الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

منير باهي: نكايةً بأسترازينيكا.. آزروهم

منير باهي: نكايةً بأسترازينيكا.. آزروهم منير باهي
مهما حذرت بعض الدول الديمقراطية كالسويد والدنمارك والنرويج من خطر استخدام لقاح أسترازينيكا فإننا - نحن الذين أخذناه ومازلنا -لن نفزع، وينبغي أن نستمر في الحياة مطمئنين.
المواطنون هناك ليسوا كالذين هنا.
هم ليسوا نحن.
حتى وإن ظهرت علينا معا بعد الحقنة ذات الأعراض المفاجئة فهم متأكدون من أنها من أثر اللقاح، لكننا نحن لا نستطيع التأكد. لأننا نمتلك ألف سبب لكي نصاب بالجلطة الدموية، وحتى ألفَ سبب لكي نموت بلا سبب.
ولأننا مختلفون عنهم، فليس مستبعدا أن تكون أعراض اللقاح هي الأخرى مختلفة.
أمستبعد أن تكون لنا أعراضنا ولهم أعراضهم؟
شخصيا، لا أستبعد.
آلاف المستفيدين الأوائل من لقاح أسترازينيكا من رجال التعليم مثلا الذين تجاوزوا الخامسة والأربعين من العمر، وهم في الغالب من (المرسمين)، لم يعودوا كما هم قبل تطعيمهم.
صاروا أكثر رزانة وتعقلا وبرودة أعصاب في التعاطي مع قضايا أسرة التعليم، وباتوا ينظرون مثلا إلى زملائهم (المتعاقدين) بحياد تام، كأنهم ليسوا هم. كأنهم عنهم يختلفون.
قد يكون اللقاح الذي أخذه هؤلاء الرجال والنساء بريئا مما باتوا به يشعرون، لكن لا شيء غيره إلى حد الساعة يبرر هذا الصمت القاتل، والشعور بالوهن أمام مشهد (أستاذ) يقف أمام الكاميرا ليعبر عن رأيه، فتمتد إليه يد ببزة عسكرية لتنتزع منه الميكرفون، وتجره من رقبته أمام الكاميرا بعنف واحتقار.
هل رأيتم المشهد؟
نعم، رجل التربية والتعليم يهان أمام الكاميرا بطريقة مخزية، ولم تهتز أسرة التربية والتعليم؟
يقولون:
إنهم ليسوا أساتذة، إنهم متعاقدون.
مطالبهم ليست عادلة، إنهم يبالغون.
مهما يقولون، ومهما اختلفنا في توصيف أطر الأكاديمية، ومهما اختلفنا حول مشروعية مطالبهم، إلا أن لا شيء يمنعنا من الإيمان بأنهم جزء حقيقي من أسرة التربية والتعليم التي إذا اشتكى عضو منها تداعت له بالسهر والحمى. ولا شيء يبرر هذا السكوت عن العنف والإذلال اللذين يتعرضون إليهما كلما خرجوا إلى الشارع للاحتجاج.
يجب أن ينهض الأساتذة المرسمون لمؤازرة إخوانهم المتعاقدين حتى ولو كانوا ظالمين، لأن في مؤازرتهم حماية لما تبقى من شرف مهنتهم، وهيبة مهمتهم، ونبل الرسالة التي يحملونها.
آزروهم أيها المرسمون حتى تعلم اليد التي جرت أحدهم من قفاه أنها كانت تجر شابا صاحب رسالة نبيلة، وكاد من ثقلها أن يكون رسولا.
آزروهم ليعلم صاحب البزة العسكرية أن الذي جره باحتقار هو جندي يقف في الصفوف الأمامية مثله لحماية الوطن ومستقبله.
آزروهم ليعلم المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن ذلك العنف الذي يشاهده في شوارع المحتجين انتهاك غير طبيعي لحقوق الإنسان، وليس سلوكا طبيعيا لرجال أمن يقومون بمهمتهم.
آزروهم نكاية بأسترازينيكا آزروهم.
وطبعا، أقصد بالمؤازرة الشعور فقط بأن الأساتذة المتعاقدين كالمرسمين، وما يصيب هؤلاء يمس أولئك. ولا أقصد بالمؤازرة الخروج معهم إلى الشارع في مواجهة القوات العمومية. حاشا! ليس هذا ما أقصد، لا أستطيع. فأنا أيضا قد أخذت الجرعة الثانية من لقاح أسترازينيكا قبل أيام.