الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد العالي بلقايد: الاحتفالية عمق الغناء التقليدي المغربي

عبد العالي بلقايد: الاحتفالية عمق الغناء التقليدي المغربي عبد العالي بلقايد

الاحتفالية هي الفعالية الأساسية التي تميز الحضارة المغربية، وبذلك كانت الموسيقى التقليدية تتأسس انطلاقا من الاحتفال، فالمغربي في جميع حالات الوجود الاجتماعي لا يمكن أن يفعل إلا انطلاقا من الاحتفال؛ وكان أمره ينجلي سواء في طقوس الموت أو الحرب، وحتى في الكثير من طقوس العبادة ما جعل شيوخ العيطة، وبالأخص فناني العيطة الحوزية الذين لا يؤدون عرضهم الموسيقي إلا واقفين، شأن الكثير من الألوان المغربية، مثل أحواش، وباقي الألوان الأخرى التي يكون الأداء فيها جماعيا.. إنك وانت تتفرج على أدائهم تكون إزاء لوحات تعج بالحركة، والرقص التشخيصي، لأن الأمر يتجاوز الغناء ليكون شيئا أخر أكثر من الغناء .

 

كأننا نكون إزاء طقس اجتماعي، أو ثقافي لمجموعة بشرية، تريد بغنائها ورقصها أن تعيد الارتباط بحياة مثلى أضحت في الغالب من الماضي. ونكون إزاء فاعلين يسعون إلى تشكيل لوحات مسرحية، وإن كانت لا تعلن عن ذلك تصريحا، فهي توجد بين ثنايا أدائها بالفعل، الذي لا يحتاج إلى كثير من التأويل.

 

فالدراما الغنائية تعلن عن نفسها من خلال مجموعة من الخصائص التي تطبع هذه الألوان، لأن الفن الشعبي مرتبط بحياة الجماعات، وأنشطتها الاقتصادية والاجتماعية، بل يسعى أن يكون عاملا مساهما في دينامية الحياة، وبذلك يسعى لأن يكون قطعة فنية مأخوذة من الواقع، قريبة منه غير بعيدة عنه، لأنها ملح الحضارة المغربية المبهرة في ملبسها وطبخها وموسيقاها وطقوسها واحتفالاتها .

 

الدراما الغنائية تتمظهر في الموسيقى التقليدية من خلال الأداء الذي لا يتم عبر هيمنة المغني الواحد الذي يتولى الغناء بمساعدة الكورال، بل من خلال أداء يكون جماعيا يؤدي فيه كل واحد جزءا من القطعة بالتتابع مع وجود انتقالات التي تنبئ بتطور العرض الذي يختم بصمت موسيقي هو كذلك جزء من العرض الذي لا ينتهي إلا بانتهاء لفراجة التي لا تكون إلا في زمن معين ينبئ بمظهر حياتي أخر قد يكون عبادة أو عمل...

 

من سيعيد لهذا اللون الاعتبار، ويربط الأغنية المغربية ببدايتها هم فنانو المجموعات، وخاصة الغيوان، وجيل جلالة وتكادة.

لقد ربط الغيوان الأغنية المغربية بكناوة وهوارة، وجيلالة ربطوها بالملحون، وتكادة ومسناوة ربطوها بالعيطة .

ما جعل الجمهور المغربي يتفاعل بشكل مدهش مع هذه الأنماط لأنها تصدر في موسيقاها انطلاقا من الحضارة المغربية المتميزة بإيقاعاتها وطبوعها  المطبوعة بنفس حضاري مغربي .

 

فحين يقول شيوخ العيطة بأن بعض المقامات المميزة للعيطة هي المقام البياتي العروبي، فهم يريدون ان يجعلوه يختلف عن البياتي المشرقي.

فالبياتي العروبي هو نبتة موسيقية نسغها قائم على المكون العربي والأمازيغي الذي أنتج نموذجا مغربيا متفردا عن الطرب الشرقي والغربي.

المجموعات قامت بعمل جبار أوصل الأغنية المغربية للعالمية، لأنها كانت تصدر عن إبداع لا عن إتباع.

 

المغرب يتوفر على الكثير من مقومات الإبداع الحضاري في الكثير من الميادين تعطي فرص الانطلاق...