الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

الحسن زهور:  دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي(4) 

الحسن زهور:  دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي(4)  الحسن زهور
يعتبرالأدب الحكائي الأمازيغي من أغنى الآداب الحكائية العالمية، وهو أدب مرتبط بكل مناحي الحياة لدى الانسان المغربي ويحمل نظرته و رؤاه الى الحياة والى الوجود. 
وفي هذا الإطار  تنشر "أنفاس بريس" في هذا الشهر الرمضاني، سلسلة من الدراسات من إعداد الكاتب والأديب الحسن زهور، بهدف تقريب المغاربة من أدبهم الأمازيغي، الذي يعبر عن خصوصيتهم الثقافية والحضارية:
 
الدراسة 4: رمزية الحيوان في الحكاية الأمازيغية: القنفذ
شخصية القنفذ ( بومحند، إنسي) في الحكايات الامازيغية  شخصية افردت لها المخيلة الحكائية الامازيغية خصائص ينفرد بها عن باقي الشخصيات الحيوانية الحكائية الاخرى، لذلك خصصت له اكثر من 15 حلقة حكائية يرافق فيها الذئب. اضافة الى حكايات أخرى يقوم فيها بدور البطولة مستقلا عنه.
غالبا ما تجمع هذه الخصائص, التي اصبغها المخيال الجماعي على شخصية القنفذ الحكائية بين المعرفة والذكاء و بين تدبير الامور بالوسائل السلمية وتجنب العنف ( فكل مخيال جماعي يستند إلى عقلية ثقافية جماعية يتمظهر في اشكال ثقافية مختلفة كالقصص والحكايات... يعبر فيها عن جانب من هذه العقلية بطريقة لاواعية).
 أول ما نبدأ به هذا المخيال الجماعي هي أسطورة امازيغية، والاساطير شكل ثقافي من الاشكال التي تعكس هذا المخيال، اسطورة بطلها القنفذ ( بومحند، إنسي) وتتحدث عن سبب انتشار المعرفة لدى البشر. الحكاية  اوردها الباحث محمد اوسوس في كتابه" دراسات في الفكر الميثي الامازيغي" اصدار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 2007، ص66.
 تتحدث الأسطورة عن أن القنفذ كان أعلم زمانه، فبعد أن جمع كل معارف الدنيا ارتأى ان يجمعها ويضعها في مكان امين لئلا تضيع، فجمعها كلها في حزمة، وبحث عن مكان أمين لها الى ان اهتدى الى شجرة هي الاعلى من بين كل الاشجار. واستعد لتسلقها، فاحتضن حزمته لئلا تقع منه، وبدأ في تسلقها لكن الحزمة أعاقت تقدمه في الصعود، وحاول عدة مرات وفي كل مرة ينزل فيعدل من وضعية الحزمة التي يحتضننا، وفي كل محاولة للصعود يفشل، وبعد أن يئس سمع ابنه الصغير الذي كان يراقبه يكلمه : " بدل من احتضانها يا ابي ضعها على ظهرك "، وعمل بنصيحة ابنه فنجح في الوصول الى أعلى الشجرة ووضع فيه حزمته. وأطل من أعلى الشجرة فبان له ابنه الصغير كنقطة صغيرة، وتذكر نصيحة ابنه، إذ ذاك فطن انه لم يجمع كل معارف الدنيا لأن ابنه يمتلك معلومة لا تحتويها حزمته. لذلك رمى القنفذ الأب بحزمته الى الارض فتمزقت وانتثرت الحكم والمعارف وانتشرت في الارض.
أسطورة القنفذ هذه تشبه أسطورة صندوق باندورا الذي اهداه الإلاه زيوس لباندورا الجميلة واوصاها بعدم فتحه، لكن هذه لم تستطع مقاومة رغبتها الملحة لمعرفة ما بداخله، وفتحته أخيرا لتخرج منها اطيافا ومخلوقات بشعة لتنتشر في الارض، وهذه المخلوقات هي الامراض، والحروب، والكراهية، والمجاعات...( ولهذه الأسطورة مقابلها في الأمازيغية و تتحدث عن المرأة التي وصاها زوجها الصياد بعدم فتح كيس وضع فيه هيشة اصطادها و حمله الى بيته فخبأه في ركن مظلم، لكن الرغبة الشديدة للمرأة لمعرفة ما بداخله أغراها بفتحه، فأطلقت بذلك الموت  من الكيس خكليخرج حاصدا الارواح من جديد. والاسطورة اوردها نفس الباحث في كتابه السابق).
فلو لم تفتح باندورا الصندوق لما عرفت الإنسانية الشر بمختلف أشكاله.
فلو لم تفتح زوجة الصياد الكيس لما عرفت الإنسانية الموت.
ولو لم يرم القنفذ حزمته من أعلى الشجرة لما عرفت الإنسانية كل هذه المعارف.
الأسطورة اليونانية هذه تفسر سبب انتشار الشر في الارض، بينما تفسر الاسطورتان الامازيغيتان سبب انتشار الموت ، وسبب انتشار المعرفة في الارض. وهذه هي طبيعة الأساطير، ودورها في تفسير اصل وجود الكون والكائنات والظواهر....
تصور حلقات السلسلة الحكائية القنفذ والذئب شخصية القنفذ شخصية حكيمة تزن الامور بمنظار العقل والواقعية، وتواجه القوة الغاشمة بقوة هذا العقل وبوسائل سلمية بديلة عن العنف، فهذا لن يقود الا الى الهلاك والدمار.( وهو ما نراه اليوم في الدول التي اعتمدت فيها بعض القوى المجتمعية على العنف لحل مشاكلها، فدمرت بلدانها).
واذا اردنا ان نكيف خصائص شخصية  القنفذ مع المفاهيم المدنية الحديثة نقول ان القنفذ يعتمد على الوسائل المدنية في مواجهة القوة الضاغطة ومنها عنف السلطة( داخل المجتمع الواحد)، لأنها هي الطريقة الأنسب والاكثر عقلانية لكل قوة اجتماعية وفكرية تروم تغيير مجتمعها السياسي الى مجتمع مدني. وهو ما تحدثت عنه بطريقة أخرى حكاية أمازيغية أخرى بطلها القنفذ وهي" القنفذ والاسد". حكاية معروفة، انتهت بعزم الاسد على أكل القنفذ لمعاقبته على اطلاقه عائلة انسان سجنها الأسد في كيس تركه على قارعة الطريق، ولم تستطع الحيوانات المارة فتحه  واطلاق العائلة - التي تستغيث- مخافة الأسد. لكن القنفذ فعل (كرمز للحق والعدالة) وعاقبه الأسد بأن هدده بالتهامه، لم يواجهه القنفذ بالعنف بل تركه يلتهمه فالتصقت اشواكه بحلق الاسد وخنقته، فلم يستطع إخراجه ولا ابتلاعه، إذ ذاك بدأ الأسد يستجدي القنفذ لينجيه من الهلاك المحقق
في الحلقة القادمة: رمزية الذئب في الحكايات الأمازيغية