الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: الأحزاب السياسية تُغرِّد خارج قانون تنظيمها

أحمد الحطاب: الأحزاب السياسية تُغرِّد خارج قانون تنظيمها أحمد الحطاب
[17:51, 27/05/2021] J Fardous: تنصُّ المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلِّق بالأحزاب السياسية على ما يلي :
"تُؤَسَّسُ الأحزاب السياسية و تُمارِسُ أنشطتَها بكل حرِّية وفقَ الدستور و طِبقا لأحكام القانون".
ما يُثير الانتباهَ في نصِّ هذه المادة، هو عبارة "بكل حرية". و هذا يعني أن الأحزاب السياسية لها كامل الحرية في ممارسة أنشطتها ما دامت هذه الحرية تحترم الدستور و القوانين المعمول بها. و "بكل حرِّية" تعني كذلك أن الأحزاب السياسية لها كامل الصَّلاحية للقيام بمهامها أو أنشطتها دون انتظار الإشارة من أية جهةٍ كانت.
و حتى يكونَ الجواب على هذا السؤال مكتملا، دعونا نتعرَّف على أنشطة الأحزاب السياسية التي ينص عليها القانون. هذه الأنشطة تُحدِّدها المادة 2، و بالأخص، الفقرتان الثانية و الثالثة من نفس المادة ونفس القانون المشار إليه أعلاه : 
"يعمل الحزب السياسي، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، على تأطير المواطنات والمواطنين و تكوينهم السياسي و تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية و في تدبير الشأن العام.
كما يساهم في التعبير عن إرادة الناخبين و يشارك في ممارسة السلطة على أساس التَّعدُّدية و التَّناوب، بالوسائل الديمقراطية، و في نطاق المؤسسات الدستورية".
فإذا كان القانون يعطي للأحزاب السياسية الحرِّيةَ للقيام  بأنشطتِها المبيَّنة أعلاه، فهناك علامات استفهام تستحقُّ الطرحَ، منها على سبيل المثال :
1.هل فعلا الأحزاب السياسية مارست و تُمارس أنشطتَها بكل حرية؟
2.أو بعبارة أخرى : هل هناك مانع ملموس و واضح يمنع الأحزابَ السياسية من ممارسة أنشطتها بكل حرِّية؟
3.لماذا تلتزم الأحزابُ السياسية الصَّمتَ القاتلَ إزاء قضايا وطنية من الأهمِّية بمكان؟
4.لماذا، في حالة تفاعلها مع هذه القضايا، يأتي تفاعُلُها متأخِّرا بأيام إن لم يكن أحيانا بأسابيع؟
5.لماذا لا تُصدِر الأحزاب السياسية قراراتٍ و آراء حول القضايا الوطنية في حينه علما أن الدستور  يكفل  حرِّية التعبيرَ و الرأي؟
6.هل تقوم الأحزاب السياسية قولا و فعلا بتأطير المواطنات و المواطنين و تكوينهم السياسي؟ ما نشاهده و نعيشه في الميدان هو أن هذا التأطيرَ و التَّكوينَ منعدمان. و إلا كيف تُفسِّر الأحزاب السياسية عزوفَ شريحة عريضة من المواطنين عن السياسة و بالنالي، عن الانتخابات و عن المساهمة في تدبير الشأنين العام و المحلِّي؟ 
7.هل فعلا الأحزاب السياسية تعبِّر عن إرادة المواطنات و المواطنين الناخبينن؟ ما نشاهده و نعيشه في الميدان يجعلنا نُقِرُّ بالعكس تماما. و إلا كيف تفسِّر الأحزاب السياسية ضعفَ الانخراط فيها؟ و كيف تفسِّر ابتعادَ شريحة عريضة من المثقفين عن الانخراط فيها؟
يمكن القول بدون تردُّدٍ أن الأحزابَ السياسية فشلت في القيام بأنشطتِها رغم "كل الحرِّية" التي خوَّلها لها القانون. إلا مهمة واحدة أتقنتها و تُتقنها الأحزاب السياسية: المشاركة في ممارسة السلطة. فماذا يعني هذا الاختيار الذي يتمُّ على حساب الأنشطة الأخرى؟
بكل بساطةٍ، الأحزاب السياسية ضربت عرض الحائط كل الأنشطة التي تربطها بالمواطنين و احتفظت فقط بالمهمة التي تناسبها و تخدم فقط و حصريا مصالحَها الضيِّقة. فلا غرابةَ أن يتنكَّرَ لها الموطنون و يضعونها في خانة النسيان. و المثير في الأمر أن هذه الأحزاب، إلى حدِّ الآن، سائرةٌ في نفس النهج إذ لم نسمعْ و لم نَرَ أن حزبا واحدا راجع نفسَه و قام بنقد ذاتي علانيةً و أمام الملأ. بل إن الأحزاب السياسية، بفرط حبها للسلطة، اخترعت القاسمَ الانتخابي لضمان وصولها إلى هذه السلطة. أما المواطنة و الشفافية و الديمقراطية و مصلحة البلاد و اقتصادها و تنميتها و تقدمها و تحبيب السياسة للمواطنين… فلتذهب كل هذه الأشياء إلى الجحيم.

أحمد الحطاب، فاعل مدني