Wednesday 14 May 2025
خارج الحدود

إدريس الفينة: ترامب يستعيد المبادرة في الشرق الأوسط

إدريس الفينة: ترامب يستعيد المبادرة في الشرق الأوسط الأمير محمد بن سلمان ودونالد ترامب
شهدت الساحة الجيوسياسية في الشرق الأوسط منعطفًا جديدًا مع الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، والتي استهلها من العاصمة السعودية الرياض، بوابة الشرق العربي ومركز ثقله السياسي والاقتصادي.
 
هذه الزيارة، وإن تخللتها توقيعات عدة على اتفاقيات ثنائية استراتيجية، فإنّ رمزيتها تجاوزت الأبعاد الاقتصادية لتعيد إلى الواجهة دور الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في معادلات الشرق الأوسط، بعد سنوات من الغياب والتردد خلال إدارة بايدن.
 
فخلال إدارة بايدن، اتخذت واشنطن مواقف بدت في نظر العديد من حلفائها التقليديين وكأنها تراجع عن التزامات تاريخية، ما أتاح للصين فرصة ذهبية لاقتحام المنطقة دبلوماسيًا واقتصاديًا. وقد تجلّى ذلك بوضوح في الزيارة رفيعة المستوى التي قام بها الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، والتي أعقبها انعقاد قمة عربية – صينية غير مسبوقة في الرياض، تُوّجت بسلسلة من الاتفاقيات الطموحة.
 
في المقابل، لم تُحقق زيارة بايدن إلى المملكة، ومحاولته إقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالانضمام إلى المعسكر الغربي في موقفه المناهض لروسيا، النتائج المرجوة. فالقيادة السعودية اختارت تبنّي سياسة الحياد الاستراتيجي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، رافضة الاستجابة لضغوط خفض إنتاج النفط أو التحكم بأسعاره بما يخدم الأجندة الغربية في عزل موسكو ماليًا.
 
ضمن هذا السياق، تأتي زيارة ترامب كمحاولة جادة وواعية لإعادة ترميم جسور الثقة، وإحياء الشراكات القديمة القائمة على المصالح الاستراتيجية المتبادلة. وهي زيارة حملت بين طيّاتها رسائل متعددة: أولها أن الولايات المتحدة قادرة على تصحيح مسارها الإقليمي حين تتوفر الإرادة السياسية، وثانيها أن الشراكة مع السعودية تبقى حجر زاوية في أي تصور أميركي لمستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة.
 
أما الأمير محمد بن سلمان، فقد برز خلال هذه الزيارة كرجل دولة استثنائي يمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى. الاتفاقيات التي تم توقيعها لا تعكس فقط عمق التحالف بين الرياض وواشنطن، بل تؤسس أيضًا لمرحلة جديدة من التعاون في مجالات الطاقة، التكنولوجيا، الدفاع، والتنمية البشرية، بما يعود بالنفع على الشعبين خلال العقود القادمة.
ومن أبرز نتائج هذه الزيارة، القرار الجريء الذي اتخذه ترامب بالدعوة إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وهو ما يشير إلى تحوّل في النهج الأميركي حيال هذا البلد العربي الذي أنهكته الصراعات والحصار لأكثر من 15 عامًا. هذا التحول، إن طُبّق فعليًا، من شأنه أن يفتح باب إعادة الإعمار، ويدفع باتجاه دمج سوريا مجددًا ضمن المنظومة الإقليمية، بما يخدم أمن واستقرار الشرق الأوسط بأسره.
 
في المحصلة، تعكس هذه الزيارة محاولة أميركية جادة لاستعادة زمام المبادرة، وإعادة بناء التحالفات التقليدية على أسس أكثر براغماتية وواقعية، في منطقة لا تحتمل الفراغات، ولا تُغفر فيها الأخطاء الاستراتيجية.