السبت 20 إبريل 2024
خارج الحدود

هل سيتحول تبون إلى رئيس افتراضي للجزائريين؟!!!(مع فيديو)

هل سيتحول تبون إلى رئيس افتراضي للجزائريين؟!!!(مع فيديو) عبد المجيد تبون
شعور راود الجزائريين وهم يلاحظون غياب الرئيس عن صلاة العيد، التي كانت على الدوام فرضا بروتوكوليا بسيطا، لكنه حاضرا منذ استقلال البلاد لدى كل رؤساء الجزائر، لم يغب عن أدائه إلا الرئيس بوتفليقة، عندما ساءت حالته الصحية، فحضرت صورته بدلا عنه، في حين عوض الرئيس تبون غيابه بتوجيه كلمة تلفزيونية مسجلة، لتهنئة الجزائريين بالعيد، وتغريدة على تويتر موجهة لبعض الفئات المهنية كالشرطة والدرك، وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ الجزائر السياسي، تبون الذي كان قد غاب كذلك عن حضور مراسم ليلة 27 رمضان التي أصبح حضورها تقليدا لدى رؤساء الجزائر، يتم فيها تكريم بعض الشباب من حفظة القرآن، كعادة جزائرية تربط بين الديني والسياسي، في أعلى هرم السلطة، بهذه المناسبة الدينية.
غياب الرئيس لاحظه الجزائريون قبل هذا التاريخ، بعد عودته من رحلته الاستشفائية من ألمانيا، وكان منتظرا منه بعدها أن يزور بعض المناطق الداخلية، التي تعرضت إلى فيضانات وكوارث طبيعية ولم يفعل ولا مرة واحدة، أو لتدشين مشاريع، كما كان يفعل كل رؤساء الجزائر، الجدد منهم على وجه الخصوص، وهو ما لم يحصل حتى الآن، الزيارات إلى الخارج كانت غائبة هي الأخرى مع الرئيس تبون، فلم يزر ليبيا ولا تونس، كما كان مبرمجا، نظرا لأهمية هذه الزيارات، كمؤشر إلى عودة الجزائر إلى تسجيل حضورها السياسي، في دول الإقليم على الأقل، هي التي تعيش عزلة دبلوماسية أكدتها محطات كثيرة من مسار الملف الليبي، الذي أبعدت عنه الجزائر بشكل واضح، لصالح قوى سياسية إقليمية ودولية منافسة، عزلة مرشحة للتوسع لكي تشمل ملفات أكثر حساسية بالنسبة للجزائر، إذا تأكد غياب الرئيس، عن مُباشرة هذه الملفات الدولية، بالحضور الجسدي والزيارات إلى الخارج التي تتطلبها.
اكتفى الرئيس طول فترة عهدته الأولى – انتخب في 12-12-2019- بنشاط مكتبي في رئاسة الجمهورية، في حين كان منتظرا منه حضور سياسي أكبر بين الجزائريين، في مختلف مناطق البلاد، التي كانت تنتظره لتراه وتسمعه وهو يحدثها مباشرة. غياب الرئيس، كما كان الحال مع تجربة بوتفليقة، عانى منه الجزائريون، كما عانت منه الوظيفة الرئاسية التي تتسم بالكثير من التجسيد والشخصنة في الثقافة السياسية الجزائرية، وهي تمنح مكانة مهمة للشخص على حساب المؤسسات، داخل نظام سياسي مفرط في شخصنة الوظيفة الرئاسية، على مستوى النص القانوني، وربما أكثر على مستوى الممارسة اليومية، ما أدى إلى نتائج كارثية على تسيير مؤسسات الدولة، استولت فيها قوى غير دستورية على صناعة القرار واستشرى فيها الفساد، وتعطلت المؤسسات، عندما غاب الرئيس.
بالطبع غياب الرئيس لا يمكن تبريره كليا بنتائج انتشار وباء كورونا، الذي عطل سير المؤسسات بالتأكيد، على الأقل في الفترة الأولى من انتشار الوباء، فالأنظار تتجه هذه المرة إلى صحة الرئيس، كعامل تفسير أساسي لهذا الغياب الذي سيعيد الجزائر إلى المربع الأول، إذا تأكد مع الوقت، في وقت تبقى فيه الجزائر في حاجة إلى رئيس حاضر سياسيا، وبصحة جيدة، لكي يساعد الجزائريين على نسيان تجربة مرض وغياب بوتفليقة، التي كادت أن تودي بالبلاد إلى الهاوية، كانت الشرارة التي أدت إلى ظهور الحراك، بعد ترشح بوتفليقة المُقعد إلى عهدة رئاسية خامسة، شعر الجزائريون إزاءها بالكثير من الهوان، علما بأن وجود رئيس حاضر سياسيا وبصحة جيدة يعني المستقبل كذلك، بدرجة أكبر وليس لنسيان الماضي القريب فقط، فقد تعطلت الجزائر بما يكفي، وحان الوقت أن تستعيد حضورها وعافيتها. غياب الرئيس الذي سيزداد الشعور به شعبيا، إذا تأكد في المستقبل، عكس المستوى المؤسساتي الذي سيحاول التمويه والسكوت عليه، كما سيفعل الإعلام الرسمي والخاص والكثير من المتزلفين، تماما كما حصل مع غياب الرئيس بوتفليقة، الذي وجد من يدافع عنه ويبرره، بل يكذب بشكل علني وهو يعلن أن الرئيس بصحة جيدة، وأنه سيعود إلى نشاطه العادي بعد ستة اشهر! في وقت كانت فيها صحة الرئيس تتدهور بشكل واضح وبالعين المجردة، لمن أراد أن يستعمل حواسه الطبيعية.
تقتضي مصلحة البلاد التطرق إلى هذا الموضوع، وتناوله بشكل موضوعي، داخل الأطر المؤسساتية الرسمية والإعلامية، بعيدا عن كل تجريح بالشخص -الذي نتمنى بالمناسبة له كل الصحة والعافية ـ حتى إن كان التعويل عليها ضعيفا ويكاد ينعدم في الوقت الحالي، بسبب ضعف واضطراب أدائه، كما كان الحال مع مرض بوتفليقة، فالجزائر ليست في حاجة إلى اكتشاف أن الرئيس مريض وغير قادر على القيام بوظيفته، بعد خمس أو عشر سنوات، يكون فيها البلد قد ضاع مرة أخرى، اعتبارا من معطى سياسي قاعدي بسيط هو، أن صحة الرئيس، كشخصية عمومية، ليست قضية شخصية أو عائلية، بل هي في الصميم قضية سياسية وشأن عام، تهم الرأي العام، من حق كل المواطنين أن يكونوا على علم بتطوراتها، كما يحصل في أي بلد يحترم نفسه، عن طريق بيانات دورية، حتى يتدبروا أمرهم، ولا يكونوا متواطئين في تضييع البلد، خاصة إذا كان الرئيس كشخص يمثل أول مؤسسة سياسية في البلد، كما هو حالنا في الجزائر، رغم كل ما قد يقال عن شروط وصوله إلى هذا الموقع، في زمن الحراك الذي أعلن عن حضور الشعب كفاعل سياسي مركزي، لن يتعامل سياسيا، كما كان الحال خلال فترة ما قبل الحراك بكل تأكيد، فما كان مع بوتفليقة لن يكون مع تبون، تعلق الأمر بموضوع صحة الرئيس وتداعياتها السياسية، أو أي موضوع سياسي آخر، ليبقى السؤال مطروحا بحدة في ما يتعلق بالمؤسسات والنخب الرسمية لمعرفة هل ستبقى بشكل التعامل القديم نفسه؟ أم أنها حفظت الدرس وبالتالي سيكون موقفها مختلفا هذه المرة، سؤال قد لا نكون في حاجة إلى وقت طويل لنتعرف على إجابة له إذا استمر تسارع الأحداث بهذا الشكل الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام كما ظهر، من خلال التعامل الأمني العنيف مع المسيرات الشعبية، ما قد يخلط أوراق أكثر من طرف ويفتح مستقبل البلد على كل الاحتمالات.
 
 
ناصر جابي ( كاتب جزائري) / عن : القدس العربي