الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: "السربة والعلام"

ادريس المغلشي: "السربة والعلام" ادريس المغلشي
كم من العنواين خداعة لاتفصح عما بداخلها ومن الحيف أن نجعل منها  إطارا لسياق مختلف في  تشبيه يتعسف على المضمون والجوهر ويشوش على  نقط مضيئة في الصورة يطمسها غبش الحالة.
جاء  في سياق الإستدلال لتبسيط المقال والمثال كذلك أننا بالقدر الذي نجنح نحو المقاربة بين التأصيل والتمثيل كما جرى على لسان الفقهاء.
يبدو أننا  نصطدم بصعوبة بادية تكتنف مفرداته رغم سهولة الربط والإحاطة فنحن أمام عنوان مثير للجدل ويحتاج لتعامل خاص واستثنائي عميق يتم من خلاله تدبيرالصورة في جماليتها التي تبدو برونق زاهي يسر الناظرين وتهتز لها مشاعرنا بنوع من الإعجاب سواء  من خلال شاشة التلفاز أو  بالمباشر.
ليس بالسهل رفع هذا الشعار فكثير من الأعطاب  التي نعاني منها  من خلال هرولتنا  نحو لعب أدوار لم نهيء لها جيدا  لا " العلام" كقائد الجوقة  فكيف السبيل "للسربة" إن  جدلية الربط تكمن في  أسرار التفوق وانسجام الآداء وكلما آمن طرف بقدرة الآخر داخل المجموعة ونتج عن المكونين معا ارتياح نفسي  كان الإنجاز رائعا ومتكاملا.
الإعجاب يأتي من خلال الصورة بأكملها لامن خلال أحد مفرداتها على حساب الباقي صحيح يفضل الإنجاز للقائد بقوة الفرقة والعكس صحيح وهذا هو المهم.
لا أخفيكم أن إعجابي بل وولعي بهذه الرياضة لايحده وصف بل تعجز الكلمات عن ضمه والبوح به. 
يتفرد وطني باحتضانها وتعرف به.
تقودني في كثير من المرات لشد الرحال لمناطق وبلدات تعرف هذا الحدث من أجل الإستمتاع بكل هذه الطقوس من خلال تنوعها وغناها دون إغفال مساهمتها في مجالات متعددة.
كنت أراقب في الصبا مجموعات تمر من أمام بيت الجد قاصدة موسم "بلكرن"، حيث يبدو الفارس شامخا كعادته بلباسه الأنيق الناصع البياض وهو يمشي الهوينى بخيلاء الأبطال العائدين من ملحمة حققوا فيها انتصارا . 
و"العلام"  المتميز بلباسه الخاص ونبرة صوته الجهوري الذي ينبعث من أعلى خط وسط السربة حيث يتمركز  ليؤدي دورا حاسما ويعطي إشارة مميزة لمن هم حوله واقفا على صهوة "لدهم " أجود الخيول رغم كلفته  الباهضة  لكنها هينة في تقدير مولع يعشق "التبوريدة " حد الجنون .يرفع  بندقيته للأعلى في شموخ وأناقة  ليسطر ملحمة غاية في الروعة فيصيح عاليا.
(واالحفيظ الله  ... كونوا على بال الدراري ... سر على الله ... ! ) وغيرها من الكلمات الدالة على تواصل تقني لايجيده سوى من عاش ظروفه وتمرس عليها ضمن "السربة".
كل هذه النتف البديعة  المنمقة التي تؤثت الصورة حتى لانقول وبشكل ملفت ترى ماسر سحر هذه الملحمة والتي كلما حضرتها تهز بدواخلك الإحساس بالشهامة والكرم والإعجاب كذلك؟ تلاحظ "السربة" تحت قيادة "العلام" في انسجام مبهر لم تأت بالسهولة المتوقعة وليست ولعا عابرا ينتهي بانتهاء "الموسم" و"الحركة".
إنها فرقة مضبوطة الإيقاع بشكل دقيق من خلال إشارات وإيماءات وتلميحات لايفهمها سوى أعضاء المجموعة هم فقط من يضبطون إيقاعها ويتفاعلون معها بالإشارة المناسبة.
بل استطاع " العلام"  أن يقسم   بمعية الفرقة  مساحة الحلبة ألى مجالات محددة مضبوطة تتوج بإطلاق شحنة البارود دفعة واحدة لتسجل لوحة فريدة بين القوة والجمال والإنضباط لاتملك كمتفرج سوى المسارعة بالإعجاب والتصفيق وأنت تتمنى أن تعاود السربة جولة أخرى أحسن منها إيقاعا وآداء.
لايمكن أن نصادر جمالية الصور وتناسق مكوناتها بإسقاطها من بهائها وصولجانها بشكل آلي في التشبيه على مجموعات تفتقد القيادة والإنسجام  وأتساءل كيف نطلب النتائج وتحقيق الأهداف في سربة غير متناغمة؟ فالعلام فيها منشغل بنفسه دون الباقي بل استطاع أن ينجح في جعل المجموعة سربتين لا واحدة كل واحدة تتربص بالأخرى دون أن تدري أن الحالة التي نعيشها  بداية الفشل والإنهيار و"العلام" مزهو بالصورة قبل الإنجاز في سداجة قل نظيرها.
إنها نوع من الإنتحار الغبي أيها السادة ...!