط للمستقبل، ولو القريب، دون تصفية الاجواء السياسية والبيئة الحقوقية " 
مصطفى ابن كلثوم 
يقال بأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، ونؤكد أن التضليل نصف حقيقة، والقمع قابع في ذلك النصف، فمهما كانت  الوسائل والمظاهر لا يمكن أن نماثل، بصفة إطلاقية، سنوات الرصاص بما يجري خلال  العقدين الأخيرين، وفي إطار النسبية لامناص من التمييز بين هذا العهد الجاري، الذي لا يخلو من انتهاكات ولم يحقق بعد الحكامة الكاملة، وبين العهد البائد الذي من أبرز علاماته، الإختطافات السياسية والاغتيال خارج نطاق القضاء والقانون والتعذيب الوحشي، تتريك  العائلات  ومصادرة الممتلكات، التصفية المادية والرمزية للمعارضين، النفي  والإبعاد، التجريد من الحقوق الوطنية والمدنية ،،،، إلى غيره من أصناف الانتهاكات الجسيمة صحيح  أن وثيرة التحولات بطيئة  جدا، ولكن  لابد من الاعتراف أنه بفضل نضالات وتضحيات القوى الحية في البلاد، تقلصت مظاهر الحكم  الفردي المطلق  وحدة  تواتر الانتهاكات بقدر تراجع منهجيتها، مما يستدعي  عدم تبخيس ما تحقق من مكتسبات   في أفق توسيع دائرة الضوء، وتحصين الحقوق بأعمال الحكامة الأمنية واقرار مبدأ عدم الإفلات من العقاب وإعمال ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان،  وصحيح أيضا أن المواطنات والمواطنين يستحقون أحسن من الوضع المزري الذي يعيشون فيه، غير أنه ينبغي  الوعي  بضرورة الحاجة الى تمثل  القاعدة المأثورة  « لا تماثل بين  البشر، وبين السلوكات  الناتجة عنهم »، فكل  تشبيه  بين الظواهر يبخس ويحقر كل  المجهودات المبذولة  هنا وهناك، ويدفع إلى  الإحساس بأنه لاشيء يتغير، وصحيح ثالثا أن العقل الأمني يطور وسائله الضبطية والردعية، لكن  هذا لايعني البتة  أننا نعيش سنوات  الجمر بصيغة أخرى، فالرصاص لم يعد يستعمل سوى  لقنص الحلوف، والنار لم تعد  إلا  بلاغة  تزين  بيانات الاحتجاج، ومع ذلك  لابد من الإقرار بأن تراكم الاستعمال المفرط للقوة وكذا المعاملة القاسية والمهينة  تجاه  كل أشكال  التعبير المدني السلمي  يثير سؤال امكانية  العودة إلى العنف والعنف المضاد، والذي ليس التطرف الديني والتشدد  العقائدي والإرهاب الفكري  سوى إحدى مظاهره  المرشحة للتفاقم، فهل سنظل  أسرى نزعة المظلومية والعدمية، أم لابد من نقد سلوكاتنا  في العلاقة مع تطوير أشكال النضال، ورد الاعتبار للتفكير النقدي نوجه به السياسة، وذلك بإبداع وسائل مقاومة  التردي  والهشاشة  والتراخي السياسي والتنظيمي والثقافي؟  كيف نواجه  الأمور بكل شجاعة خارج منطق الاكتفاء بالإدانة  وتوصيف الأشياء دون العمل على تغييرها ؟ وكيف سوف نغير  الأمور  بمجرد  « الاحتجاج » وكالة عن  « المظلومين » المفترضين، دون اعتماد نظرية ثورية  لا تراهن على  الحماس والغضب والقلق غير الفكري؟ وهل يستقيم  القول بأن يحل الحقوقيون والإعلاميون  مكان  المناضل أو الفاعل  السياسي، في ظل وضع  يتوهم فيه كثير منا نهاية  جدوى الديمقراطية التمثيلية مقابل  فتوة  الديمقراطية التشاركية؟ وهل يمكن أن نتفق على تسمية عهدنا«الجديد» بسنوات التيه والامتصاص، تأسيسا على  تضخم  « السلطة »  لدى  العادي والبادي  والتناوب على احتكار الحقيقة الثورية والقوة العمومية؟
واذا كان لابد  من ضرورة  رصد  لتقاطع  بين العهدين، فهو أن القوة صارت ناعمة، وان القمع  يمر عبر التضليل وتمييع العمل السياسي، والتسلط  صامد  باعتماد  التكيف بدل  التحول، غير أن الجريمة  الفادحة  المقترفة هي  التجهيل والتفقير، وما يرافقه من محاولة لمأسسة النسيان والاخلال بالالتزامات  التعاقدية، من التلكؤ  في تصريف مقتضيات تقرير الخمسينية حول التنمية، والتردد في تفعيل  الشق السياسي من توصيات هيأة الانصاف والمصالحة، مما  يطرح  ملحاحية  سن  استراتيجية عدم الافلات من العقاب تجاه المخالفات  والخروقات وعلى  الخصوص تجاه انتهاك  للحقوق الانسانية الأساسية، من الحق في الحياة  الى  الحق في التنمية، مرورا بالحق في معرفة الحقيقة وكل الحقوق المهيكلة  لبناء  الثقة  والمصداقية،  فليس  ينبئ  بفزاعة  سقوط الوعي في العدم، سوى  مفارقة
بينة ومنتجة للعبث والابتذال، تماهي  ادعاء  التمسك  بدولة المؤسسات  وفصل السلطات مع مطلب تكريس  تحكيم  ومناشدة تدخل المؤسسة  الملكية  في  كل الصراعات، والحال ان الدولة بكل مكوناتها  مسؤولة  عن عدم تفعيل  الدستور  وعن  عطب
الوساطات  المؤسسات سواء  العمومية  الرسمية  أو الموازية من  حزبية  ومدنية غير حكومية، لذا  فالحاجة  ليست ملحة  إلى رجال الإطفاء  ومرجئة،  ولكن الى  قرارات واجراءات حكيمة  لتصفية الإجواء  السياسية والبيئة  الحقوقية  من اجل رد الاعتبار للثقة بين الاطراف  بمأسسة الوساطات، والتأسيس لتعاقدات مؤسساتية ودستورية  جديدة، تحصن مكتسبات الدمقراطية التمثيلية، وتنفتح على مزايا التنافس الشريف والتشاركية، خاضعة  بكل وضوح  لجبرية الالزام  ولمبدأ  ربط  المسؤولية  بالجزاء  والعقاب؛ فلا زال ورش اللحظة الديمقراطية لم يفتح بعد، ومن العبث الاستمرار في تجاهلها باسم اللحظات الوطنية التي تشتغل باسم تقوية الجبهة الداخلية ومواجهة العدو الخارجي والإرهاب، والحال أنه ينبغي العمل بالموازاة على تعزيز المسار الانتقالي بدعم اللحظة الدستورية، اي تفعيل ثمرة الإصلاح التحديثي المؤسستي والتشريعي اقترانا مع تشييد لبنات دولة الجهات تليينا لسطوة فلول الدولة اليعقوبية التي لازال عقلها الأمني مصرا على التكيف دون التحول.