السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: في الذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير

عبد الغني السلماني: في الذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير عبد الغني السلماني

تذكير وعودة للسياق

تحل الذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير وقد أكملت الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية عامها العاشر والأخير، ولعل العلاقة بين الحركة وحكومة العدالة والتنمية، في جميع نسخها، تتسم بالترابط والاختلاف في تجدير الأزمة واستثمار فيها في الآن ذاته.

لقد كانت احتجاجات حركة 20 فبراير العامل الرئيسي في الإصلاحات الدستورية، وفي تنظيم انتخابات منحت حزب "المصباح" المرتبة الأولى لمرتين متتاليتين ومكنته من تشكيل ائتلاف حكومي عرف الكثير من التعديلات خلال السنوات العشر الماضية.

لذلك لابد من التذكير أن حزب العدالة والتنمية، كان من أشد من وقف في وجه الحركة، وعارضها وعبّر صراحة عن اختلافه معها، وطلب من هياكل الحزب و قواعده الامتناع عن الخروج في احتجاجاتها. حيث صرح الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة السابق السيد بنكيران عن اختلافه مع مطالبها ونَفَسِها الاحتجاجي وأرادها أن تكون مقياسا لعكس مطالبه المضبوطة لاقتسام السلطة والوصول إلى تدبير الشأن العام. وأن تكون الحركة فقط آلية في يده من أجل تخويف العفاريت والتماسيح على حد تعبيره، فإنه ما فتئ يستعمل ورقتها حسب المزاج السياسي للبلد، وحسب وضعه ووضع حزبه داخل المشهد السياسي المغربي، ففي البداية قدم نفسه على أنه هو من واجه الحركة والاحتجاجات، وبعدها عاد لكي يتحدث، خلال انتخابات 2011 و2016 ، عن إمكانية عودة الحركة في حال لم يفز حزبه بصدارة الانتخابات. لكن لا نعرف كيف يواجه الوضع في سنة2021 ؟!

استعمال بنكيران حركة 20 فبراير وتلويحه باحتجاجاتها، رافقاه طيلة مساره كرئيس للحكومة، فتارة يؤكد أنه "منقذ" المغرب من الفوضى واحتجاجات حركة 20 فبراير، وتارة أخرى؛ يحذر من إمكانية عودة الحركة في حال تصدر حزب منافس المشهد السياسي، وبالتالي باتت ورقة 20 فبراير وسيلة بنكيران ومن خلاله حزب العدالة والتنمية لتمرير رسائل سياسية واستعمالها في أوقات الشدة كما في فترات الانفراج، وله في ذلك مآرب أخرى . إلى أن جاءت انتخابات 2016 التي منحت الريادة للحزب لكن لم تمكنه من قيادة الحكومة بالشكل الذي يريد، وذلك لأسباب مرتبطة بالواقع الدستوري للبلد .

لابد من التذكير أنه منذ انطلاق الحركة عرف موقف حزب "المصباح" اتجاهها "تذبذبا وترددا"، وعلى الرغم من نزول بعض القيادات من الحزب، بشكل فردي، لاحتجاجات الحركة، إلا أن الموقف العام للحزب كان هو مناهضة الحركة. حزب المصباح كان من بين الأحزاب التي اتهمت الحركة بزعزعة استقرار البلد و أنها تجاوزت الخطوط الحمراء المسموح بها ، ففي الوقت الذي لم يعد أي أحد يتحدث عن الإصلاحات الدستورية، كانت دعوة الحركة وراء القيام بإصلاحات دستورية. حتى عند صياغة الدستور ظل حزب العدالة والتنمية يضغط بورقة الحركة من أجل فرض عدد من مطالبه، واستطاع أن يسحب مطلب حرية المعتقد، وأن "يغير عبارة المغرب بلد إسلامي بعبارة دولة إسلامية،" مستفيدا من ضغط الشارع رغم أنه لم يشارك فيه، لكن يعرف كيف يستفيد من تموجات الحركات الاحتجاجية ومطالبها. لذلك حزب العدالة والتنمية لم يطالب بالإصلاحات ومع ذلك خرج رابحا منها، الحزب كان همه الأساسي ولا يزال هو جني أكبر قدر من المكاسب السياسية، وبهذا يكون حزب المصباح من حيث يدري أو لا يدري شارك في لعبة ملغومة للوصول إلى السلطة بجميع الوسائل لكن ستنفجر بين ذراعيه في لحظة ما، متخذا من حركة 20 فبراير ورقة للضغط حتى وإن لم تكن ورقته ، لكن للتاريخ منطق آخر ، والآن يظهر بشكل جلي أن هم هذا الحزب هو الحفاظ على مصالحه.

والكارثة الكبرى إذا عاد هذا الحزب إلى رئاسة الحكومة مرة ثالثة ، سيعمل بكل شراسة لتنفيذ مشروعه المجتمعي المحافظ السائر نحو الرجعية وتقويض كل المكتسبات الديمقراطية والحداثية.

لهذا تقدير حزب العدالة والتنمية للمرحلة التاريخية في تدبير الشأن العام لا يخلو من الأنانية الحزبية، حيث إن استغلال حراك شعبي لمصلحة حزبية ضيقة فيه ضرر كبير للوطن وللحظاته الهامة في مسار التغيير والدمقرطة وبناء دولة الحق والقانون.

ماذا بقي من الحركة الآن؟:

ربما عقد من الزمن غير كافٍ للتقييم حول دور الحركة وما أحدثته من تحولات على مستوى بنية الحركات المضادة ، لذلك لابد من النظر للحركة والتحولات التي صاحبتها بامعان، ومعاينة للحقائق حتى نمتلك القدرة على إيجاد عناصر الأساسية للتحليل . والتي نقصد بها أدوات التحليل العلمي، بما فيه الديالكتيك المادي، حيث من خلاله يمكن بلورة رؤية موضوعية عن متغيّرات الحياة الاجتماعية. وهذا يفرض علينا وضع محددات أولية أهمها:

 

1- إن المتغيّرات التاريخية الكبرى فعلت فعلها كضرورة وإلزام جدلي لكسر الحلقة الضاغطة على وعي ومتطلبات الناس، خصوصاً الشباب الذين يمثلون محرك وعي التغيير، من خلال تبني أفكار عقلانية وحداثية تقدمية ضد القديم و أساليبه . ومن المسلّم أيضا أنه لم تعد أساليب العيش السائدة في المجتمعات التي عرفت الحراك تؤدي حتما إلى تلبية طموح ومطالب الناس في التغيير والتشبث بشعار الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية ؛ باختصار؛ فأن هذا الحراك هو أحد مظاهر التناقضات الطبقية في المجتمعات التي عرفت نسيم الربيع العربي في لحظتها نتيجة واقع اتسم برفض الظلم الاجتماعي والطبقي الذي تتعرض له الجماهير العريضة .

2- إن وضع الحركات الجماهيرية غير المنظمة، إنها حركات جماهيرية عفوية أي أنها حدثت من دون تنظيم مسبق. ومن دون قيادة فكرية طليعية قادرة على برمجة المطالب والأهداف حيث أن مطالبها لم تعد تحتمل التأجيل أو تضييع الفرص.

وفي اأثناء هذه التحركات الجماهيرية العفوية تختفي غالباً التناقضات الثانوية والجزئية في ما بين صفوف الجماهير، وتختفي كذلك كل الخلافات التي سبق وأن افتعلتها السلطات والحكومات في ما بين أبناء الوطن، من مثل التفرقة الإثنية والعقدية والسياسية ... وما إليه من محاولات التفرقة بين الكتلة الغاضبة لتفتيت وحدتها وتشتيت أهدافها.

3- اليوم وبعد مرور عشر سنوات على ظهور الحركة، يمكن القول إنه حتى ولو خفت تأثيرها، فهو سيظل قابعا بين ثنايا المجتمع، لأن الحراك الاجتماعي هو سيرورة وتراكم دائم، ونهر يصر على التقدم دوما نحو تحقيق مطالب اجتماعية أساسها العدالة والرفاه الإجتماعي. ربما لن تعود هذه الحركة إلى إشعاعها المتميز في أبهى تجلياته، لكن الأكيد أنها عادت و ستعود بأشكال نضالية آخرى.

يكفي أن تقف وقفة تأملية وتقييمية تثمن الايجابيات وتُقوٍمٌ كل ما يجعل الحركة تتراجع في المشهد السياسي المغربي، حتى تظل فاعلا ايجابيا يدفع نحو تطوير الحريات وتحارب الفساد بكل أشكاله وبذلك تؤسس للحفاظ على سلامة وقوة هذا الوطن

4-  قبل الختم :

إن موقف حزب العدالة والتنمية وكل التيارات النكوصية المشاكسة لمطالب حركة 20 فبراير كان منسجما مع نظرته للعلاقة مع الدولة العميقة مع العلم أنها حكاية معروفة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان دائما يراهن بنكيران على كسب ود الدولة والتقرب منها وبالفعل تحقق له ذلك . وعليه يبقى موقف الحزب السياسي، مناقض لمنطوق النظريات السياسية والتجارب التاريخية التي عرفتها المجتمعات التي مرت بتجارب الانتقال الديمقراطي، حيث التجارب أثبتت أنه من المستحيل أن يكون هناك تحول وإصلاح حقيقي في غياب موازين قوى تفرض شروط للتفاوض وبناء الثقة من جديد بين الدولة وباقي الفاعلين السياسيين الرئيسيين، حيث بدورهم يتم خلق شروط ومبادرات بواسطة الضغط شعبي حتى يتمكن النظام السياسي أن يتحرك في اتجاه التغيير والإصلاح وتحقيق مبتغى الانتقال الديمقراطي المنشود.

لذلك حركة 20 فبراير لم تكن متنفسا فقط بل كانت أملا فجرت حلم الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية لن ننسى ذلك التأثير العاطفي والإحساس الجميل الذي أحدثته في دواخلنا في الأسابيع الأولى للحركة، وما توصلت إليه من إنجازات في ظرف شهرين من الزمن، مهما كانت النتائج والظروف، بذلك فهي تجربة تستحق الاحترام، مهما قيل وسيقال وربطها بنظرية المؤامرة ، لابد من الإقرار أن الشعب تحمس لهذا الحماس وفتحت له آمالا كثيرة للتغيير ...

كذلك لابد من الإقرار أن حركة 20 فبراير لم تحقق مطالبها كاملة لكن الحد الأدنى منها قد تحقق بفضلها تم تحريك الماء الراكض، إلا أن آلية بناء أفقها من جديد لم يعد بيد الحركة ، خاصة أن عفوية الحركة وصدقِيتُها ووضوحها مكن الدولة أن تعرف أفقها بكل سهولة، إلا أن التجربة تستحق الدراسة مهما كانت أحكام الشامتين والمنهزمين، ليس هناك صحيح أو خطأ، بل هناك الواجب وقد أدت الحركة واجبها كحركة سيتذكرها التاريخ والباحثين.

د عبدالغني السلماني، ناقد وباحث