الخميس 28 مارس 2024
سياسة

استاتي زين الدين: المغرب ظل دائما يدعم حكومة مدريد لمواجهة الدعوات المنادية بانفصال كاطالونيا عن الحكومة المركزية

استاتي زين الدين: المغرب ظل دائما يدعم حكومة مدريد لمواجهة الدعوات المنادية بانفصال كاطالونيا عن الحكومة المركزية الدكتور الحبيب استاتي زين الدين (يمينا) وزعيم ميليشيات البوليساريو إبراهيم غالي
في إطار الفضيحة السياسية التي شهدتها إسبانيا، وأسالت الكثير من المداد وردود الأفعال، وذلك إثر استقبالها لـ "الجلاد" إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات البوليساريو، بدعوى الاستشفاء تحت هوية مزورة وجواز مزور؛ ارتأت "أنفاس بريس" أن تفتح بابها لاستقاء وجهات نظر بعض ضحايا انتهاكات جبهة البوليساريو، وكذا بعض النشطاء الحقوقيين والجمعويين بخصوص هذا الموضوع...
وفي ما يلي وجهة الدكتور الحبيب استاتي زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة عبد المالك السعدي، من خلال هذا الحوار معه:
 
ألا يعتبر دخول زعيم الانفصاليين لإسبانيا محرجا لقضائها الذي يتابعه بسبب ارتكابه جرائم ضد الإنسانية؟
كيفما كانت التبريرات، ما حدث أمر محرج جدا، لحكومة إسبانيا من جهة، ولهيبة قضائها ومدى استقلاله التام من جهة ثانية على نحو مباشر. هكذا يُقرأ الحدث، ولا أجد تفسيرا غيره إلى حدود الساعة. هل تَبجُّح إسبانيا باحترام أحكام وقرارات القضاء مجرد ادعاءّ؟ وهل مذكرات البحث والاعتقال تخضع للانتقائية؟ القاضي خوسيه «دي لا ماتا أمايا» من محكمة مدريد الوطنية، وهي أعلى هيئة جنائية بإسبانيا، وقّع قرار تمديد التحقيقات لسنة إضافية في الدعوى التي رفعتها في يناير 2008 «الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان»، ضد أزيد من عشرين فردا من مليشيات الجبهة الانفصالية، ضمنهم المدعو إبراهيم غالي، المجرم سيء السمعة، وعددا من ضباط استخبارات جزائريين، بتهمة التعذيب وانتهاك حقوق الانسان. هذا القرار الذي جاء بناء على طلب من مكتب المدعي العام، يجعل هذه الشكاية، وغيرها كثير، سارية المفعول حتى 5 غشت 2021 على الأقل. وحتى لا يتم خلط الأمور، من الناحية الإنسانية من حق غالي تَلقِّي العلاج في إسبانيا أو في غيرها، لكن هذا لا يعفيه من المسؤوليات القانونية والجنائية والسياسية، ومنها انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، وتضييقاته على معارضيه في مخيمات تيندوف، بالإضافة إلى استمرار الارتماء في أحضان المخابرات العسكرية الجزائرية، وبيع أبناء عمومته وإخوته للطغمة الحاكمة في قصر مرداية.
 
بماذا ستفسر إسبانيا موقفها إزاء شكاوى الضحايا المرفوعة ضد غالي؟   
أكيد، مصادر متطابقة تكشف أن المحكمة الوطنية الإسبانية فتحت الأسبوع الماضي تحقيقا في الأخبار التي راجت بشأن دخول المبحوث عنه إلى الأراضي الإسبانية بهوية جزائرية، لتفادي اعتقاله بسبب مذكرة البحث الصادرة في حقه. وإلى جانب ما راج من أخبار، عمليا تجددت مطالبة محامي الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان السلطات الإسبانية بتفعيل مذكرة التوقيف الأوروبية الصادرة في حقه، وحديث الإعلام الإسباني عن شكاية جديدة يتهم فيها بيدرو إغناسيو التاميرانو، الخبير السياسي الإسباني، المدعو إبراهيم غالي بالتحريض ضده بعد أن تلقى تهديدات بالقتل من قبل عناصر من الجبهة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب الجمعية الكنارية لضحايا الإرهاب (أكافيتي)، استنادا على مجموعة من الحجج اليت تتوفر عليها، بأن يكون اعتقاله طرف المحكمة الوطنية نافذا وساري المفعول في أسرع وقت ممكن، لأنه متهم بارتكاب اغتيالات في حق عمال كناريين في منطقة الصحراء، فضلا عن كونه المسؤول الذي أمر بتنفيذ عمليات الاغتيال والخطف الجماعي والاختفاء في حق البحارة الكناريين في أعالي البحار أثناء الحرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1973 حتى نهاية 1986.
 
كيف تقرأ لجوء إسبانيا إلى كتمان الأمر في الأول قبل أن تقوم بالتراجع وتقره بعد استدعاء المغرب سفيرها بالرباط؟
كلمتا «الأسف» و«خيبة الأمل» التي وردت في بيان وزارة الخارجية المغربية تقولا الشيء الكثير وإن كان الموضوع لا يمكن أن يؤثر إطلاقا على مسار العلاقات المغربية الإسبانية في جوهرها. وقبل أن نعود إلى التبرير المتذبذب لوزارة الخارجية الإسبانية، ليكن الأمر واضحا. ألا يبدو أن الهدف من تسفير زعيم ما يسمى بــ «البوليساريو» إلى الأراضي الإسبانية بهوية ووثائق مزورتين ودخوله تحت اسم «محمد بنبطوش»، يكمن في إبقاء الموضوع طي الكتمان وبعيدا عن وسائل الإعلام؟  لولا ما نشرته مجلة «جون افريك» وما أعقبه من تغطية واسعة للحدث-الفضيحة، من قبل الصحافة الإسبانية والمغربية والدولية، وردود الفعل التي خلفها الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لظل الإنكار قائما. بعدما أصبح أمر الإخفاء والتستر مستحيلا، وانكشفت الخدعة، وعبّرت المملكة المغربية عن موقفها الدبلوماسي والمسؤول بوضوح، لم تجد الخارجية الإسبانية من تبرير غير تكرار سيناريو التناقض نفسه: العلاقات المغربية الإسبانية ممتازة وعميقة، لكن لا حرج في الموافقة على استقبال غالي في إسبانيا لأسباب إنسانية بحتة دون الإفصاح عن مكان تلقيه العلاج للإبقاء ربما على إمكانية التهريب قائمة، وللمفارقة، وإن كان موضوع مذكرة بحث واعتقال من قبل القضاء الإسباني! أليس الأمر غريبا: دون الحديث عن تزوير الهوية للتمويه والإفلات من المساءلة الجنائية، هل يمكن التذرع بالوضع الصحي والأسباب الإنسانية والتغاضي عن حقوق الضحايا في إقرار العدالة؟
 
ماذا لو استقبل المغرب في المقابل زعماء حركة إيتا الانفصالية الباسكية؟
الجواب معلوم: تعبئة إعلامية وسياسية ودبلوماسية، داخل إسبانيا وخارجها، لإحراج المغرب. لكن الثابت تاريخيا أن المملكة تؤمن بالوحدة وتدعم على نحو دائم وواضح سيادة الدول، وعمق تاريخها وقوة علاقاتها مع الشركاء والحلفاء يشهدان لها بالحكمة والتبصر واحترام الجيران خطابا وممارسة. من ثمة، وإذا عكسنا سؤالك، سنجد أن المغرب ظل دائما يدعم كل خطوة تتخذها حكومة مدريد لمواجهة الدعوات المنادية بانفصال كاتالونيا عن الحكومة المركزية. تبعا لذلك، لو كانت النوايا حسنة، ألم يكن لزاما على إسبانيا إخبار المغرب بوجود المدعو ابراهيم غالي على تُرابها؟ ألم تكن طريقة دخوله للأراضي الإسبانية غير قانونية؟ ألم يكن حريا بالسلطات الأمنية توقيفه عند الحدود لأنه يحمل هوية مزورة واسما مستعارا وغير حقيقي؟ وبين هذا وذاك، كيف أمكن التستر على من أصدر القضاء في حقه مذكرة للبحث والاعتقال بسبب الخروقات والجرائم التي اقترفها؟ أسئلة كثيرة تطرح في هذا السياق بشأن الموقف الإسباني عامة، وتعاطيه مع حركة إيتا على وجه التحديد، لكن بالموازاة مع ذلك هناك فكرة آمل أن تجدى لها صدى لدى من يعيش على وهم الانفصال بعد التطورات الأخيرة: كيان وهمي يتسلل من «ينفخ في رماده» إلى الأراضي الإسبانية بهوية ووثائق مزورتين بعد تدهور حالته الصحية، ودولة تعترف حكومتها بعد افتضاح أمرها بوجود هذا الشخص في ديارها لاعتبارات إنسانية لا أقل ولا أكثر، ألا تسير أطروحة الانفصال وسردية الجمهورية المزعومة، والحالة هاته، نحو الانكماش والاندثار؟